الجمعة

1446-11-04

|

2025-5-2

النظام الإداري في عهد هشام بن عبد الملك

من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):

الحلقة: 211

بقلم: د. علي محمد الصلابي

7 رمضان 1442 ه/ 19 أبريل 2021

كان النظام الإداري للولايات امتداداً للعهود التي سبقته، وكانت الولايات أيام هشام بن عبد الملك بصورة عامة هادئة سوى بعض حركات الخوارج التي قامت في العراق وثورة زيد بن علي بالكوفة، وثورة الخوارج في الشمال الإفريقي، والدعوة العباسية التي كانت تنتشر بصمت في خراسان، فإذا عرف بعض أتباعها قتلوا، كذلك قامت حركة يحيى بن زيد بعد هشام. أما في الأندلس وفرنسة فقد كانت فيها فتوحات؛ إذ لم تكن وصلت إليها الخلافات، وكان المجاهدون فيها لا يزالون بعيدين عن التناحر، ولكنه لم يلبث أن دخل إليهم، ثم انسحب المسلمون من وسط فرنسة بعد معركة بلاط الشهداء، واستقروا في جنوبي فرنسة.
1 ـ الشام:
لم يحدث في الشام ما يلفت الانتباه، وكانت عاصمة الدولة الأموية دمشق، وكانت دواوين الدولة الرئيسية بيد الخليفة، وكان معه مجموعة من الكتّاب، فكان بعضهم يختص بديوان الخراج أو الرسائل، أو الصدقة، وما إلى ذلك، وكان سعيد بن عمرو الأبرش الكلبي كاتب هشام ومن كبار أعوانه، وكان له تأثير على هشام، فيحدثنا الطبري: أن هشاماً رفض أن يوافق على شروط الصلح بين الصّغد والمسلمين التي عقدها نصر بن سيار، والي خراسان، فلما كلمه الأبرش بذلك وافق على تلك الشروط.
وكان سالم بن عبد الرحمن مولى سعيد بن عبد الملك، كاتبه على الرسائل، ويعاونه بعمله المذكور بشر بن أبي دلجة، وقد استعمل هشام أهل الذمة أحياناً في تسيير شؤون الدواوين، وكان جنادة بن أبي خالد يكتب لهشام على الطراز، واسمه موجود على الثياب الهاشمية، وكان الربيع بن سابور على الخاتم فولاه هشام الحرس.
وأما بيوت الأموال فكان عليها عبد الله بن عمرو بن الحارث، وعلى الخاتم الصغير والخاصة اصطخر أبو الزبير
مولاه، ولهشام حرس خاص يشرف أحد مواليه عليه واسمه نصير، فعزله بعد ثلاث سنين من خلافته، ثم ولَّى الحرس للربيع بن سابور مولى بني الحريش.
2 ـ العراق:
يشمل العراق إدارياً ولايتي البصرة والكوفة، ويُعيَّنُ لهما أحياناً أمير واحد، وكانت واسط بعد تمصيرها مقراً له، وكان يلي العراق وما يليه من عمل الشرق عمر بن هبيرة الفزاري قبيل مجيء هشام للحكم، فلما جاء هشام عزل ابن هبيرة عن ولاياته جميعها، وعين بدله خالد بن عبد الله القسري على العراقين، وولي قبل ذلك مكة للوليد بن عبد الملك ثم لسليمان، وكان جواداً ممدَّحاً معظماً عالي الرتبة من نبلاء الرجال، ومن أقوال خالد في خطبة: إن أكرم الناس من أعطى من لا يرجوه، وأعظم الناس عفواً من عفا عن قدرة، وأوصل الناس من وصل عن قطيعة.

3 ـ ولاة خراسان وبلاد ما وراء النهر:
عين خالد بن عبد الله القسري على خراسان أخاه أسد بن عبد الله عام 106 هـ، ثم تدخَّل هشام وعين أشرس بن عبد الله السلمي ، ثم عزله هشام وعين بدله الجنيد بن عبد الرحمن، وتوفي الجنيد بمرو ودفن بها قيل: أواخر عام 115 هـ، وقيل: 116 هـ، وقال أحد الشعراء يرثيه:
توفِّي الجودُ والجنيدُ جميعاً
أصبحا ثاويَيْنِ في أرضِ مروٍ
كنتما نزهةَ الكرامِ فلمَّا
فعلى الجودِ والجنيدِ السلامُ
ما تغنتْ على الغصونِ الحمامُ
مُتّا مات الندى وماتَ الكرامُ


ثم عين هشام عاصمَ بن عبد الله الهلالي على خراسان، فقد كانت خراسان ثائرة واضطربت بها الأحوال، واشتد الصراع بين القيسية واليمانية، ثم عيَّن هشام أسد بن عبد الله القسري واستمر على ولاية خراسان إلى أن توفي في ربيع الأول عام 120 هـ، ثم عين هشام نصر بن سيار في رجب عام 120 هـ،.
4 ـ ولاة أرمينية وأذربيجان:
ولى هشام على أرمينية وأذربيجان الجراح بن عبد الله الحكمي، ثم عزله عام 107 هـ وولاها أخاه مسلمة بن عبد الملك، واستمر إلى عام 111 هـ، ثم عزل هشام أخاه مسلمة وولى الجراح بن عبد الله الحكمي الولاية الثانية إلى أن استشهد عام 112 هـ، ثم عين أخاه مسلمة، وأرسل معه الجيوش لقتال الخزر، وظل في ولايته إلى نهاية عام 113هـ، حيث عزله هشام عن أرمينية وأذربيجان والجزيرة وولاها مروان بن محمد لمستهل المحرم سنة أربع عشرة ومئة، واستمر مروان على ولايته إلى ما بعد وفاة هشام، وكان جل نشاطه منصرفاً إلى حروب الأعداء مدة ولايته.
5 ـ الجزيرة والموصل:
يبدو أن منطقة الموصل أصبحت ولاية منفصلة عن الجزيرة في عهد هشام، ويعدد الأزدي أعمالها، واستناداً إلى تقريره فهي تشمل جزءاً من شمال وشمال شرق الموصل حالياً إلى تكريت جنوباً، ويبدو أن الموصل كان يحكمها والٍ مستقل زمن هشام يخضع للخليفة مباشرة، وما يقع شمال الموصل إلى حدود أذربيجان أصبح تابعاً لوالي أذربيجان وأرمينية، لذا فإن أغلب المصادر لا تُشير إلى ولاة للجزيرة خلال عهد هشام، وعلى ما يظهر فإن الجزيرة وأذربيجان وأرمينية كانت تخضع لوالٍ واحد في عهد هشام وأما الموصل فكان يليها لهشام عام 105 هـ مروان بن محمد، ثم ولاها الحر بن يوسف بن يحيى بن الحكم بن أبي العاص عام 108 هـ .
6 ـ ولاية الحجاز:
كانت إمارات الحجاز كلها: مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والطائف؛ بيد عبد الواحد بن عبد الله النضري، ثم إن
هشام بن عبد الملك قد عزله عن الحجاز وأعطاها لخاله إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي عام 106 هـ، وفي عام 114 هـ عاد فعزل خاله إبراهيم بن هشام عن الحجاز وأمّر خاله محمد بن هشام بن إسماعيل على مكة المكرمة، بينما أعطى أمر المدينة إلى خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم، ثم عاد فعزله خالد عن المدينة وضمها إلى محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي عام 118 هـ.
7 ـ مصر:
