الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

الفتح العمري للمسجد الأقصى

مختارات من كتاب الأنبياء الملوك (عليهم السلام)

بقلم: د. علي محمد الصلابي

الحلقة (98)

 

نعلم أن المسجد الأقصى الذي بناه إبراهيم (عليه السلام) قد عدت عليه العوادي، وأنه قد تهدم، ولكن مكانه بقي معروفاً، وبقي (الأقصى) وبقي مقدساً والرسول ﷺ أَمَّ الأنبياء في الصلاة، على أطلال بناء الأقصى في ليلة الإسراء والمعراج، ثم قام المسلمون بتجديد بناء المسجد الأقصى بداية من عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الذي دخل بيت المقدس، وأعطى لأهلها الأمان، وكتبت المعاهدة العمرية (لأهل إيلياء)، وبقيت العهدة العمرية المشهورة موجودة حتى اليوم، وهي محفوظة بنصها في كنيسة القيامة بالقدس.

ودخل عمر بن الخطاب بعد هذه المعاهدة القدس، وفتحت له أبوابها وجعل يتجوّل فيها حتّى وصل إلى كنيسة القيامة؛ فأذّن المؤذن وهو فيها، فقال له البطريرك صَلِّ: فقال له: لا، أما إني لو صليت هنا لأخذها منكم المسلمون فيما بعد ويقولون: صلى عمر هنا.

لقد ضرب عمر (رضي الله عنه) للعالم مثالاً للسماحة والشرف، وكان في موضع قوة، فلو أراد به ألا يُبقي حجر على حجر لفعل، ولكنها عظمة الإسلام أشرقت في نفسه، وانعكست على أخلاقه، وهو الرجل الشديد الصلب المعروف بالحزم والعزة.

واستمر عمر الفاروق في تجواله باحثاً عن المسجد الأقصى، فوجده وقد حوله النصارى إلى مكان لإلقاء القمامة والقذارة؛ فشمّر عمر بن الخطاب عن ساعديه وبدأ يكنّس وينظّف المسجد، فلما رأى المسلمون والقادة والجند ذلك تجمّعوا وبدأوا ينظّفون المسجد الشريف، لقد عمل بذلك كبار الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً.

ثم أخذ عمر عباءته فصلى عليها ثم تركها هناك، فكانت أول صلاة للمسلمين في المسجد الأقصى بعد النبي ﷺ، صلى ركعتين: قرأ في الركعة الأولى سورة (ص) التي ذكر فيها داوود (عليه السلام)، وقرأ في الركعة الثانية سورة الإسراء، وكان الذي أذَّن بعد ذلك لأول صلاة هو بلال مؤذن النبي ﷺ، وكان بلال لم يؤذن منذ وفاة النبي إلا في الجابية بعدما تجمعت الجيوش الإسلامية.

ثمّ إنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر فوراً ببناء المسجد الأقصى بعد المزبلة التي كانت فيه؛ فبناه المسلمون. وهكذا عادت المكانة العظيمة للمسجد الأقصى بعد الإهانة التي فعلها النصارى فيه.

إنّ عمر (رضي الله عنه) أعاد للمسجد الأقصى دوره الروحي والحضاري، وأحيا الله به هذا المسجد المبارك، وأصبح امتداداً طبيعياً لمسيرة الأنبياء والمرسلين، وتأدية رسالته الإسلامية الخالدة القائمة على توحيد الله وإفراده بالعبادة.

 

مراجع الحلقة:

- الأنبياء الملوك، علي محمد محمد الصلابي، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2023، ص 473-476.

- دراسات تاريخية من القرآن الكريم، محمد بيومي مهران، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط2، 1408ه - 1988م، (3/127).

- القصص القرآني، صلاح الخالدي، (1/414).

- خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية، عبد الله التل، ص129.

- فلسطين التاريخ المصور، طارق سويدان، ص85.

 

لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر:

كتاب الأنبياء الملوك في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي:

https://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/689


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022