الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

ملكة سبأ وحديث الرسول: «لن يُفْلِحَ قومٌ ولَّوْا أمرَهَمُ امرأَةً»

مختارات من كتاب الأنبياء الملوك (عليهم السلام)

بقلم: د. علي محمد الصلابي

الحلقة (95)

 

جاء في الحديث: «لن يُفْلِحَ قومٌ ولَّوْا أمرَهَمُ امرأَةً».

هذا الحديث لو أُخذ على عمومه لعارض ظاهر القرآن؛ فقد قصّ علينا القرآن قصة امرأة قادت قومها أفضل ما تكون القيادة، وحكمتهم أعدل ما يكون الحكم، وتصرفت بحكمة ورشد أحسن ما يكون التصرف، ونجوا بحسن رأيها من التورط في معركة خاسرة يهلك فيها الرجال وتذهب الأموال، ولا يجنون من ورائها شيئاً، وكان حكمها يقوم على الشورى، وقادت قومها إلى خيرَيِ الدنيا والآخرة.

1- ولذلك ذهب مجموعة من العلماء إلى الردّ على من استدلّ بهذا الحديث -وبأنّ الإسلام منع مساواة المرأة مع الرجل في الحقوق السياسية؛ ومنها المناصب الرئيسية في الدولة، رئاسة كانت أو وزارة أو عضوة في مجلس الشورى، أو أيّ إدارة من مختلف إدارات الحكومة- واستدلوا لرأيهم بالآتي:

أ- إنما الحديث الشريف يعني الولاية العامة على الأمة كلها، أيْ رئاسة الدولة كما تدل عليه كلمة (أمرهم)؛ فإنها تعني أمر قيادتهم ورياستهم العامة، أما بعض الأمر فلا مانع أن يكون للمرأة ولاية فيه، مثل: ولاية الفتوى أو الاجتهاد، أو التعليم أو الرواية والتحديث، أو الإدارة ونحوها، فهذا مما لها ولاية بالإجماع، وقد مارسته على توالي العصور. حتى القضاء أجازه أبو حنيفة فيما تشهد فيه، أي في غير القصاص والحدود وإنما في الأموال، وقد قال بإباحة جماعة من المجتهدين ومن أعلام كل مذهب من المذاهب الإسلامية؛ وهذا يدلّ على عدم وجود دليل شرعيّ صريح يمنع من توليها القضاء، وإلا لتمسك به ابن حزم وقاتل دونه وجمد عليه كعادته.

- قال الأستاذ راشد الغنّوشي في كتابه، "المرأة بين القرآن وواقع المسلمين": والنتيجة أنه ليس هنا في الإسلام ما يقطع بمنع المرأة من الولايات العامة قضاء أو إمارة حتى على فرض ذهبنا مع الجمهور إلى منعها من الولاية العامة (رئاسة الدولة)، فبأي مستمسك يستمسك غاصبو حقها من المشاركة في إدارة الشؤون العامة في كل المستويات.

ليس لهم مستمسك غير التقليد، وليتهم قلّدوا الآباء في عصورهم الذهبية؛ عصور تحرر العقل وانطلاق الأمة، إذن لكانوا أهدى سبيلاً، ولقرؤوا عند شيخ المفسرين الإمام أبي حنيفة وفقيهنا الثائر الأندلسي ابن حزم، أنهم قد أجازوا للمرأة لا مجرد المشاركة في الانتخابات أو الانتماء إلى الأحزاب أو القيام ببعض وظائف الدولة، كالكتابة والوزارة، بل قد أجازوا لها تولي القضاء، وهو من الولايات العامة التي تُقاس شروط الولاية عليها.

ولو تحرروا من تقليد آباء عصور الجمود، وامتدت أبصارهم إلى أبعد من ذلك: إلى عصر التشريع، عصر النبي ﷺ وخلائفه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ومقاصد الشريعة الغراء في العدل بين الناس، والمساواة من أخص معانيه... لألفَوا المرأة لا تشارك في الرأي فحسب في الشؤون العامة، بل تشارك بالسيف أيضاً وتدخل في ساعة الأزمات بالرأي السديد والحل المنقذ، كما تدخلت أم سلمة -رضي الله عنها- في صلح الحديبية عندما أغضب الأصحاب نبيَّهم فلم يطيعوه، فدخل عليها مهموماً، فأشارت عليه بالحلّ الذي أنقذ الموقف، في أحرج موقف عرفته العلاقة بين القائد وصحبه، فهل اعترض النبي ﷺ بحجة أن هذه سياسة، وأن السياسة والحكم خارجات عن دائرة أعمال المرأة؟.

وهل كان رئيس مجلس الشورى عبد الرحمن بن عوف وهو ينفِّذ وصية عمر بن الخطاب في إفراز أحد المرشحين الستة للخلافة، فما ترك أحداً في المدينة إلا استشاره، حتى إنّه كان يدخل إلى خدور النّساء لأخذ رأيهن في المرشح الأفضل، هل كان غائباً عنه كتاب الله وسنة نبيّه بما في ذلك آية القوامة وحديث بنت كسرى؟ أم لأنّه كان مستحضراً كلّ ذلك لم يهمل رأي النساء في الشأن العظيم، كيف لا والشؤون العامة تنعكس نتائجها على الرجال والنّساء على حدّ سواء، فبأي مبرّر تُقصى المرأة عن شأنها وهي إنسان مكلّف كامل التكليف.

ب- قال الشيخ الدكتور عبد الله دراز -رحمه الله-: إن القرآن يقرر مشاركة الرجل والمرأة في كيان الدولة والمجتمع سواء، عدا بعض استثناءات قليلة متصلة بخصوصيتها الجنسية، ويجعل لها الحق مثله في النشاط الاجتماعي والسياسي بمختلف أشكاله وأنواعه، ومن جملة ذلك الحياة النيابية وغير النيابية، مما يتصل بتمثيل طبقات العامة والجهود والدعوات والتنظيمات الوطنية والكفاحية والاجتماعية، وبتمثيل طبقات الشعب ووضع النظم والقوانين، والإشراف على الشؤون العامة والجهود والدعوات والتنظيمات الوطنية والكفاحية والإصلاحية.

وفي نهاية كتاب الأستاذ راشد الغنوشي "المرأة بين القرآن وواقع المسلمين"، قال: إنه ليس في الإسلام ما يبرّر إقصاء نصف المجتمع الإسلامي عن دائرة المشاركة والفعل في الشؤون العامة.. بل إنّ ذلك من الظلم للإسلام ولأمته قبل أن يكون ظلماً للمرأة ذاتها، لأنّه على قدر ما تنمو مشاركة المرأة في الحياة العامة على قدر ما يزداد وعيها بالعالم وقدرتها على السيطرة عليه، وأنه لا سبيل إلى ذلك من غير إزالة العوائق الفكرية والعملية من طريق مشاركتها في الشؤون العامة، والارتقاء بوعيها بالإسلام والعالم، والثقة في قدراتها حتى تكون مساهمتها فعالة في صناعة جيل يخرج عن خويصة نفسه لينخرط في الهموم العامة للأمة والإنسانية.

إذن، نحن مع حقّ المرأة الذي قد يرفع أحياناً إلى مستوى الوجوب في مشاركتها في الحياة السياسية على أساس المساواة الكاملة غير المنقوصة في إطار احترام أخلاقيات الإسلام، فإنما التفاضل بالكفاءة والخلق والجهد لا بالجنس أو اللون، وتأمّل في هذه الآية العظيمة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13].

فما أحوج صحوتنا ونهضتنا إلى قيادات نسائيّة على كل صعيد من نوع عائشة وخديجة، وأم سلمة، وفاطمة، وأسماء، وأم عمار (رضي الله عنهنّ) وزينب الغزالي، والدكتورة سعاد الفاتح... فأين بناتنا؟.

إنّ الأصل العام الذي اجتمعت عليه الأمّة: على أن جميع المسلمين ذكوراً وإناثاً سواء في الخطاب بالأحكام الشرعية. فخطاب الذكور موجه للنساء إلا ما ورد بتخصيصه نص أو إجماع. وكما يقول الشاطبي: الرجل والمرأة مستويان في أصل التكليف على الجملة، ومفترقان بالتكليف اللائق بكلّ واحد منهما، كما في الحيض والنفاس والعدة وأشباهها بالنسبة إلى المرأة، والاختصاص في مثل هذا لا يكون إلا بنص صريح.

2- ونسبة الحديث المذكور يؤيد تخصصه بالولاية العامة فقد بلغ النبي ﷺ أنّ الفُرس بعد وفاة إمبراطورهم، ولّوا عليهم ابنته بوران بنت كسرى فقال ﷺ: «لن يُفْلِحَ قومٌ ولَّوْا أمرَهَمُ امرأَةً».

تعلّقاً بأوهام الوثنية السياسية لا عن رأي ولا شورى، فكان الحديث وصفاً لحال الفرس المتردي، وقراءة بصيرة في سنن قيام الدول وانحلالها، فهذا إخبار عن حال وليس تشريعاً عاماً ملزماً، ذلك مما يدل عليه فقه الحديث.

صحيح أنّ أغلب الأصوليين قالوا: إنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولكن هذا غير مجمع عليه، وقد ورد عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم ضرورة رعاية أسباب النزول، وإلا حدث التخبط في الفهم، ووقع سوء التفسير، كما تورط في ذلك الحرورية من الخوارج وأمثالهم، الذين أخذوا الآيات التي نزلت في المشركين ففهموها على المؤمنين، فدل هذا على أنه يجب أن نرجع إلى أسباب ورود الأحاديث في فهم النص، ولا يؤخذ عموم اللفظ قاعدة مسلمة.

يؤكّد هذا الحديث خاصة: أنه -لو أخذ على عمومه- لعارض ظاهر القرآن، فقد قصّ الله علينا قصة امرأة نجحت في قيادة قومها على المستوى الاجتماعي والسياسي والقيادي، بل قادتهم إلى الإيمان بالله رب العالمين.

كما يؤكّد صرف العموم: الواقع الذي ننشده، وهو أنّ كثيراً من النساء قد كنّ لأوطانهن خيراً من كثير من الرجال، وإن بعض هؤلاء النساء لهنّ أرجح في ميزان الكفاية والمقدرة السياسية والإدارية من كثير من حكّام العرب والمسلمين في وقتنا المعاصر.

3- إن علماء الأمة اتفقوا على منع المرأة من الولاية الكبرى أو الإمامة العظمى، وهي التي ورد في شأنها الحديث، ودلّ عليها سبب وروده، كما دل عليها لفظ (ولّوا أمرهم) وفي رواية "تملكهم امرأة"، فهذا إنما ينطبق على المرأة إذا أصبحت خليفة المسلمين، وهو ما لا يوجد اليوم بعد أن هدمت قلعة الخلافة على يد أتاتورك، عام 1924م، وقد يرى بعض العلماء أن يقيس على ذلك ما إذا أصبحت ملكة أو رئيسة دولة ذات صدارة نافذة في قومها، لا يردّ لها حكم ولا يرفض لها أمر، وبذلك يكونون قد ولّوها أمرهم حقيقة؛ أي أنّ أمرهم العام أصبح بيدها وتحت تصرفها، ورهن إشارتها. وقد يخالفهم آخرون بأنّ رئاسة الدولة القطرية في عصرنا أشبه ما تكون بولاية الولاة قديماً على أحد الأقاليم، كما كان الولاة على مصر والشام والحجاز واليمن وغيرها.

أما ما عدا الإمامة والخلافة وما في معناها من رئاسة الدولة، فهو مما اختلف فيه، وهو يتسع للاجتهاد والنظر، وقد ولّى عمر بن الخطاب الشفاء بنت عبد الله العدوية (رضي الله عنهما) على السوق تحتسب وتراقب، وهو ضرب من الولاية العامة. وينبغي الأخذ بالتدرج في هذا وفق ظروف المجتمع ودرجة نموه وتطوره، فتعطى المرأة ما يناسبها من الوزارات، وتقضي في مجال الأسرة أولاً ثم الأمور المدنية.

مراجع الحلقة:

- الأنبياء الملوك، علي محمد محمد الصلابي، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2023، ص 456-464.

- البرلمان في الدولة الحديثة، د. علي محمد الصلابي، دار المعرفة، الطبعة الأولى، 2014م، ص 257-275-277.

- من فقه الدولة في الإسلام، القرضاوي، ص166 -175-176.

- المرأة بين القرآن وواقع المسلمين، راشد الغنوشي، مركز المغاربي للبحوث والترجمة، الطبعة الثالثة، 2000م، ص 126-133.

- دستور الأخلاق، نقلاً عن نظام الحكم في الإسلام، القاسمي، ص343.

- في الفقه السياسي الإسلامي، فريد عبد الخالق، ص126.

لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:

كتاب الأنبياء الملوك في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي:

https://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/689

#الحج


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022