القيادة الربانية ..
من كتاب (فقه النصر والتمكين)
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
الحلقة: الخامسة والأربعون
إن من أخطر عوائق التمكين غياب القيادة الربانية, وذلك أن قادة الأمة هم عصب حياتها، وبمنزلة الرأس من جسدها، فإذا صلح القادة صلحت الأمة, وإذا فسد القادة صار هذا الفساد إلى الأمة، ولقد فطن أعداء الإسلام لأهمية القيادة في حياة الأمة الإسلامية، ولذلك حرصوا كل الحرص على ألا يمكنوا القيادات الربانية من امتلاك نواصي الأمور وأزمة الحكم في الأمة الإسلامية, ففي خطة لويس التاسع أوصى بـ «عدم تمكين البلاد الإسلامية والعربية من أن يقوم بها حاكم صالح» كما أوصى بـ «العمل على إفساد أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء، حتى تنفصل القاعدة عن القمة» (1).
وصرح المستشرق البريطاني «مونتجومري وات» في جريدة التايمز اللندنية قائلا: «إذا وجد القائد المناسب الذي يتكلم الكلام المناسب عن الإسلام فإن من الممكن لهذا الدين أن يظهر كإحدى القوى السياسية العظمى في العالم مرة أخرى» (2)، وقال المستشرق الصهيوني: «برنارد لويس» تحت عنوان: «عودة الإسلام» في دراسة نشرها عام 1976م: «... إن غياب القيادة العصرية المثقفة؛ القيادة التي تخدم الإسلام بما يقتضيه العصر من علم وتنظيم، إن غياب هذه القيادة قد قيدت حركة الإسلام كقوة منتصرة، ومنع غياب هذه القيادات الحركات الإسلامية من أن تكون منافسا خطيرا على السلطة في العالم الإسلامي, لكن هذه الحركات يمكن أن تتحول إلى قوى سياسية هائلة إذا تهيأ لهذا النوع من القيادة» (3).
ويظهر للباحث أهمية القيادة الربانية في فقه التمكين، وقد تكلم العلماء عن صفات القائد الرباني ونجملها في أمور ونركز على بعضها بالتفصيل، فمن أهم هذه الصفات: سلامة المعتقد، والعلم الشرعي، والثقة بالله، والقدوة، والصدق، والكفاءة، والشجاعة، والمروءة، والزهد، وحب التضحية، وحسن اختياره لمعاونيه، والتواضع، وقبول التضحية، والحلم، والصبر وعلو الهمة، و التميز بخفة الروح والدعابة، والحزم والإرادة القوية، والعدل والاحترام المتبادل والقدرة على حل المشكلات، والقدرة على التعليم وإعداد القادة، وغير ذلك من الصفات.
إن من أهم أسباب التمكين أن يتولى أمور الدعوة وقيادة المسلمين قيادة ربانية قد جرى الإيمان في قلبها وعروقها وانعكست ثماره على جوارحها وتفجرت صفات التقوى في أعمالها وسكناتها وأحوالها.
إن القيادة الربانية تستطيع أن تنتقل بفضل الله وتوفيقه بالحركة نحو أهدافها المرسومة بخطوات ثابتة, ولابد أن يكون العلماء الربانيون هم قلب القيادة الربانية وعقلها المفكر حتى تسير الحركة والأمة على بصيرة وهدى وعلم.
ولابد أن نحدد من هم العلماء الذين يكونون على رأس القيادة الربانية.
والعلماء المقصودون هم: العارفون بشرع الله، المتفقهون في دينه، العاملون بعلمهم على هدى وبصيرة، الذين وهبهم الله الحكمة " وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الألْبَابِ" [البقرة: 269].
والعلماء هم: الذين جعل الله عز وجل عماد الناس عليهم في الفقه، والعلم, وأمور الدين والدنيا (4).
والعلماء هم: (فقهاء الإسلام، ومن دار الفتيا على أقوالهم بين الأنام الذين خصوا باستنباط الأحكام، وعُنوا بضبط قواعد الحلال والحرام) (5).
والعلماء هم: أئمة الدين، نالوا هذه المنزلة العظيمة بالاجتهاد والصبر واليقين " وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ" [السجدة: 24].
والعلماء هم: ورثة الأنبياء، ورثوا عنهم العلم، فهم يحملونه في صدورهم وينطبع في الجملة - على أعمالهم - ويدعون الناس إليه، والعلماء هم: الفرقة التي نفرت من هذه الأمة لتتفقه في دين الله، ثم تقوم بواجب الدعوة، ومهمة الإنذار " وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ" [التوبة: 122].
والعلماء هم هداة الناس الذين لا يخلو زمان منهم حتى يأتي أمر الله، فهم رأس الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة, يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم، أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس) (6).
---------------------------------------
مراجع الحلقة الخامسة والأربعون:
(1) قادة الغرب يقولون، جلال العالم ص63.
(2) قادة العالم يقولون، ص25.
(3) التمكين للأمة الإسلامية، ص185.
(4) تفسير الطبري (3/327).
(5) ابن القيم، أعلام الموقعين (1/7).
(6) البخاري، كتاب الاعتصام، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال...» (8/189) رقم 7311.
يمكنكم تحميل فقه النصر والتمكين
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي