الإثنين

1446-12-20

|

2025-6-16

(المنافع الإجتماعية و النفسية والإقتصادية للرياضة)

من كتاب الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها:

الحلقة: الرابعة والخمسون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

11 ربيع الأول 1443 ه/ 17 أكتوبر 2021

أ ـ للرياضة منافع عديدة، تجعل من الاهتمام بها في الدولة الحديثة من الأهمية بمكان ومن ذلك:

ـ إعداد الجسد بدنياً للقتال والمهام العسكرية والأمنية، إن الهدف الأسمى من ممارسة الألعاب الرياضية للمسلمين كان من أجل إعداد الفرد المجاهد القوي بدنياً ـ إضافة لقوة الإيمان ـ وممارسة الرياضة من أجل هذا الهدف تعدُ طاعة يتقرب بها العبد إلى ربه عز وجل، قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾ (الأنفال، آية : 60).

فالمسلم مطالب بأن يُعدّ جسده في سبيل الله تعالى وللقيام بأعباء الحياة على أكمل وجه وإذا كان إعداد القوة يشمل العديد من الأمور، فإن تحصيل القوة الجسدية بممارسة بعض الألعاب الرياضية يدخل في هذا الجانب وقد أكد العديد من العلماء على هذه الناحية(1).

ـ المحافظة على لياقة الجسم ومنع تكون الدهون الزائدة عن حاجة الجسم، وقد أشار علماء المسلمين إلى ذلك يقول ابن القيم:

والحركة أقوى الأسباب في تولّدها ـ أي الطعام الزائد ـ فإنها تسخن الأعضاء وتسيل فضلاتها، فلا تجتمع على طول الزمان، وتعوّد البدن الخفّة والنشاط(2).

ومن فوائد ذلك أيضاً البعد عن الكسل والخمول، لذلك لابد من الاستمرار في ممارسة بعض أنواع الألعاب الرياضية ـ كالجري والمشي ـ للمحافظة على لياقة الجسد باستمرار(3)، وتؤكد الدراسات الحديثة أن ممارسة الرياضة تحفظ الصحة واللياقة وتبعد عن البطء والكسل والبدانة(4).

ـ الإسهام في الوقاية من أمراض البدن:

وأشار إلى هذا ابن القيم إذ يقول عن الرياضة: وتؤمن جميع الأمراض المادية وأكثر الأمراض المزاجية إذا استعمل القدر المعتدل منها في وقته وكان باقي التدبير صواباً(5).

وتشير الكثير من الدراسات الحديثة والمؤلفات والتقارير الحديثة إلى صحة هذه الفوائد من خلال الرياضة المنظمة والمدروسة في الوقاية من الأمراض كالسكري والذبحة الصدرية والجلطات الدماغية أو أي نوع من أنواع الاضطرابات الخاصة بالدورة الدموية لدى مرض السكري، وتعمل على تقليل مستويات السكر في الدم(6).

كذلك تسهم الألعاب الرياضية ـ وبالذات المشي ـ في تنظيم ضربات القلب وتحسين التنفس عبر الرئتين والحد من التوتر النفسي وضغط التنفس والإرهاق كما تعمل على منع الأعراض السلبية المتعلقة بتقدم السن كتصلب الشرايين وتكلس المفاصل، وارتفاع ضغط الدم وآلام أسفل الظهر والعنق.

وتسهم الألعاب الرياضية المؤداة بدقة في تعويض العيب والنقص البدني لدى الأفراد المعاقبين بدنياً، فتعوّض ذلك في النقص أو تصلح ما لديهم من عيوب، وتؤثر بصورة إيجابية على الدماغ ولاسيما "الذاكرة" من خلال السماح بمرور أفضل للدم، عن طريق تحسين قدرة ضخ القلب للدم ونقل الأكسجين وبالذات لدى كبار السن، وأثبتت الدراسات كذلك أن الجري والقفز وبعض التمرينات، تسهم في الوقاية بصورة كبيرة من مرض هشاشة العظام وترققها.

كما أن ممارسة الرياضة كالمشي تساعد إلى حد كبير في الوقاية من سرطان القولون.

وتؤدي رياضة السباحة إلى تحسين حياة مرضى "الربو" وتقليل عدد العلاجات ودخول المشافي، وتؤدي بعض الأنشطة الرياضية المنتظمة إلى تخفيف التوتر والقلق المسبب للصداع، وبالتالي تقليل نوبات الصداع النصفي "الشقيقة" إلى النصف تقريباً(7).

ب ـ أهمية الألعاب الرياضية من الناحية النفسية:

إن ممارسة الألعاب الرياضية يعود على النفس بفوائد نفسية عديدة منها:

*ـ دفع الملل عن النفس:

وأحوج الناس إلى تقسيم الوقت وتنظيمه هم المشغولون من الناس من أصحاب المسؤوليات لتزاحم الأعباء عليهم، حتى إنهم يشعرون أن الواجبات أكثر من الأوقات، ومن تنظيم الوقت أن يكون جزءًا للراحة والترويح، فإن النفس تسأم بطول الجدّ، والقلوب تملُّ كما تملُّ الأبدان(8)، وقد ظن حنظلة رضي الله عنه أنه قد نافق لأنه قد يكون عند الرسول صلى الله عليه وسلم في سكينة وتقوى من الله عندما سمع من الرسول صلى الله عليه وسلم أمور الآخرة، ثم يكون في لعب وراحة عندما يكون مع زوجه وأهله، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: نافق حنظلة، قال له الرسول صلى الله عليه وسلم:.. «ولكن يا حنظلة ساعة وساعة»(9)، فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن النفس تحتاج إلى أوقات من الجدّ تعبُد فيها الله تعالى وتطلب الرزق وتحتاج إلى أوقات من الراحة والترويح عن النفس بالمباح كملاعبة الأهل فدعا حنظلة إلى إعطاء نفسه حقها من كل ذلك، فعلم حنظلة رضي الله عنه أنه لم ينافق، لأن فعله مباح متوافق مع ما تحتاجه الفطرة والنفس من أمور مباحة، لذلك كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: روحوا القلوب، فإنها تمل كما تملُّ الأبدان(10)، فإن القلب إذا كان كل شغله جداً، فإنه لن يطبق ذلك، إذ النفس مجبولة على طلب الراحة واللعب ـ ومن ذلك الألعاب الرياضية ـ فذلك أمر طبيعي وفطري لا غنى عنه، فلا حاجز يمنعها من طلبه إذا ما التزمت حدود الشرع في ذلك(11).

وتشير الدراسات الحديثة المختصة إلى هذه الفائدة سواء عند الأطفال أو الشباب أو المسنين، لما تقتضيه من ملء الوقت والفراغ بما هو نافع ومفيد ممّا يحسن من المزاج ويذهب الكآبة النفسية عن ممارسي الرياضة في كثير من الأحيان(12).

*ـ التخفيف من حدة الشهوة الجنسية:

إذا كان الإنسان عاجزاً لظروف معينة عن تلبية الرغبة بالزواج، فإن عليه أن يمنعها من السعي وراء تلبيتها بما هو محرم، فيستعين على ذلك بالإرادة والصبر والتقوى والصوم كذلك للمسلم ـ ولا بأس بممارسة الألعاب الرياضية والتي تسهم في الحدّ من رغبته بممارسة ما يسمى "العادة السرية" أو "الاستمناء" وخاصة لدى الشباب، مما يسهم في تحقيق السكون والطمأنينة للنفس في بعض الأحيان، غير أن الألعاب الرياضية قد تسهم في زيادة الشهوة الجنسية وإثارة دوافع الزنا والفاحشة إذا ما مورست في بيئة فاسدة يختلط فيها الرجال والنساء، ويفشو العري بينهم مما هو واقع بكثرة بين الرياضيين في زماننا(13).

*ـ تسهم في منع الأمراض النفسية المزاجية:

وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله في الرياضة:... وتؤمن "من" جميع الأمراض المادية وأكثر الأمراض المزاجية إذا استعمل القدر المعتدل منها في وقته، وكان باقي التدبير صواباً.

يقول الأستاذ محمد قطب في حديثه عن الفروسية:.. وفضلاً عن ذلك فهي وسيلة لإثبات الذات بطريقة نظيفة بدلاً من أن يلجأ الفرد إلى طرق شاذة منحرفة كالإجرام لينال اهتمام الناس أو إعجابهم، ولاشك أن الرياضة البدنية بكل أنواعها داخلة في هذا النطاق(14)، ومن الأمراض النفسية التي تسهم الألعاب الرياضية في الوقاية منها: التواترات، والأرق والسهر والنكد والشعور بالكآبة، كما تؤكد ذلك الدراسات الحديثة(15).

*ـ تهذيب النفس ودفعها إلى قبول الحق:

فإذا ما روّض الإنسان جسده بحركات رياضية عن طريق ممارسة الألعاب الرياضية فإن ذلك قد يدفعه إلى ترويض نفسه وتهذيبها بإلزامها بفضائل الأخلاق وحسن التصرف والمعاملة مع الآخرين، وهذا ما يهدف إليه كثير من ممارسي الألعاب الرياضية من خلال ممارستهم تلك الألعاب وهو ما تؤكده الدراسات الحديثة(16).

وهذا الأمر مشروع في الإسلام، ولعل من العجائب ما كان من صراع بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين ركانة بن عبد يزيد القرشي، حيث إن ركانة لقي الرسول صلى الله عليه وسلم ـ وكان رُكانة مصارعاً لا يُصرع ـ فطلب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُصارعه على شاة فصرعه الرسول صلى الله عليه وسلم فعاوده مرة أخرى فصرعه الرسول صلى الله عليه وسلم وفي الثالثة كذلك، فكان ذلك سبباً في إسلام رُكانة رضي الله عنه، إذ علم أن محمداً صلى الله عليه وسلم لما آتاه الله من قوّة فكان الصراع بينهما صراعاً للشرك في نفس ركانة(17)، ومن ذلك: ما لو أراد إنسان دعوة أخ له إلى ترك محرم عن طريق ممارسة لعبة رياضية وفيه يقول د. عبد الكريم زيدان في حديثه عن الاستعانة ببعض المباح لتغيير المنكر.. كما لو كان له ولد أو صديق يلعب القمار فيعوضّه بتخصيص جائزة له على سبق غيره في مباح كركض أو فروسية أو رمي(18).

ج ـ أهمية الألعاب الرياضية من الناحية الاجتماعية:

من الفوائد للحياة الاجتماعية:

*ـ الإسهام في حفظ استقرار الأسرة والنظام التربوي في المجتمع فإذا نشأ الفرد نشأة سليمة، فإن الأسرة لابد أن يصلح حالها وتكون رافداً للمجتمع بالجيل العامل النافع، ومن عناصر التربية والتنشئة التي يحتاج إليها الفرد في حياته دخول عنصر الترويح والتربية البدنية مما يُتحصل جزء كبير منه بممارسة الألعاب الرياضية، وذلك يكون بدءاً من سنّ الطفولة بالذات فالشباب فكبار السنّ، وإذا كانت الأسرة المنطلق إلى تطبيق ذلك، فالمدرسة والجامعة والمسجد، هي المكمل لهذا الدور، وقد أشار إلى أهمية هذه الناحية ـ ولاسيما في تربية الأطفال ثم الشباب ـ عدد كبير من العلماء(19)، يقول الإمام أبو حامد الغزالي: ويعودُ في بعض النهار المشي والحركة والرياضة(20). أي الطفل لينشأ نشأة سليمة ويقول السيد سابق: أن يحبب إليه ـ أي الصبي ـ ممارسة الألعاب الرياضية مثل العدو والسباحة والرماية(21)، فإذا كانت الألعاب الرياضية تؤدي إلى قوة الجسد عند من يمارسها فإن الفرد سيكون أقدر على العمل وأكثر فاعلية وإنتاجاً، كل في مجاله المحدد له، عكس ما يكون عليه حال الضعيف الكسول الخمول(22).

*ـ المساهمة في حفظ المجتمع من المشاكل الأخلاقية:

وذلك عن طريق إيجاد وسائل مشروعة ومباحة لملء الفراغ لدى الناس ولاسيما الشباب ومن تلك الوسائل ممارسة الألعاب الرياضية، والتي تعمل على الحد من الشهوة الجامحة نحو الاتصال الجنسي بين الرجال والنساء والعزّاب عند كثير منهم وكذلك منع الشباب وغيرهم من قضاء وقت الفراغ في أمور محرمة كشرب المخدرات أو الاشتغال بأعراض الناس أو الاعتداء عليهم(23)، أو الذهاب إلى دور "السينما" الفاسدة المفسدة أو التسكع في الشوارع ونحو ذلك.

ولاشك أن الألعاب الرياضية ليست العنصر الوحيد أو الرئيس في تحقيق ذلك، فالأساس هو التقوى واتباع الشرع، والرياضة من العوامل المساعدة.

د ـ أهمية الألعاب الرياضية من الناحية السياسية:

للألعاب الرياضية أهمية في بناء الأفراد والمقاتلين الأشداء في جيوش دول العالم وهذا لاشك يسهم بشكل كبير وفعال في تحقيق الاستقرار السياسي للدول والشعوب جميعها، فحيثما وجدت القوة الجسدية لدى أفراد المجتمع وخاصة الجيوش فإن ذلك يكون سبباً في وجود القوة العسكرية، فالسياسة والعكس صحيح.

يقول الأستاذ مصطفى الطحان في هذا الشأن: والأمم ـ كل الأمم ـ إذا انهار إنسانها انهدم بنيانها، وإذا أرادت النهوض تركز على الإنسان فأحيت فيه الجوانب الروحية والإنسانية والعقلية والجسدية والأخلاقية، فتراها تشمخ معه وتعود للعطاء(24)، وقد فطن الحكام والزعماء إلى ذلك، فسعوا إلى تطبيقه عملياً في أفراد مجتمعاتهم وفي جيوش دولهم في مختلف الأزمنة، واستثمار الحاكم المدارس والجامعات ونحوها في بناء جيل قوي.. يسهم في تحقيق الاستقرار السياسي في بلده وبناء الجيل جسدياً بالرياضة من أنجح الوسائل وأحسنها في تحقيق تلك القوة.

ولعل الألعاب الرياضية كذلك، تعد مجالاً لتحقيق بعض مجالات التعاون بين الدول من خلال إقامة اللقاءات الرياضية المشتركة بين أفرادها وأنديتها ومنتخباتها وقد يدل انعدام إقامتها على حالة عداء بين الدول، كما كان الحال في امتناع بعض الدول عن المشاركة في بطولات عالمية "كالأولمبياد" بسبب الخلافات السياسية(25).

هـ ـ أهمية الألعاب الرياضية من الناحية الاقتصادية:

فالفرد القوي جسدياً يكون في كثير من الأحيان فاعلاً ومنتجاً اقتصادياً أكثر من الفرد الضعيف الكسول الخامل، وهذا يعود على الإنتاج الاقتصادي بالفائدة أو الزيادة إذا ما تولى العمل والإنتاج أهل القوة والكفاءة الجسدية إلى جانب الأخذ بقوة العلم والروح(26).

مراجع الحلقة الرابعة والخمسون:

( ) الألعاب الرياضية، د. محمد عقلة، ص ، ص: 48.

(2) الألعاب الرياضية، ص: 48.

(3) المصدر نفسه، ص: 48.

(4) المصدر نفسه، ص: 48.

(5) الطب النبوي لابن القيم، ص: 246 ـ 247.

(6) الألعاب الرياضية، ص: 49.

(7) الألعاب الرياضية، ص: 50.

(8 الحلال والحرام للقرضاوي، ص: 281.

(9) رواه مسلم (8/ 94).

(0 ) الألعاب الرياضية، ص: 51.

(1 ) في التدريب التربوي، مصطفى الطحان، ص: 60 ـ 108 ـ 109.

(2 ) الألعاب الرياضية، ص: 52 ـ 53.

(3 ) الألعاب الرياضية، ص: 15.

(4 ) الإنسان بين المادية والإسلام، محمد قطب، ص: 121.

(5 ) الألعاب الرياضية، ص: 53.

(6 ) المصدر نفسه، ص: 54.

(7 ) الجامع الصحيح سنن الترمذي (4/ 247).

(8 ) أصول الدعوة، عبد الكريم زيدان، ص: 484.

(9 ) تربية الطفل في الإسلام، عبد الله عبد الرحيم، ص: 46.

(20) إحياء علوم الدين (3/ 73).

(21) إسلامنا السيد سابق، ص: 238.

(22) الألعاب الرياضية، ص: 56.

(23) الألعاب الرياضية، ص: 56.

(24) في التدريب التربوي، ص: 49 ـ 74.

(25) الألعاب الرياضية، ص: 57.

(26) الألعاب الرياضية، ص: 58.

يمكنكم تحميل كتاب الدولة الحديثة المسلمة دعائمها ووظائفها

من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:

http://alsallabi.com/uploads/file/doc/Book157.pdf

كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022