الخميس

1446-12-23

|

2025-6-19

آثار الشرك بالله وعواقبه الوخيمة ..

من كتاب (فقه النصر والتمكين)

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

الحلقة: السابعة والثلاثون

 

إن الشرك الذي يقع فيه الإنسان له آثاره الوبيلة في دنياه وآخرته, سواء أكان الواقع فيه فردًا أم جماعة, فمن تلك الآثار:

1- إطفاء نور الفطرة:

قال تعالى: " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا" [الأعراف:172].

وعلى هذا فإن الشرك نقض للميثاق الذي أخذه الله على البشر وهم في عالم الذر, كما أنه انحراف عن الغاية التي خلق الله الجن والإنس من أجلها, قال تعالى: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ" [الذاريات:56].

إن الإنسان يستمد من حقيقة التوحيد إشراقته ونوره وسداد أمره, فإذا أشرك بالله تصبح أعماله كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء. وتصبح حاله وأعماله معتمة مظلمة, قال تعالى: " وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ  أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ" [النور: 40،39].

2- القضاء على منازع النفس الرفيعة:

إن النفس المتعلقة بالله المتطلعة إلى رضاه لا تستغرقها شهوات الحس ولا تنصرف بكليتها إلى متاع الأرض القريب, إنما تتطلع دائمًا إلى المثل العليا والقيم الرفيعة, وإلى الترفع عن الدنس في كل صوره وأشكاله, سواء أكان فاحشة من الفواحش التي حرمها الله, أو ظلمًا يقع على الناس, أو موقفًا خسيسًا يقفه الإنسان من أجل شهوة رخيصة أو مطلب من مطالب الحياة الدنيا.

ولكن حين تهتز حقيقة التوحيد في النفس ويغشيها الشرك فإن النفس تنحط فتشغلها الأرض, يشغلها المتاع الزائل فتتكالب عليه وتنسى القيم العليا والجهاد من أجل إقامتها وتحقيقها, ويكون جهادها صراعًا خسيسًا على هذا المتاع الزائل يتقاتل من أجله الأفراد والدول والشعوب, وتصبح الحياة البشرية محكومة بقانون الغاب, القوي يأكل الضعيف, والغلبة للقوة لا لصاحب الحق.. وهو الأمر الذي نراه سائدًا في الجاهلية المعاصرة في كل منحى من مناحي الحياة (1). قال تعالى: " وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ" [الحج:31].

3- القضاء على عزة النفس ووقوع صاحبه في العبودية الذليلة:

إن العزة الحقيقية تستمد من الإيمان بالله وحده, قال تعالى: " وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ" [المنافقون:8], ولكن المشرك لا يعرف هذه العزة ولا يتذوقها, إنه عبد؛ ولكنها عبودية ذليلة لأنها ليست عبودية لله, الكريم الرحيم, الذي يُعز عباده بعزته, إنه عبد لبشر مثله يتحكم فيه فيذله, أو عبد لشهواته: شهوة المال أو شهوة الجنس أو شهوة السلطان.. كلها عبودية ذليلة وإن بدت لأول وهلة متاعًا وتمكنًا وتجبرًا في الأرض.

ثم يذهب هذا المتاع الزائل الذي تذل له أعناق الرجال, ويأتي اليوم الذي يقفون فيه موقف الخزي الأكبر أمام العزيز الجبار: " أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ  ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ  مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ" [الشعراء: 205-207].

4- تمزيق وحدة النفس البشرية:

إن الشرك يشتت وحدة النفس البشرية ويمزقها, فيصلي الإنسان -إذا صلى- لإله ويبيع ويشتري ويبتغي الرزق باسم إله آخر يحل له الربا ويحل له الغش والخداع بغية الربح, ويمارس شهواته باسم إله ثالث يُحِل له العلاقات غير المشروعة ويزين له الخبائث, وقد يتوجه إلى بشر مثله أو إلى صنم من الأصنام فيطلب منه البركة أو يطلب منه أن يقربه إلى الله زلفى.. وهكذا تتشتت نفسه في محاولة استرضاء هذه الأرباب المتعددة التي كثيرًا ما يكون لكل منها مطالب تخالف مطالب الأخرى وتعارضها.

وفي النهاية يفقد نفسه بعد أن يفقد أمنه وطمأنينته (2): " ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلاً

فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ

يَعْلَمُونَ" [الزمر:29].

5- إحباط العمل:

قال تعالى: " وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" [الزمر: 65].

هذه بعض الآثار التي تحدث للإنسان الذي يقع في الشرك ولا شك أن تلك الآثار تبعد المجتمع من التمكين الرباني.

----------------------------------------

مراجع الحلقة السابعة والثلاثون:

(1) انظر: ركائز الإيمان لمحمد قطب, ص141،140.

(2) انظر: ركائز الإيمان, ص 144-145.

 

يمكنكم تحميل فقه النصر والتمكين

من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/655

#القرآن


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022