الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

(عدد ركعات التراويح)

اقتباسات من كتاب " فقه الصلاة" للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله)

الحلقة: الثانية و العشرون بعد المائة

ذو القعدة 1444ه/ مايو 2023م


لم تذكر رواية البخاري عدد الركعات التي كان يصلِّي بها أُبَيُّ بن كعب، وقد اختُلف في ذلك ما بين إحدى عشرة ركعة، وثلاث عشرة، وإحدى وعشرين- أي: مع الوتر- قال الحافظ: ويحتمل أن يكون ذلك الاختلاف بحسب تطويل القراءة وتخفيفها، فحيث يطيل القراءة تقل الركعات، وبالعكس.
وقد ورد أنهم كانوا يقرؤون بالسور الطوال، ويقومون على العِصِيِّ من طول القيام.
وفي إمارة عمر بن عبد العزيز بالمدينة، كانوا يقومون بستٍّ وثلاثين ركعة، ويوترون بثلاث.
قال مالك: وهو الأمر القديم عندنا، يعني في المدينة.
وقال الشافعي: رأيت الناس يقومون بالمدينة بتسع وثلاثين، وفي مكة بثلاث وعشرين، وليس في شيء من ذلك ضيق.
وعنه قال: إن أطالوا القيام وأقلُّوا السجود (أي عدد الركعات) فحسن، وإن أكثروا السجود وأخفُّوا القراءة، فحسن، والأول أحب إليَّ.
قال الإمام النووي: وأما ما ذكروه من فعل أهل المدينة، فقال أصحابنا: سببه أن أهل مكة كانوا يطوفون بين كل ترويحتين طوافًا، ويصلون ركعتين، ولا يطوفون بعد الترويحة الخامسة، فأراد أهل المدينة مساواتهم، فجعلوا مكان كل طواف أربع ركعات، فزادوا ست عشرة ركعة، وأوتروا بثلاث، فصار المجموع تسعًا وثلاثين، والله أعلم.
وصلى بعض السلف أربعين غير الوتر.
ولا تضييق في ذلك كما قال الإمام الشافعي، ولا ينبغي أن ينكر بعض الناس على بعض في ذلك، ما دامت الصلاة تأخذ حقها من الطمأنينة والخشوع.
فمن صلَّى بإحدى عشرة، فقد اهتدى بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قالت عائشة: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان، ولا في غيره، على إحدى عشرة ركعة.
وعن جابر: أنه عليه الصلاة والسلام صلَّى بهم ثماني ركعات، ثم أوتر أي بثلاث.
ومن صلى بثلاث وعشرين، فله أسوة بما كان في عهد عمر، كما رواه غير واحد، وقد أُمِرْنا باتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديِّين.
ومن صلَّى بتسع وثلاثين أو إحدى وأربعين، فله أسوة بما كان عليه العمل في المدينة في خير قرون الأمة، وقد شاهده إمام دار الهجرة، وقال: وعلى هذا العمل من بضع ومائة سنة.
والصلاة خير موضوع، ولم يرد تحديد العدد في قيام الليل في رمضان ولا في غيره بمقدار معين، فلا معني لإنكار بعض العلماء المعاصرين على من صلى عشرين أنه خالف السنة والهدي النبوي، أو من صلى ثمانيًا أنه خالف المأثور عن سلف الأمة وخلفها.
وإن كان الأحب إليَّ ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله لا يرضى له إلا الأفضل، وذلك «إحدى عشرة ركعة» بالوتر، مع تطويل القراءة والصلاة.
والذي يجب إنكاره من الجميع تلك الصلاة التي تُؤدَّى في بعض مساجد المسلمين، وكأنما يلهب ظهورهم سوط يسوقهم إلى الفراغ منها وهي «20 ركعة» في أقل من ثلث ساعة!! والله تعالى يقول: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1-2].
رأي شيخ الإسلام ابن تيمية:
ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلمات جامعة نافعة في بيان مشروعية صلاة التراويح بأيٍّ من الأعداد المروية فيها، قال رضي الله عنه: «ثبت أن أُبَيَّ بن كعب كان يقوم بالناس عشرين ركعة في رمضان، ويوتر بثلاث، فرأى كثير من العلماء أن ذلك هو السنة؛ لأنه قام بين المهاجرين والأنصار، ولم يُنكره مُنكِر.
واستحبَّ آخرون تسعًا وثلاثين ركعة، بناء على أنه عمل أهل المدينة القديم.
وقالت طائفة: قد ثبت في الصحيح عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة. واضطربوا في الأصل، لِمَا ظنوه من معارضة الحديث الصحيح لما ثبت من سنة الخلفاء الراشدين وعمل المسلمين.
الصواب أن ذلك جميعه حسن، كما نصَّ على ذلك الإمام أحمد، وأنه لا يوقَّت في قيام رمضان عدد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقِّت فيه عددًا، وحينئذ فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل القيام بالليل، حتى قد ثبت عنه في الصحيح من حديث حذيفة: أنه كان يقرأ في الركعة بالبقرة والنساء وآل عمران، فكان طول القيام يغني عن تكثير الركعات.
وأُبَي بن كعب لما قام بهم وهم جماعة واحدة، لم يمكن أن يُطيل بهم القيام، فكثَّر الركعات، ليكون ذلك عوضًا عن طول القيام، وجعلوا ذلك ضعف عدد ركعاته، فإنه كان يقوم بالليل إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، ثم بعد ذلك كان الناس بالمدينة ضعفوا عن طول القيام، فكثروا الركعات، حتى بلغت تسعًا وثلاثين».
أما أي هذه الأعداد أفضل؟ فقد قال شيخ الإسلام:
«ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث، وآخرون قاموا بست وثلاثين، وأوتروا بثلاث، وهذا كله سائغ، فكيفما قام بهم في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن.
والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلِّين، فإن كان فيهم احتمال لطول القيام بعشر ركعات وثلاث بعدها، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي لنفسه في رمضان وغيره، فهو الأفضل، وإن كانوا لا يحتملونه، فالقيام بعشرين أفضل، فهو الذي يعمل به أكثر المسلمين، فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين، وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك، ولا يُكره شيء من ذلك، وقد نصَّ على ذلك غير واحد من الأئمة، كأحمد وغيره، ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد مؤقَّت عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يزاد ولا ينقص منه فقد أخطأ».

هذه الحلقة مقتبسة من كتاب فقه الصلاة للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله) ص326-321


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022