الجمعة

1446-11-04

|

2025-5-2

(تحديد مدة الرئاسة في الإسلام)

الحلقة: 27

بقلم: د. علي محمد الصلابي

جمادى الأولى 1443 ه/ ديسمبر 2021

لا مانع شرعاً من إضافة شرط يحدد مدة ولاية الرئاسة، حيث إن روح النظام الإسلامي لا تتنافى إطلاقاً مع توقيت الرئاسة بمدة زمنية محددة إذا ما تضمن عقد الرئاسة ذلك، وتم النص على ذلك في الدستور؛ لأن:

أ ـ التوقيت لا ينافي طبيعة العقد:

إن عقد الرئاسة من العقود الرضائية، يصح بما تصح به العقود، ويبطل بما تبطل به، وطرفا العقد هما الرئيس والشعب، ولكل منهما حقوق وواجبات مقررة من قبل الشرع، ولا يوجد ما يمنع أن يعرض أحد الأطراف شروطاً أخرى بشرط ألا تخالف النظام العام الإسلامي.

فالعاقدان يمكنهم أن يحددوا نطاق عقدهم فيما لا يحل حراماً أو يحرم حلالاً، ويجوز للمواطنين أن يشترطوا فترة محددة للبيعة، فهذا لا يخالف الشريعة الإسلامية نصاً أو روحاً، فالأصل في الأشياء الإباحة إلا أن يأتي دليل شرعي يحرمه، ويجدر بنا أن نذكر أنه إذا وضع المسلمون شرط توقيت فترة الرئاسة، وقبل الرئيس هذا الشرط، وتم تنصيبه على هذا الأساس، فعليه الالتزام به مصداقاً لقوله تعالى: َ {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُّمْ وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ *} [النحل: 91] .

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ *كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ *} [النحل: 2 ـ 3] .

وقال تعالى: َ {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ *}[الرعد: 25] .

وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له».

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان».

ب ـ وهذا الشرط يحقق مقاصد الشريعة ومصلحة المسلمين، حيث إنه سيسمح لهم بالآتي:

· بإمكانية تبادل السلطة في المجتمع الإسلامي بالطرق السلمية ؛ مما يتفادى معه الثورات وحركات الخروج المسلح؛ التي كان لها أسوأ الأثر على الشعوب.

· إن تطبيق هذا الشرط يمنح فرصة للشعب للقيام برقابة شعبية متجددة على رئيس الدولة، كما تسمح لهم بإبعاده عن السلطة، واستبداله بالأصلح إذا حاد عن الطريق الذي يرتضيه الشعب.

· إن تحديد فترة زمنية للرئاسة يعتبر دافعاً للرئاسة لأجل معلوم، فيكون بذلك حافزاً له، فلا يستكين لأن مدة رئاسته وأعماله محسوبة، وذلك بخلاف من يتولى الحكم مدى الحياة.

· إن تحديد مدة عقد الرئاسة يعطي للأمة الإسلامية الفرصة لاختيار الرئيس الأنسب لظروف وحاجات المجتمع في كل فترة من الفترات التي تمر بها الشعوب، ولتوضيح ذلك نقول: إن الولاية لها ركنان (القوة والأمانة)، مصداقاً لقوله تعالى: َ {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ *}[القصص: 26] .

ولما كان اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل، فعلى المؤمنين اختيار الأصلح من حيث وقائع الظروف المعاصرة، فإذا كان يهددهم عدو جبار فليختاروا في هذه الفترة المرشح الأعظم قوة ومهابة عند الأعداء من الأعظم أمانة، وبذلك تعطى فترة الرئاسة المحددة للمواطنين القدرة على اختيار الرئيس الذي يحقق لهم نفعاً أكثر ومصلحة أكثر في وقت بعينه.

