من أبرز سمات وملامح العدل (الحكمة والاستقامة) ....
مختارات من كتاب العدالة من المنظور الإسلامي ...
بقلم د. علي محمد الصلابي ...
الحلقة (9)
الحكمة:
ومن ملامح العدل وأبرز سماته: الحكمة، وتستعمل بمعنى العدل والعلم والحلم والنبوة والقرآن والآنجيل.
والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ويقال لمن يُحسن دقائق الصناعات ويتقنها: حكيم.
والحكم والحكيم هما بمعنى: الحاكم والقاضي والحكيم فعيل بمعنى فاعل، أو هو الذي يحكم الأشياء، ويتقنها، فهو فعيل بمعنى: مفعل.
والحكم: هو المنع من الظلم، وسميت حكمة الدابة: لأنها تمنعها.
واستعملت الحكمة في عدة معانٍ تتضمن معنى المنع.
ـ فالعدل: يمنع صاحبه من الوقوع في الظلم.
ـ والحلم: يمنع صاحبه من الوقوع في الغضب.
ـ والعلم: يمنع صاحبه من الوقوع في الجهل.
وقد ذكر بعض العلماء تسعة وعشرين قولاً في تعريف الحكمة.
فقد قيل: الإصابة في القول والفعل، وقيل: معرفة الحق والعمل به، وقيل: العلم النافع والعمل الصالح، وقيل: الخشية لله، وقيل: وضع كل شيء في موضعه، وقيل: سرعة الجواب مع الإصابة.
وعند التأمل والنظر نجد أن التعريف الشامل الذي يجمع ويضم جميع هذه الأقوال في تعريف الحكمة هو: الإصابة في الأقوال والأفعال، ووضع كل شيء في موضعه.
إن الحكمة لابد من اعتبارها عند تحديد معنى العدل، بل إن الالتزام بالعدل وعدم الجنوح إلى الإفراط أو التفريط هو عين الحكمة وجوهرها، وذلك أن الخروج عن العدل له اثاره السلبية إما عاجلاً أو اجلاً، وهذا يخالف الحكمة وينافيها، قال تعالى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269].
الاستقامة:
ومن ملامح العدل: الاستقامة، وقد وردت آيات كثيرة تأمر بالاستقامة وتحث عليها، فالله جل وعلا يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: َ {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا}[ الشورى 112].
وقال تعالى: َ {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}[ الشورى 15].
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ} {الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ *}[فصلت: 30].
فهذه الآيات وغيرها تُبين منزلة الاستقامة ومكانتها، وبما أن لزوم الصراط المستقيم استقامة على دين الله وشرعه، وهذا عين العدل وجوهره؛ لذلك لا بد من تعريف الاستقامة.
قال الراغب: استقامة الإنسان: لزومه للمنهج المستقيم.
وقال عمر رضي الله عنه: الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعالب.
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: استقاموا: أخلصوا العمل لله.
وقال علي بن أبي طالب وابن عباس: استقاموا: أدوا الفرائض.
وقال ابن القيم: فالاستقامة كلمة جامعة اخذة بمجامع الدين، وهي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق والوفاء والاستقامة تتعلق بالأقوال والأفعال والأحوال والنيات، فالاستقامة فيها وقوعها لله، وبالله وعلى أمر الله، ثم قال: سمعت شيخ الإسلام يقول: أعظم الكرامة لزوم الاستقامة.
وقال أيضاً: الاستقامة ضد الطغيان، وهو مجاوزة الحدود في كل شيء.
مراجع الحلقة:
- العدالة من منظور إسلامي، علي محمد الصلابي، دار المعرفة، بيروت، ص 30-32.
- النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (1/419).
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/330).
- تهذيب مدارج السالكين، ابن القيم، (2/528).
لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:
كتاب الأنبياء الملوك في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي: