الثلاثاء

1446-11-08

|

2025-5-6

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج1)
(ثورة بو عمامة)
الحلقة: السابعة والستون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الآخر 1442 ه/ ديسمبر 2020
 
تعتبر هذه الثورة أطول ثورة في تاريخ مقاومة الاحتلال، فقد دامت (23) سنة على فترات متقطعة. وتعتبر هذه الثورة امتداداً لثورات أولاد سيدي الشيخ التي بدأت سنة (1864م) واستمرت متقطعة، تلتهب وتخبو، وينتمي الشيخ بو عمامة بن العربي بن التاج الذي ولد في الفقيق على الحدود المغربية إلى عائلة عريقة وذات سمعة شعبية، وهي أولاد سيدي الشيخ التي حاربت فرنسا لمدة من الزمن، وقد اشتهر الشيخ بو عمامة بقدراته على مواجهة الفرنسيين وفشلت فرنسا في إلقاء القبض عليه، كما هو معروف.
وكان بوعمامة يمتاز بسرعة تنقل قواته التي كانت مصدر قصص شعبية، نسبت هذه السرعة إلى كرامات الشيخ التي كانت تجعل قوات العدو لا تراه، وهذه القصص زادت من رصيده في الوعي الشعبي، بحيث راح الناس ينضمون لثورته ويعتبرون ذلك تقرباً إلى الله، والسبب الحقيقي راجع إلى معرفته الجيدة بالصحراء وبالمنافذ التي توصله إلى التل بعيداً عن أعين العدو، وقد اعتمد على أدلاء مهرة عارفين بالمناطق جغرافياً وسكانياً، يقومون بدور مزدوج كشف الطرق وكشف مواقع طوابير العدو من أجل تجنبها، كما قسم جيشه إلى كتائب، وجعل كل واحدة منها تسلك طريقاً مخفياً، لأن العدو كان يبحث عنه هو.
وقد حيرت المسيرة الكبرى نحو التل الضباط الفرنسيين، فقد تمكن في ثلاثة وعشرين يوماً من قطع سبعمئة وثلاثين كيلو متر، وفي الطريق كان الثوار يستولون على حبوب ومواشي العشائر المتعاونة مع العدو.
كما قاموا بقطع أعمدة التلغراف بين فرندة والبيض، وهاجموا مستودعات ومراكز للشركة الفرنسية للحلفاء وقتل الكثير من موظفيها وعمالها الذين كانوا إسباناً.
وامتدت ثورة بوعمامة إلى ناحية وهران في شمال البلاد، لكن نجاحه الكبير كان في الصحراء حيث أسر الجزائريون في عهده بعثة عسكرية فرنسية كانت متواجدة في الهقار بقصد اكتشاف مجاهل الصحراء.وقتلوا قائد البعثة الكولونيل «فلاتين». وفي معركة أخرى استطاع بوعمامة أن يأسر ثلاثمئة فرنسي.
وفي الأخير استطاع الفرنسيون أن يحاصروا بوعمامة في الصحراء، بحيث لا تتسرب أخبار مقاومته إلى شمال البلاد. كما تغلبوا عليه بسبب تفوقهم في السلاح «وخاصة المدفعية»، وكذلك ازدياد النفوذ الفرنسي في المغرب وصعوبة تنقله بين البلدين. وقد توفي بوعمامة بصفة طبيعية يوم (7 أكتوبر 1908م) في دائرة وجدة بالمغرب الأقصى الشقيق.
هذه باختصار، بعض الثورات والانتفاضات التي وقعت في الجزائر خلال القرن التاسع عشر، والتي تثبت لنا أن الجزائرين قد تصدوا لقوات الاحتلال الأجنبي، وحاولوا باستمرار أن يناضلوا من أجل استرداد السيادة للدولة الجزائرية، وإجبار العدو على مغادرة الجزائر وتركها لأهلها الأصليين، لكن قوة العدو وتفوقه في السلاح، وحيله المعروفة بانتهاج سياسة «فرق تسد»، وقضاءه على ثورات الجزائريين ؛ ساهمت في إضعاف المقاومة الجزائرية وتخفيف حدتها.
وكما سنرى لاحقاً فإن قوات الاحتلال الفرنسي والمستوطنين الأروبيين قد قاموا بحركة قمع وتعذيب الجزائريين وحرمانهم من الحقوق السياسية، إلى درجة أن الجزائريين تحولوا إلى سجناء وعبيد في وطنهم الأصلي.
ويبدو أن الشيخ بوعمامة اصطدم بمعارضة كثير من الزوايا المنافسة لزاويته، بسبب سياسة المستعمر في إدراك خطورة الزوايا التي كانت الركيزة الأساسية لثورات الأمير عبد القادر، وسيدى السعدي، والمقراني وغيرها، فركز الفرنسيون بعد ثورة المقراني على التغلغل في الزوايا وشراء ذمم بعض قادتها، ويؤكد ذلك تلك الرسالة التي وقعها محمد بن القاسم الحملاوي رئيس إخوان الطريقة الرحمانية بوسط البلاد، والتي يدعو فيها الشعب والقبائل إلى عدم اتباع بوعمامة، والتي قامت السلطات الاستعمارية بنشرها وتعميمها في سائر أنحاء البلاد في نهاية (1881م).
لقد استمرت سياسة المستعمر وسط الطرق الصوفية نشطة طوال القرن التاسع عشر، والثلث الأول من القرن العشرين ؛ وهذا الذي يفسر اهتمام حركة عبد الحميد بن باديس الإصلاحية بمناهضة المنحرفين في الطرق والزوايا، التي كانت تقود مشعل الثورات الشعبية بين (1830) و(1880م)، والتي تمكن المستعمر من التسرب إليها بعد هذا التاريخ، والتأثير على هذا المنبع وإضعافه، الذي كان وقوداً وداعماً للثورات الشعبية ضد الغزاة.
ولم تنقطع الثورات بعد ثورة الشيخ بوعمامة واستمرت، ومن هذه الثورات:
ـ ثورة سكان عين التركي ومليانة بزعامة الشيخ يعقوب (1901م).
ـ مجازر عين بسام (1906م).
ـ ثورة سكان بني شقران في جبال معسكر (1914م).
ـ ثورة سكان الأوراس والهضاب العليا الشرقية (1916، 1917).
ـ ثورة سكان الطوارق بأزجر والأهقار (1916 ـ 1921م).
ـ مجازر مدينة قسنطينة في (أوت 1934م).
ـ مجازر (8 ماي 1945م) بسطيف وقالمة وخراطة وعموشه وغيرها (1945م).
ـ مجازر دوار السطح بتبسة (1947م)
ـ مجازر برج منابل وسيدي علي بوناب بجرجرة (1948م)
ـ تمرد جنود فرقة الرماة الجزائريين بالحراش (1941م)
ـ مجازر قرى جبال الأوراس (1951م ـ 1953م)
ـ ثورة نوفمبر الكبرى (1954م ـ 1962م)
وكانت هذه كخاتمة لها ونهاية، وقدم الشعب خلالها حوالي مليون ونصف مليون شهيد.
 
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022