مخالفات بني إسرائيل بعد يوشع بن نون (عليه السلام) ...
مختارات من كتاب الأنبياء الملوك ...
بقلم د. علي محمد الصلابي ...
الحلقة (7)
توفي يوشع بن نون بعد ذلك، وتولى قيادة بني إسرائيل آخرون، واستقروا في المناطق المفتوحة من الأرض المقدسة ولا يعنينا هنا الحديث عنهم في هذه المرحلة.
كل ما نقوله إنهم لم يكونوا جادين في الالتزام بشرع الله، ولا ثابتين على الحق، وإنما كانت تغلب عليهم طبيعتهم القائمة على التفلّت والتمرد والمخالفة والعصيان، وقد أورد القرآن مثالاً لتمردهم ومخالفتهم، بعدما استقروا في الأرض المقدسة.
قال تعال: ﴿وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)﴾ [البقرة: 58-59].
وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162)﴾ [الأعراف: 161 - 162].
وخلاصة معنى هذه الآيات: أن الله يُخبرنا عن بعض مخالفات بني إسرائيل، فلما مَنَّ الله تعالى عليهم بالنصر على أعدائهم، أمرهم بشكره على تلك النعمة، وذلك بأن يدخلوا باب القرية ساجدين شاكرين له، وأن يطلبوا منه وضع ذنوبهم وحطّها ومغفرتها، فإن فعلوا ذلك فإن الله سيستجيب لهم، ويغفر لهم ذنوبهم ويحطّ عنهم سيئاتهم، ولكنَّ طبيعتهم المتفلِّتة المتمردة تأبى عليهم الالتزام بأوامر الله، فلمَّا نصرهم الله على أعدائهم لم يدخلوا باب القرية ساجدين، وإنما دخلوا يزحفون على مؤخراتهم وأستاهم، كما يفعل الأطفال الصغار، وبدل أن يقولوا: حطّةٌ، قالوا: حبة في شعرة، وبهذا بدلوا قولاً غير الذي قيل لهم، وتمرّدوا على الأمر الرباني وحرّفوه وغيّروه، وبذلك استحقوا العذابَ من الله.
ونرى بأن الآياتِ أبهمتْ اسمَ القرية، فهي قرية في الأرض المقدسة، ولعل ذلك كان بعد فترة من وفاة يوشع بن نون، في مرحلة لاحقة من مراحل إقامتهم في الأرض المقدسة، بدليل أن الله عاجلهم بالرجز والعذاب عقاباً لهم، ولم يكن ذلك العذاب في عهد يوشع بن نون، والله أعلم.
مراجع الحلقة:
- علي محمد محمد الصلابي، الأنبياء الملوك، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2023، ص 49-50.
- صلاح الخالدي، القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، دار القلم، دمشق - الدار الشامية، بيروت، ط1، 1419ه - 1998م، ص (3/368).