(النهاية الحتمية للمنظمة المسلحة السرية)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 388
بقلم: د.علي محمد الصلابي
رجب 1444ه/ يناير 2023م
عجلت عدة أسباب وعدة أحداث بنهاية المنظمة المسلحة السرية:
ـ كانت القضية فاشلة مسبقاً لأن استقلال الجزائر كان حتمياً.
ـ وجهت المنظمة ضرباتها إلى المسلمين فظهرت نزعتها العنصرية.
ـ مارست المنظمة سياسة الأرض المحروقة التي أرهبت حتى الفرنسيين الذين لاذوا بالفرار.
ـ اتهام المنظمة من طرف العميد Ailleret قائد القوات المسلحة الفرنسية بالجزائر باللجوء إلى العنف والإرهاب، من أجل قلب مؤسسات الجمهورية وفرض رأي الأقلية بالقوة، ولقد أضاف في مذكرة يوم أول أكتوبر 1962م تهمة أخرى متمثلة في محاولة المنظمة تأسيس جمهورية فرنسية في الجزائر ووهران.
ـ محاولة الانقلاب التي قام بها أربعة عُمداء في أفريل 1961م أثرت في مصير المنظمة المسلحة السرية.
ـ كانت المنظمة تنتظر دعماً من الجيش الفرنسي، ولكن بعد فشل محاولة الانقلاب، قام الرئيس ديغول بتصفية عميقة داخل صفوف الجيش والشرطة: تم اعتقال 400 شخص وتوقيف 5 عمداء و6 عقداء وإقصاء 220 ضابط و250 موظف (ماي 1961م)، كما أُصْدِرَت أوامر بالإحضار ضد عسكريين وشرطيين فارين، وأُلقي القبض على العُمداء: Faure Challe و Petit و Nicot و Gouraud و Bigot و Zeller، وحُلّت منظمة الطلبة، ووُقِّفَت جرايد مثل La Depechere وL,Echo D,Alger, quptidienne، وحُلّت وحدات هامة من المظليين.
بدأ الفرنسيون يغادرون الجزائر منذ أفريل 1962م بالرغم من منع المنظمة السرية ( OAS )، فقدت هذه المنظمة مصادر المساندة والإيواء والنقل والتمويل...
ـ فشلت محاولات تكوين وحدات خارج المدن، ففي سكيكدة أقنع العميد المسؤول على المنطقة المتمردين بالرجوع إلى ديارهم لأنَّ مشروعهم انتحاري، وفي الونشريس قضى الطيران الفرنسي بسرعة على الوحدات المتمردة التي أرادت أن تعتمد على «حركة» الباشاغا بوعلام، وحدة أخرى من المتمردين تحت قيادة الرائد Bazin قضى عليها جيش التحرير الوطني يوم 9 أفريل 1962م بالونشريس، عدد من الفروع التابعة للمنظمة الإجرامية حطمتها أفواج من المجاهدين والفدائيين (14 ماي 1962م) في العاصمة.
ـ انتهت المنظمة المسلحة السرية بعد اعتقال 000،11 شخص، ومعاقبة 493،3 شخص بالسجن، وإصدار أحكام بالإعدام على 44 شخص، وقد نُفِّذَ الحكم في أربعة منهم.
ـ قد ساهمت الأفواج المسماة Les Barbouzes في محاربة أعضاء المنظمة المسلحة السرية ( OAS ).
فمن هم Les Barbouzes ؟ التسمية هذه كانت مخصَّصة لمئتي شرطي فرنسي مكلَّفين من طرف الحكومة الفرنسية بمحاربة منظمة ( OAS )، ثم استُعمِلت التسمية لتعيين الأفواج التي جنَّدها Lucien Bitterlin تحت غطاء الحركة المؤيدة للرئيس ديغول BPC والممتدة إلى الجزائر على شكل اتحادية الجزائر، هدف هذه الأفواج Barbouzes محاربة المنظمة المسلحة السرية بسلاح اتٍ من الأمن العسكري وتموين سري صادر من المندوبية العامة للجزائر.
شاركت أفواج Les Barbouzes في إلصاق شعارات لصالح الحكومة الفرنسية، وفي الهجوم على مقاهي منظمة ( OAS )، وقد خَسِرَت تلك الأفواج 27 من أعضائها.
في يناير 1962م طلب زعيم حركة MPC السيد Jacques Dauer من فرعه في الجزائر أن ينحلّ نظراً إلى اختلاط الأمور، إن العناصر الباقية من Les Barbouzes عادت إلى فرنسا في الثُّلاثيّ الأوَّل من سنة 1962م، وذلك بعد أن فجرت المنظمة المسلحة السرية مقرهم المركزي بشارع Fabre بلبيار (شارع علي بجاوي حالياً) وفندقهم بحي ديار السعادة بالجزائر.
ـ حاولت المنظمة المسلحة السرية أن تغطي فشلها بالعمل على تحقيق اتفاق يوقف العمليات المسلحة، من جهته حاول رئيس الهيئة التنفيذية أن يقنع مسؤوليها بفشل حركتهم المبنية على العنف، وبصلاحية ما جاء في اتفاقيات إيفيان من ضمانات لصالح الأقلية الفرنسية. وقد سُهِّلَت الاتصالات بواسطة Jacques Chevallier الرئيس السابق لبلدية الجزائر و Jean Marie Tine وهو رجل أعمال ليبيرالي.
وقع لقاء أول في منزل Jacques Chevallier يوم أوَّل جوان 1962م: حضر اللقاء عبد الرحمن فارس رئيس الهيئة التنفيذية من جهة، Jean Jacques Susini والعقيد Gardes من جهة المنظمة المسلحة السرية، في هذا اللقاء طلب Susini اتصالاً بعضو من الحكومة الجزائرية، ففهم عبد الرحمن فارس أنَّ المنظمة فشلت وتفتش عن مخرج، ولا سيما أنَّ حالتها تتدهور يوماً بعد يوم، أُلقِيَ القبض على العميد Sagan في وهران يوم 25 مارس 1962م، وصرح العميد Edmond Jouhaud في بداية جوان 1962م أن استقلال (الجزائر) أصبح مكسباً نهائياً، فلا بد أن يُبحَث في تفاهم يجعل حدّاً لكل عمل مسلح.
تدخل المحافظ السامي Christian Fouchet في موضوع الاتصالات مع قياديي المنظمة المسلحة السرية، واستقبل مسؤول خلية جبهة التحرير الوطني في الهيئة التنفيذية شوقي مصطفاي، وأفهمه أن الرئيس ديغول لا يرى مانعاً إذا حصل اتفاق من أجل حقن الدماء.
ذهب وفد الهيئة التنفيذية إلى تونس في جوان 1962م ليخبر الحكومة المؤقتة بما جرى في الأسابيع الأخيرة، تكون الوفد من عبد الرحمن فارس وشوقي مصطفاي ومحمد بن تفتيفة. تلقى الوفد جواباً من أحمد بن بلة وسعيد محمدي بطرابلس ومن يوسف بن خدّة بتونس: لا بد من احترام تاريخ أوَّل جويليه لإجراء الاستفتاء ولا بد من تجنُّب اتفاق مكتوب مع منظمة ( OAS ).
نظم لقاء يوم 17 جوان 1962م بالقرب من فندق الجزائر بين عبد الرحمن فارس وشوقي مصطفاي من جهة و Jacques Susini Jean بحضور Jacques Chevallier و Jean - Marie Tine من جهة أخرى.
أثار Jacques Susini مسألة الضمانات الممنوحة للأقلية الفرنسية، فأجاب شوقي مصطفاي بأنَّ ما جاء في اتفاقيات إيفيان كافٍ وشرح أهمَّ بنودها، وقد رفض شوقي مصطفاي أن يكون اتفاق مكتوب، بعد المناقشة اتفق الجانبان على توجيه نداء بعد تبادل الموضوعات التي تُشرَح.
فهكذا صرَّح شوقي مصطفاي من إذاعة الجزائر يوم 17 جوان 1962م بأن قوات الأمن مفتوحة للجميع، وبأن ممارسة الحقوق المدنية مضمونة للجميع في الجزائر المستقلة، في ندائه أشار شوقي مصطفاي إلى الاتصالات بين الهيئة التنفيذية وممثلي منظمة ( OAS ) قائلاً: حضرت اللقاء لأن منفعته اعترف بها القادة الجزائريون الذين تنتظرون منهم التأمينات الضرورية.
في اليوم نفسه وجَّه Jean - Jacques Susini نداء إلى الفرنسيين يرجوهم فيه أن يلبوا طلب العميد Raoul Salan بوقف العنف، لأنَّ التأمينات المطلوبة بدأت تتجسَّد.
تدخل العميد Raoul Salan يوم 19 جوان 1962م من خلال رسالة وجَّهها للفرنسيين يقول فيها على الخصوص «علينا أن نتشجع الان لمصلحة الوطن، وأن نتكيف مع الوضعية الجديدة» (رسالة مذكورة في الصفحة 338 من كتاب Bernard Tricot ).
بعد هذه التصريحات، صدرت انتقادات من طرف أحمد بن بلة وبن يوسف بن خدّة بالرغم من موافقتهما على الخطوط العريضة. والحقيقة أنَّهما كانا متأثرين بجو التسابق إلى السلطة الملحوظ في تلك المرحلة. سنعود إلى موضوع الخلافات فيما بعد.
تبعاً لهذا الجو من عدم الثقة، قرر أعضاء الهيئة التنفيذية الاستقالة من مناصبهم يوم 27 جوان، وشرحوا الأسباب في الرسالة ذاكرين أن المسؤولين في الحكومة الجزائرية المؤقتة لم يعارضوا فكرة القوة المحلية وفكرة العفو الشامل لصالح أعضاء المنظمة المسلحة السرية ( OAS ).
إن الرسالة أمضاها عبد الرحمن فارس وشوقي مصطفاي وعبد الرزاق شنتوف وعبد السلام بلعيد ومحمد بن تفتيفة بصفتهم أعضاء خلية جبهة التحرير الوطني في الهيئة التنفيذية.
بعد شرحها لظروف الاتفاق مع منظمة ( OAS ) لِحقنِ الدماء، رسمت الرسالة الخطوط العريضة بالنسبة إلى المستقبل القريب: ضرورة إحداث هيئة للتنسيق بين الولايات، وضرورة تكميل اتفاقيات إيفيان بتعديل يبين تشكيلة الهيئة التنفيذية المؤقتة وصلاحياتها في المدة التي تجري بين تاريخ الاستفتاء وتنصيب المجلس التأسيسي ثمَّ تعيين الحكومة.
فرضت الحكومـة المؤقتة استقالة أعضاء الهيئة التنفيذية نظراً إلى اقتراب موعد الاستفتاء، فبقيت الهيئة تعمل حتى الانتخابات التشريعية في سبتمبر 1962م (1).
مراجع الحلقة الثامنة والثمانون بعد الثلاثمائة:
(1) الثورة الجزائرية، بوعلام ص 580 إلى 584.