تعزية للشعب السعودي وللأمة الإسلامية بوفاة الشيخ الجليل الإمام بشير أحمد صديق شيخ القرّاء في المسجد النبوي الشريف
قال الله تعالى:
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ (آل عمران: 185).
بقلوبٍ يملؤها الإيمان بقضاء الله وقدره، ويغمرها الأسى والحزن العميق، نتقدّم بأحرّ التعازي إلى الأمة الإسلامية جمعاء، وإلى الشعبين الشقيقين في المملكة العربية السعودية وجمهورية الهند، في وفاة الشيخ الجليل بشير أحمد صديق – رحمه الله – شيخ القراء في المسجد النبوي الشريف، وأحد أعلام القرآن والقراءات في هذا العصر.
إنَّ رحيل العلماء العاملين فاجعة كبرى، فبموتهم تفقد الأمة منارات الهداية، وتنطفئ مصابيح البيان، وتغيب شموس العلم والإرشاد. لقد عاش الشيخ الراحل حياته كلها في خدمة القرآن الكريم تعلّمًا وتعليمًا وإقراءً، حتى صار علمًا يُشار إليه بالبنان، ومرجعًا لطلاب العلم في الحرمين الشريفين وخارجها.
لمحات من سيرته المباركة
مولده ونشأته: وُلد الشيخ بشير أحمد صديق – رحمه الله – في الهند في بيتٍ عُرف بحب القرآن والعلم الشرعي. منذ صغره تعلّق قلبه بالقرآن الكريم، فحفظه وكرّس حياته لدراسة علومه.
دراسته: التحق بجامعات العلم في لاهور وكراتشي، حيث درس القراءات السبع والعشر على كبار المشايخ، وبرع في علوم النحو واللغة.
هجرته للمدينة المنورة: شدّ الرحال عام 1385هـ إلى مدينة رسول الله ﷺ، فشرّفه الله بالتدريس في المسجد النبوي الشريف، ثم عُيّن مديرًا لمعهد القراءات بالمدينة عام 1387هـ.
نشاطه الدولي: كان له حضور علمي واسع خارج المملكة، حيث زار دولًا كثيرة لتفقد مدارس القرآن وتصحيح قراءاتها. كما دُعي لقراءة القرآن في مجالس ملك المغرب الحسن الثاني – رحمه الله – وسجّل مصحفًا كاملًا برواية ورش عن نافع.
شيوخه وتلامذته
من أبرز شيوخه: الشيخ عبد العزيز الشوقي، الشيخ فتح محمد الفانيفتي، الشيخ حسن إبراهيم الشاعر، الشيخ محمود خليل الحصري، والشيخ حسين خطاب – رحمهم الله جميعًا.
ومن أبرز تلامذته: الشيخ محمد أيوب – إمام المسجد النبوي سابقًا، والشيخ علي جابر – إمام المسجد الحرام وغيرهم من أعلام الإقراء في الحرمين.
مؤلفاته وإرثه العلمي
ترك الشيخ إرثًا علميًا نفيسًا في علم القراءات، من أبرز مؤلفاته:
أوضح المعالم في قراءة الإمام عاصم برواية شعبة.
جامع المنافع في قراءة الإمام نافع بروايتي قالون وورش.
تميّز الشيخ بدقته المتناهية في تعليم الروايات، وحرصه على ضبط السند، ما جعله أحد أعمدة الإقراء في العالم الإسلامي، ومهوى أفئدة طلاب العلم من شتى البلاد.
دعاء وخاتمة
لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمّى.
اللهم اغفر لعبدك الشيخ بشير أحمد صديق، وارحمه رحمةً واسعة، واجزه عن القرآن وأهله خير الجزاء.
اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، ونوّر له فيه، وارفع درجته في المهديين، واجمعه في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
اللهم اجعل علمه صدقة جارية، وقراءاته وأسانيده ميراثًا باقياً يُنتفع به إلى يوم الدين.
رحمَ اللهُ من كانَ منارةً للهدى،
وعلمًا يُضيءُ في قلوبِ أهل الإيمان.
وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
✦ د. علي محمد الصلابي
20 ربيع الأول 1447هـ
الموافق: 2 أكتوبر 2025م