تولى أمر مصر في بداية عهد هشام بن عبد الملك أخوه محمد بن عبد الملك بن مروان، ولكنه لم يلبث أن استبدل بالحر بن يوسف الأموي الذي بقي في منصبه عامين (106 ـ 108 هـ)، ثم خلفه حفص بن الوليد الحضرمي، إلا أن عبد الملك بن رفاعة قد عاد مرة ثانية إلى إمرة مصر وقد تولاها قبل ذلك، ولكنه توفي بعد خمسة عشر يوماً من تسلمه الأمر، وذلك في مطلع عام 109 هـ، فاستخلف أخاه مكانه وهو الوليد بن رفاعة، فأقره هشام على ذلك، وبقي الوليد في عمله حتى توفي عام 117 هـ، فاستعمل هشام بعده عبد الرحمن بن خالد، إلا أنه كان ليناً، فشكاه أهل مصر إلى الخليفة فعزله، وأعاد إلى الإمرة حنظلة بن صفوان الكلبي للمرة الثانية، وذلك عام 119 هـ، وبقي فيها حتى أرسله هشام إلى إفريقية عام 124 هـ بعد مقتل كلثوم بن عياض القشيري، وولَّى مكانه حفص بن الوليد الحضرمي، واستمر حتى بعد هشام بن عبد الملك أياماً.
8 ـ إفريقية:
كان والي إفريقية بشر بن صفوان عندما بدأت خلافة هشام بن عبد الملك، وعندما توفي استخلف قبل موته نفاش بن قرط الكلبي الذي أسرف في إذلال القيسية، ثم إن هشاماً عيَّن على إفريقية عبيدة بن عبد الرحمن القيسي، فبطش بعمال سابقيه من اليمانية وبال موسى بن نصير، وفي عام 116 هـ أرسل والي مصر عبيد الله بن الحباب فولى على طنجة عمر بن عبيد الله المرادي، فأساء معاملة البربر، الأمر الذي دعاهم إلى الثورة، وسيأتي الحديث عنها بإذن الله في مبحث الثورات في عهد هشام، ودخلت إفريقية في اضطرابات وصراع وقتال إلى أن حسم لصالح الدولة الأموية.
9 ـ الأندلس:
بعد استشهاد عنبسة بن سحيم الكلبي في غزوة داخل فرنسة عام 107 هـ؛ حدثت خلافات استمرت أربع سنوات، ثم تولى أمر الأندلس عبد الملك بن قطن الفهري، ولكن عبيد الله بن الحبحاب الذي وصل إلى إفريقية قد عزل عبد الملك بأمر الخليفة، وأرسل إلى الأندلس عقبة بن الحجاج السلولي العبسي، فسار إليها عقبة وملكها ودخل فرنسا، واستقر في سبتمانية، كما فتح بعض أراضي جيليقية في شمال الأندلس، وقد أسلم على يديه أكثر من ألف رجل، ثم سار أهل الأندلس إليه عام 123 هـ فخلعوه، وتوفي بعد قليل بقرطبة، ونادى أهل الأندلس بعبد الملك بن قطن الفهري أميراً عليهم، وتحرك البربر في الأندلس، فأذن عبد الملك بن قطن الفهري لبلج بن بشر بدخول الأندلس، وكان في طنجة، فدخل ابن بشر وتمكن من الانتصار على البربر في معركة شذونة، وبعدها طلب أمير الأندلس من بلج الخروج من الأندلس، فرفض، وحدث خلاف بين الطرفين قتل نتيجته عبد الملك بن قطن وغدا بلج بن بشر أمير الأندلس، ولم يلبث بلج بن بشر القشيري أن توفي بعد عام تقريباً متأثراً بجراحه التي أصيب بها في معاركه التي خاضها، وخلفه ثعلبة بن سلامة الذي جاء وبلج مع كلثوم بن عياض إلى إفريقية، ولكن حنظلة بن صفوان أمير إفريقية قد بعث إلى الأندلس أبا الخطار حسام بن ضرار الكلبي حسب أوامر الخليفة هشام بن عبد الملك.

يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022