تبديل بني إسرائيل أوامر الله قولاً وفعلاً، والحديث في ذلك ...
مختارات من كتاب الأنبياء الملوك ...
بقلم د. علي محمد الصلابي ...
الحلقة (8)
وضح الرسول (ﷺ) مخالفتهم لأمر الله التي أشارت لها الآيات، وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «قيل لبني إسرائيل: ﴿ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ فبدّلوا، فدخلوا يزحفون على أستاههم، وقالوا: حبة في شعرة». متفق عليه.
إنّ المخالفة كانت عندهم هدف بحد ذاته، وإلا فما معنى (حبة من شعرة)؟ ولا معنى لهذا الكلام؛ المهم هو أن لا يدخلوا باب القرية ساجدين، وأن لا يقولوا حِطَّة. قال الإمام ابن حجر في شرح الحديث:
قال الحسن: ﴿وقولوا حطة﴾: أي احطط عنا خطايانا وفي: مسألتنا حطة، فبدَّل الذين ظلموا بالذي قيل لهم قولًا غير الذي قيل لهم، وقالوا: "حبة في شعرة". وأكثر الرواة على رواية: (حبة من شعرة).
وفي رواية الكُشْمِهيني: (حبة من شعيرة)، ومن الشعير. والحاصل أنهم خالفوا ما أمروا به من القول والفعل: فإنهم أُمروا بالسجود عند انتهائهم من الفتح، شكراً لله، وأُمروا بأن يقولوا حطة، فبدلوا السجود بالزحف، وقالوا: حنطة بدل حطة، أو قالوا حطة وزادوا فيها حبة في شعيرة.
لما بدل بنو إسرائيل أمر الله قولاً وفعلاً أوقع الله بهم العذاب، فأنزل عليهم الرجز ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾.
وكان العقاب لهم فورياً وسريعاً، بدلالة الفاء في قوله ﴿فَأَنْزَلْنَا﴾ التي تدل على الترتيب مع التعقيب الفوري؛ أي أن إنزال الرجز عليهم كان فوراً بعد تبديلهم. والرجز هو العذاب. قال الإمام الراغب: أصل الرجز: الاضطراب، ومنه قيل: رجز البعير رجزاً وناقته رجزاء: إذا تقارب خطوها واضطرب، لضعف فيها.
وسُمِّي العذاب رجزاً؛ لأنه يقود إلى اضطراب وزلزلة وحركة القوم المعذبين، والرجز في الآية مبهم، وقد بيَّنه رسولُ الله ﷺ بأنه الطاعون؛ روى البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد: قال رسول الله ﷺ: «الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ علَى طَائِفَةٍ مِن بَنِي إسْرَائِيلَ -أوْ علَى مَن كانَ قَبْلَكُمْ- فَإِذَا سَمِعْتُمْ به بأَرْضٍ، فلا تَقْدَمُوا عليه، وإذَا وقَعَ بأَرْضٍ وأَنْتُمْ بهَا، فلا تَخْرُجُوا فِرَارًا منه».
ولم يُفصّل الحديثُ في تعذيبهم بالطاعون، وإنما أبقاه مُجمَلاً، فلا نعرف تفصيلاتِه، ولا نخوض في ذلك.
وهكذا كانت إقامة بني إسرائيل في الأرض المقدسة تقوم على المخالفة والمعصية، وكان الله يعاقبهم لأنواع العذاب، بسبب فسقهم وظلمهم، ويوقع بهم غضبه ويُحل عليهم لعنته.
مراجع الحلقة:
- علي محمد محمد الصلابي، الأنبياء الملوك، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2023، ص 49-50.
- صلاح الخالدي، القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، دار القلم، دمشق - الدار الشامية، بيروت، ط1، 1419ه - 1998م، ص (3/369).
- صحيح البخاري (6/312).
- تفسير ابن كثير (1/180).
لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:
كتاب الأنبياء الملوك في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي: