الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

(من أساليب المنهج النبوي في تربية الصحابة)

من كتاب الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها:

الحلقة: الخامسة

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

محرم 1443 ه/ أغسطس 2021

لقد استخدم المنهاج النبوي أساليب التأثير والاستجابة والالتزام في تربيته للصحابة، لكي يحول الخلق من دائرة النظريات إلى صميم الواقع التنفيذي والعمل التطبيقي، سواء كانت اعتقادية، كمراقبة الله تعالى، ورجاء الآخرة، أو عبادية كالشعائر التي تعمل على تربية الضمائر، وصقل الإرادات، وتزكية النفس ومع تطور الدعوة الإسلامية، ووصولها إلى الدولة أصبحت هناك حوافز إلزامية تأتي من خارج النفس متمثلة في:

ـ التشريع:

الذي وُضع لحماية القيم الخلقية، كشرائع الحدود والقصاص، التي تحمي الفرد والمجتمع من رذائل البغي على الغير: بالقتل أو السرقة، أو انتهاك الأعراض بالزنى والقذف أو البغي على النفس، وإهدار العقل بالخمر والمسكرات المختلفة.

ـ سلطة المجتمع:

التي تقوم على أساس ما أوجبه الله تعالى من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتناصح بين المؤمنين، ومسؤولية بعضهم على بعض، وقد جعل الله تعالى هذه المسؤولية قرينة الزكاة والصلاة وطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم :﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة، آية : 71).

ـ سلطة الدولة:

التي وجب قيامها، وأقيمت على أسس أخلاقية وطيدة، ولزمها أن تقوم على رعاية هذه الأخلاق، وبثَّها في سائر أفرادها ومؤسساتها، وتجعلها من مهام وجودها ومبرراته.(1)

وبذلك اجتمع للخلق الإسلامي أطراف الكمال كله وأصبح للمجتمع الأخلاقي نظام واقعي مثالي، بسبب الالتزام بالمنهج الرباني.

هذه بعض الخطوط في البناء العقائدي والروحي والأخلاقي في الفترة المكية، ولقد آتت هذه التربية أكلها، فقد كان ما يزيد على العشرين من الصحابة الكرام من الخمسين الأوائل السابقين إلى الإسلام، يمارسون مسؤوليات قيادية بعد توسع الدعوة، وانطلاقها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم آخرون معظمهم استشهدوا أو ماتوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان في الرعيل الأول أعظم شخصيات الأمة على الإطلاق، كان فيهم تسعة من العشرة المبشرين بالجنة، وهم أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم نماذج أسهمت في صناعة الحضارة العظيمة بتضحياتهم الجسيمة، كعمار بن ياسر، وعبد الله بن مسعود، وأبي ذر، وجعفر بن أبي طالب، وغيرهم رضي الله عنهم، وكان من هذا الرعيل أعظم نساء الأمة خديجة رضي الله عنها، ونماذج عالية أخرى، مثل أم الفضل بنت الحارث، وأسماء ذات النطاقين، وأسماء بنت عميس وغيرهن.

لقد أُتيح للرعيل الأول أكبر قدر من التربية العقدية والروحية والعقلية والأخلاقية على يد مربي البشرية الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم، فكانوا هم حداة الركب وهداة الأمة(2)، فقد كان رسول الله صلى الله عليه ولم يزكيهم ويربيهم وينقيهم أوضار الجاهلية، فإذا كان السعيد الذي فاز بفضل الصحبة من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو مرة واحدة في حياته، وآمن به، فكيف بمن كان الرفيق اليومي له، ويتلقى منه، ويعبق من نوره وتغذى من كلامه، ويتربى على عينه.(3)

مراجع الحلقة الخامسة:

( ) المنهاج القرآني في التشريع، ص: 433.

(2) التربية القيادية للغضبان (1 / 201).

(3) رسالة الأنبياء، عمر أحمد (3 / 46).

يمكنكم تحميل كتاب الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها

من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:

http://alsallabi.com/uploads/file/doc/Book157.pdf

كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022