تعزية للشعب السعودي وللأمة الإسلامية بوفاة الشيخ الخطيب المفتي عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، المفتي العام للمملكة العربية السعودية (رحمه الله)
قال الله تعالى:
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾
[آل عمران: 185]
الموت حق، وفقد العلماء مصاب عظيم على الأمة. وإذا مات العالم انقطع من السماء غيث الهداية، وخبا من الأرض نور البيان. ولقد ودعت الأمة الإسلامية واحدًا من رجالها الصادقين ودعاتها العاملين، الشيخ الجليل الخطيب والمفتي عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، الذي قضى عمره في ميادين الدعوة والتعليم والإصلاح، وكان من القامات العلمية والخطابية التي أثّرت في الناس بقوة البيان وصدق الرسالة.
بقلوب يعتصرها الألم، وعيون تفيض بالحزن، ورضًا بقضاء الله وقدره، تلقّينا خبر وفاة شيخنا فقيد العلم والدعوة، ومربي الأجيال، وحُجّة الفلسفة الإسلامية، وموسوعة الفكر المقاصدي، الذي لبّى نداء ربه بعد عمرٍ مديدٍ حافلٍ بالعلم، والدعوة، والنُصح، والربانية، والعطاء الذي لا ينضب.
الحُزنُ يُقلِقُ وَالتَجَمُّلُ يَردَعُ
وَالدَمعُ بَينَهُما عَصِيٌّ طَيِّعُ
ولادته ونشأته:
وُلد عبد العزيز آل الشيخ في 3 ذي الحجة 1362هـ/30 نوفمبر 1943م في مكة المكرمة، وتوفي والده عام 1370هـ/1951م وهو صغير لم يتجاوز الثامنة. وكان تلميذًا لدى محمد بن سنان الذي حفّظه القرآن الكريم بعد وفاة والده بثلاثة أعوام.
نشأ عبد العزيز آل الشيخ يتيمًا، وحفظ القرآن في سن مبكرة، وفقد بصره في العشرينات من عمره. درس العلم الشرعي على مفتي الديار السعودية الأسبق محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وبدأ حياته العملية بالتدريس وعضوية المجالس العلمية بالجامعات. وهو خطيب جامع الإمام تركي بن عبد الله "الجامع الكبير" بالرياض، وأشهر خطباء مسجد نمرة، وله عدة مؤلفات شرعية تشمل: الفتاوى، والعقائد، وأحكام الحلال والحرام، إضافةً إلى كتب أخرى مصنفة من مجموع الفتاوى التي أفتى بها في عدد من البرامج والمناسبات المختلفة.
درس الشيخ كتاب التوحيد والأصول الثلاثة، والأربعين النووية على يد محمد بن إبراهيم آل الشيخ خلال ست سنوات، من عام 1374هـ/1955م حتى 1380هـ/1961م. كما أخذ علم الفرائض عن عبد العزيز بن باز، وتعلم النحو على يد عبد العزيز بن صالح المرشد، ودرس على يد عبد العزيز الشثري متني عمدة الأحكام وزاد المستقنع. والتحق بمعهد إمام الدعوة العلمي بالرياض عام 1374هـ/1955م، ثم بكلية الشريعة بالرياض التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1380هـ/1961م، وتخرج فيها متخصصًا في العربية وعلوم الشريعة عام 1384هـ/1965م.
حياته المهنية:
في عام 1384هـ/1965م، عُيِّن مدرسًا في معهد إمام الدعوة العلمي بالرياض، واستمر فيه ثماني سنوات، قبل أن ينتقل إلى كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ليعمل فيها أستاذًا مساعدًا عام 1399هـ/1979م، ثم أستاذًا مشاركًا عام 1400هـ/1980م، إضافةً إلى التدريس بالمعهد العالي للقضاء بالرياض. وكان عضوًا في عدد من المجالس العلمية بالجامعات السعودية، ومشرفًا ومناقشًا لرسائل الماجستير والدكتوراه.
تولى الإمامة والخطابة في جامع الشيخ محمد بن إبراهيم بدخنة بالرياض بعد وفاة الشيخ عام 1389هـ/1969م، ثم إمامة الجمعة في مسجد الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، ثم إمامة جامع الإمام تركي بن عبد الله. وله جهود كبيرة في إلقاء الدروس والمحاضرات، والمشاركة في الندوات والبرامج الدينية الإذاعية والمتلفزة.
مناصبه:
1402هـ/1982م: عُيِّن إمامًا وخطيبًا بمسجد نمرة بعرفة.
1407هـ/1987م: عضوًا في هيئة كبار العلماء.
1412هـ/1991م: عضوًا متفرغًا في اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
1416هـ/1995م: صدر أمر ملكي بتعيينه نائبًا للمفتي العام.
1420هـ/1999م: صدر أمر ملكي بتعيينه مفتيًا عامًّا للمملكة، ورئيسًا لهيئة كبار العلماء، ورئيسًا للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بمرتبة وزير، بعد وفاة الشيخ عبد العزيز بن باز.
مؤلفاته:
ألف عددًا من الكتب في الفقه والعقيدة والفتاوى، منها:
كتاب الله عز وجل ومكانته العظيمة
حقيقة شهادة أن محمدًا رسول الله
الجامع لخطب عرفة
من فتاوى العقيدة
من فتاوى الطهارة والصلاة
من أحكام وفتاوى الزكاة
من فتاوى الصيام
من فتاوى الحج
فتاوى نور على الدرب (في العقيدة، الطهارة، الصلاة وغيرها)
أسرته:
له أربعة أبناء:
عبد الله بن عبد العزيز آل الشيخ (أستاذ بالمعهد العالي للقضاء).
محمد بن عبد العزيز آل الشيخ.
عمر بن عبد العزيز آل الشيخ (موظف في الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي).
عبد الرحمن بن عبد العزيز آل الشيخ (مهندس في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني).
وفاته:
توفي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ يوم الثلاثاء 1 ربيع الآخر 1447هـ/23 سبتمبر 2025م.
الدعاء والختام:
وإن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك – يا شيخنا ومعلمنا – لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا:
"اللهم اجزه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وارفع درجته في عليين، واجعل علمه وعمله صدقةً جارية، وألحقنا به في الصالحين غير خزايا ولا مفتونين."
﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾ [القمر: 55]
اللهم اغفر لعبدك عبد العزيز آل الشيخ، وارحمه، وعافه، واعفُ عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله من خطاياه بالماء والثلج والبرد، ونقه كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدنس.
اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واجعل كتابه في عليين، واحشره في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
اللهم إنّا نحسبه ممن آمن وعمل صالحًا، فاجعل له جنتين ذواتي أفنان، وحققه بوعدك في قوله: ﴿ولِمَنْ خافَ مقامَ ربِّهِ جَنَّتان﴾ [الرحمن: 46].
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
د. علي محمد محمد الصلابي
(الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)
الثلاثاء 1 ربيع الآخر 1447 هـ
الموافق 23 سبتمبر 2025 م