السبت

1446-11-12

|

2025-5-10

بشارات الأنبياء بمحمَّد (صلى الله عليه وسلم)

مختارات من موسوعة السيرة النبوية والخلفاء الراشدين

بقلم: د. علي محمد الصلابي

الحلقة (21)

 

دعا إبراهيم عليه السلام ربَّه أن يبعث في العرب رسولاً منهم، فأرسل محمَّداً إجابةً لدعوته. قال تعالى: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيْهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: 129] ، وذكر القرآن الكريم: أنَّ الله تعالى أنزل البشارة بمبعث محمَّد صلى الله عليه وسلم، في الكتب السَّماوية المنزلة على الأنبياء السَّابقين، فقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطِّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 157].

وبشَّر به عيسى عليه السلام، وأخبرنا الله تعالى عن بشارة عيسى، فقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَم يابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلـمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [الصف: 6].

وأعلمَ اللهُ تعالى جميع الأنبياء ببعثته، وأمرهم بتبليغ أتباعهم بوجوب الإيمان به، واتِّباعه؛ إن هم أدركوه، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: 81].

وقد وقع التَّحريف في نسخ التَّوراة، والإنجيل، وحُذِف منهما التَّصريح باسم محمَّد صلى الله عليه وسلم، إلا توراة (السَّامرة)، وإنجيل (برنابا) الذي كان موجوداً قبل الإسلام وحرَّمت الكنيسة تداوله في آخر القرن الخامس الميلادي، وقد أيَّدته المخطوطات التي عثر عليها في منطقة البحر الميت حديثاً، فقد جاء في إنجيل (برنابا) العبارات المصرِّحة باسم النَّبيِّ محمَّد صلى الله عليه وسلم ، مثل ما جاء في الإصحاح الحادي والأربعين منه، ونصُّ العبارة: «29 - فاحتجب الله، وطردهما الملاك ميخائيل من الفردوس. 30 - فلما التفت آدم رأى مكتوباً فوق الباب: لا إله إلا الله محمَّدٌ رسول الله».

قال ابن تيميَّـة: «والأخبار بمعرفـة أهل الكتاب بصفة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عندهم في الكتب المتقدمة متواترةٌ عنهم» ثمَّ قال: «ثمَّ العلم بأنَّ الأنبياء قبله بَشَّروا به يُعلم من وجوه:

أحدها: ما في الكتب الموجودة اليوم بأيدي أهل الكتاب.

الثاني: إخبار من وقف على تلك الكتب، ممَّن أسلم، وممَّن لم يسلم، بما وجدوه من ذكره بها؛ وهذا مثل ما تواتر عن الأنصار: أنَّ جيرانهم من أهل الكتاب كانوا يخبرون بمبعثه، وأنَّه رسولُ الله، وأنَّه موجودٌ عندهم، وكانوا ينتظرونه، وكان هذا من أعظم ما دعا الأنصار إلى الإيمان به لـمَّا دعاهم إلى الإسلام، حتَّى آمن الأنصار به، وبايعوه».

فمن حديث سلمة بن سلامة بن وقش رضي الله عنه، وكان من أصحاب بدرٍ، قال: «كان لنا جارٌ من يهود في بني عبد الأشهل، قال: فخرج علينا يوماً من بيته قبل مبعث النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بيسيرٍ، فوقف على مجلس عبد الأشهل، قال سلمة: وأنا يومئذٍ أَحْدَثُ مَنْ فيه سناً، عليَّ بردةٌ مضطجعاً فيها بفناء أهلي، فذكر البعث، والقيامة، والحساب، والميزان، والجنَّة، والنَّار، فقال ذلك لقومٍ؛ وكانوا أهل شركٍ، وأصحاب أوثـان، لا يـرون: أنَّ بعثاً كائنٌ بعد الموت. فقالوا له: ويحك يا فلان! ترى هذا كائناً: أنَّ النَّاس يُبعثون بعد نموتهم إلى دارٍ فيها جنَّةٌ، ونارٌ، ويُجزون فيها بأعمالهم؟! قال: نعم، والذي يُحلف به! ولودَّ: أنَّ له بحظِّه من تلك النَّار أعظم تنُّورٍ في الدُّنيا يحمونه، ثمَّ يدخلونه إيَّاه، فيطبق به عليه وأن ينجو من تلك النَّار غداً.

قالوا له: ويحك! وما آية ذلك؟ قال: نبيٌّ يبعث من نحو هذه البلاد، وأشار بيده نحو مكَّة، واليمن.

قالوا: ومتى نراه؟ قال: فنظر إليَّ - وأنا من أحدثهم سناً - فقال: إن يستنفد هذا الغلام عُمرَه؛ يدركه.

قال سلمة: «فو الله! ما ذهب الليل والنَّهار، حتَّى بعث الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو حيٌّ بين أظهرنا، فآمنَّا به، وكفر به بغياً وحسداً؛ فقلنا: ويلك يا فلان! ألست بالَّذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال: بلى، وليس به» [أحمد (3/467) والبيهقي في الدلائل (2/78 - 79) وابن هشام (1/225 - 226)].

وقد قال ابن تيميَّة - رحمه الله! -: «قد رأيت أنا من نُسَخِ الزَّبور ما فيه تصريحٌ بنبوَّة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم باسمه، ورأيت نسخةً أخرى بالزَّبور فلم أرَ ذلك فيها، وحينئذٍ فلا يمتنع أن يكون في بعض النُّسخ من صفات النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ما ليس في أخرى».

وقد ذكر عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهما صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التَّوراة، فقال: «والله! إنه لموصوف في التَّوراة بصفته في القرآن: يا أيها النَّبيُّ إنَّا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وحِرزاً للأميِّين، أنت عبدي، ورسولي، سمَّيتك المتوكِّل، ليس بفظٍّ، ولا غليظٍ، ولا سخَّابٍ في الأسواق، ولا يدفع بالسَّيِّئة السَّيِّئة، ولكن يعفو، ويصفح، ولن يقبضه الله حتَّى يقيم به الملَّة العوجاء؛ بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً» [البخاري (2125 و4838) وأحمد (2/174) والبيهقي في الدلائل (/374 - 375)] .

ومن حديث كعب الأحبار، قال: «إنِّي أجد في التَّوراة مكتوباً: محمَّدٌ رسول الله، لا فظٌّ، ولا غليظٌ، ولا سَخَّابٌ في الأسواق، ولا يجزي السَّيئة بالسَّيئة، ولكن يعفو، ويصفح، أمَّته الحمَّادون، يحمدون الله في كلِّ منزلةٍ، ويكبِّرونه على كل نجدٍ، يأتزرون إلى أنصافهم، ويوضِّئون أطرافهم، صَفُّهم في الصَّلاة وصَفُّهم في القتال سواءٌ، مناديهم ينادي في جوِّ السَّماء، لهم في جوف اللَّيل دويٌّ كدويِّ النَّحل، مولده بمكَّة، ومهجره بطابة، وملكه بالشَّام» [البيهقي في الدلائل (1/376 - 377)].

 

مراجع الحلقة:

- علي محمد محمد الصلابي، السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2004، ص 85-89.

- محمد قلعجي، دراسة تحليلية لشخصية الرَّسول صلى الله عليه وسلم، ص 101 ، 102.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022