مفهـوم العـدالـة
مختارات من كتاب العدالة من المنظور الإسلامي
بقلم: د. علي محمد الصلابي
الحلقة (6)
يُعد مفهوم العدالة من المفاهيم الأساسية في فلسفة الأخلاق والسياسة والحقوق، واليوم هو من أوسع المفاهيم المطروحة في الدراسات الاجتماعية والسياسية، ومن أقدم المفاهيم التي عرفها البشر منذ فجر التاريخ، وبداية حضارته، وجعله هدفاً له، وسعى لتحقيقه وإرسائه، ومن أكثر الموضوعات قدسية وشيوعاً في السلوك الاجتماعي، فالعدالة وليدة المجتمع وقواعدها، ظهرت قبل أن تظهر فكرة القانون ومفهومه.
ومن أقدم التعريفات للعدالة وأكثرها فاعلية عبر العصور، هو ما جاء على لسان «أرسطو»: من أن العدالة هي تعامل المتساويين سواسية والمتمايزين خلافاً. ويلي نظرة أرسطو في أهمية التعريف الوارد في شرائع جوستيان، ومفاده: أن العدالة هي العزم الثابت لإعطاء كل امرئ ما يخصه وحسب التعبير الأكثر شيوعاً في التراث الإسلامي: كل ذي حق حقه.
وقد عرَّفها أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: «وضع الأمور في موضعها».
والعدالة عند د. سعيد عبد الكريم هي: شعور كامن في أعماق النفس، ويكشف عنه العقل السليم، ويوصي به الضمير المستنير لإعطاء كل ذي حق حقه، ولكن مع هذا فالعدالة لا تقتصر على مجرد الامتناع عن إيقاع الضرر بالغير، وعلى إعطاء كل ذي حق حقه، وإنما تنطوي فوق كل ذلك على شيء أعمق وأبعد، وهو التوازن بين المصالح المتعارضة بغية توفير النظام الضروري لسكينة المجتمع الإنساني، وتقدمه.
وهناك أصل أخلاقي عالمي مشترك بين جميع الثقافات العالمية، وبالإمكان القول: إن معتنقي جميع الأديان يتفقون حوله، ويتضمن معنى العدالة أو عنواناً رئيسياً من عناوينها، وهذه القاعدة المعروفة هي: أحب لنفسك ما تحب لغيرك، واكره لغيرك ما تكره لنفسك.
ولقد جاء في إعلان «نحو أخلاق عالمية» والذي تم تدوينه في برلمان أديان العالم سنة (1997م) في نيودلهي حول هذا الأصل بأنه من أحد الأصول الأربعة؛ التي تشكل المرشد الرئيسي للأخلاق الإنسانية في القديم.
والإعلان أكد على أن: هناك أصلاً أو مبدأ في الأديان والسنن الأخلاقية للبشر، والذي بقي منذ الاف السنين، وهو أن الشيء الذي لا تحبه لنفسك لا تحبه لغيرك، أو بالقراءة الإيجابية الذي تحبه لنفسك فأحبه لغيرك، يجب أن يكون هذا الأصل شاملاً لجميع مجالات الحياة البشرية للمجتمعات، ويجب الاعتراف به من قبل جميع الشعوب والقوميات والأديان، كمعيار غير قابل للإلغاء، وغير مشروط بشروط، وعلى أساسه كل رفض له هو تمركز حول الذات والآنانية، سواء كانت في قالب فردي أو جماعي، مدانة بكل أشكالها، سواء كانت هذه النزعات طبقية أو قومية أو عرقية.
وقال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وصية قيمة لابنه تحمل في طياتها هذا المعنى إذ يقول مخاطباً ابنه: «يا بني اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكرهه، ولا تظلم كما لا تحب أن تُظلم، وأحسن كما تحب أن يُحسن إليك، واستقبح لنفسك ما تستقبح من غيرك، وارض من الناس ما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقُل ما لا تعلم ولكن قل ما تعلم، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك».
مراجع الحلقة:
- العدالة من منظور إسلامي، علي محمد الصلابي، دار المعرفة، بيروت، ص 21-23.
- العدالة مفهومها ومنطلقاتها، د. أبو بكر علي ، ص21-34.
لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:
كتاب الأنبياء الملوك في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي: