السبت

1446-11-12

|

2025-5-10

نزول الوحي على سيِّد الخلق أجمعين (صلى الله عليه وسلم)

مختارات من موسوعة السيرة النبوية والخلفاء الراشدين

بقلم: د. علي محمد الصلابي

الحلقة (23)

 

كان النَّبيُّ (صلى الله عليه وسلم) قد بلغ الأربعين من عمره، وكان يخلو في غار حراء بنفسه ويتفكَّر في هذا الكون، وخالقه، وكان تعبُّده في الغار يستغرق ليالي عديدةً؛ حتَّى إذا نفد الزَّاد؛ عاد إلى بيته، فتزوَّد لليالٍ أخرى، وفي نهار يوم الإثنين من شهر رمضان جاءه جبريل لأوَّل مرَّةٍ داخل غار حراء، وقد نقل البخاريُّ في صحيحه حديث عائشة رضي الله عنها، والبخاريُّ «أبو الصِّحاح، وكتب السُّنن، والمسانيد، وكتب التاريخ»، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: «أوَّلُ ما بُدىءَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرُّؤيا الصَّالحة في النَّوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصُّبح، ثمَّ حُبِّبَ إليه الخلاءُ، فكان يخلو بغار حراء، فَيَتَحَنَّثُ فيه - وهو التَّعبُّد - الليالي ذواتِ العددِ، قبل أن يَنْزِعَ إلى أهله، ويتزوَّد لذلك، ثمَّ يرجع إلى خديجة فيتزوَّد لمثلها، حتَّى جاءه الحقُّ؛ وهو في غار حراءٍ، فجاءه المَلكُ، فقال: اقرأ، قال: «ما أنا بقارئ». قال: «فأخذني، فغَطَّني حتَّى بلغ مني الجهدَ، ثمَّ أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطَّني الثانية حتَّى بلغ مني الجهدَ، ثمَّ أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطَّني الثالثة، ثمَّ أرسلني، فقال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ *اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكَرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5]» .

فرجع بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَرْجُفُ فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد، فقال: زَمِّلُوني، زَمِّلُوني، فَزَمَّلُوه حتَّى ذهب عنه الرَّوْعُ، فقال لخديجة، وأخبرها الخبر: لقد خَشيتُ على نفسي، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبداً! إنَّك لتصل الرَّحم، وتحمل الكَلَّ، وتُكسبُ المعدومَ، وتقري الضَّيفَ، وتعين على نوائب الحقِّ. فانطلقت به خديجة، حتَّى أتت به ورقةَ بن نوفل بن أسد بن عبد العُزَّى ابن عمِّ خديجة، وكان امرأً تنصَّر في الجاهليَّة، وكان يكتب الكتاب العِبْرَانيَّ، فيكتبُ من الإنجيل بالعبرانيَّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة: يا بن عمِّ، اسْمَعْ من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا بن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا هو النَّاموس الَّذي نزَّل الله على موسى، يا ليتني فيها جَذَعاً! ليتني أكون حياً؛ إذ يخرجك قومك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوَ مُخْرِجِيَّ هم؟ قال: نعم، لم يأت رجلٌ قطُّ بمثل ما جئت به إلا عُودي، وإن يدركْني يومُك؛ أنصرْك نصراً مُؤَزَّراً، ثمَّ لم يَنْشَبْ ورقةُ أن تُوُفِّيَ، وفَـتَـرَ الوحي» [سبق تخريجه] .

 

مراجع الحلقة:

- علي محمد محمد الصلابي، السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2004، ص 92-93.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022