ج ـ العلماء القائلون بتحديد مدة الرئاسة:

قال الدكتور عبد الرزاق السنهوري:هناك سؤال اخر: هل من جوهر نظام الخلافة نفسه أن يكون منصب الخلافة لمدى الحياة، أو غير محددة المدة؟ وأن الموت وحده إذا لم يتوافر أي من الأسباب الأخرى هو الذي ينهي ولاية الخلافة؟ وبعبارة أخرى هي يمكن أن يعين الرئيس لمدة محددة معينة، وأن تنتهي ولايته تلقائياً بحكم القانون عند انتهاء هذه الفترة؟

وللسؤال أيضاً أهمية فيما يتعلق بشرعية النظم الجمهورية من وجهة نظر الفقه الإسلامي.. ورغم أن مثل هذه الحالة لم تواجه من قبل نظرياً أو عملياً في التاريخ الإسلامي، وعلى الرغم من أن المفهوم التقليدي للخلافة أن تنصيب الخليفة يكون لمدى الحياة، ولكنه لا يوجد حسب رأينا في مبادأئ الفقه الإسلامي أي مانع من تحديد مدة الولاية.

قال توفيق الشاوي: الذي اعتبر أن الخلافة عقد بيع حر، فتستمر الخلافة مدى الحياة إذا لم يتضمن العقد تحديداً لمدة الولاية، وإلا فإنه يمكن أن يتضمن العقد شروطاً على سلطة الحاكم بتحديد مدة ولايته.

قال القرضاوي بجواز التحديد، ومحمد أسد يرى أيضاً أنه لا ضير أن تكون مدة الإمارة محدودة بزمن معين طالما أن الشريعة لم تنص على هذه المسألة بشيء.

وقال القرضاوي: أما الاحتجاج بالإجماع العملي من المسلمين على عدم تأقيت مدة الأمير، ففي هذا الاحتجاج شيء من المغالطة، فالإجماع الذي حصل يفيد شرعية استمرار مدة الأمير مدى الحياة. أما الأمر الاخر وهو التحديد أو التأقيت فلم يبحثوا فيه، بل هو مسكوت عنه، وقد قالوا: لا ينسب إلى ساكت قول.

وقال الأستاذ محمود المرداوي: ومما لا شك فيه أن بيعة المسلمين لخلفائهم لم يشترط فيها تحديد زمني لمدة خلافة كل منهم، ولكن عدم اشتراطهم ذلك لا يعني حرمة الاشتراط، فليس ثمة نصوص صريحة توجب أن يكون الخليفة في منصبه إلى وفاته، ولئن اعتبر ذلك إجماعاً من الصحابة، فإن فعل الصحابي غير ملزم من جهة، ومن جهة أخرى فإجماع الأمة على أمر في زمن يلغيه إجماع اخر في زمن اخر إن كانت مصلحة الأمة في ذلك.

ومما لا شك فيه أن النظم الغربية، والديمقراطية الغربية على سبيل التحديد، أكيس النظم المعمول بها الان من حيث ضبطها للحاكم وتقييدها لهم، فلا يقدر على ظلم أو جور، فإن ظلم في شيء فما أسهل أن يعزل بعد محاكمته، وإن أساء أو أخطأ فما أسهل ألا يعاد انتخابه مرة أخرى، وحقاً إنها من فضائل الروم أنهم أمنع الناس من ظلم الملوك.

وروى مسلم في صحيحه: قال المستورد القرشي عند عمرو بن العاص: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس»، فقال له عمرو: أبصر ما تقول، قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالاً أربعاً:

· أنهم لأحلم الناس عند فتنة.

· وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة.

· وأوشكهم كرة بعد فرة.

· وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف.

· وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك.

فمنعة الأمة ـ أي أمة ـ من ظلم الملوك أمر استحسنه السلف حتى الملوك أنفسهم، ولا تكون المنعة في الشعب بالفطرة، ولكنها بالنظم التي تصطلح عليها الشعوب، وتقيد حكامها بها، وتلزمهم بممارستها، فيحكمون الشعوب بموجب منهج وضعته لهم، فليس لهم أن يخالفوه، ولعل ذلك هو مفهوم حكم الشعب بالشعب، وإن من خصائص هذا الحكم تحديد فترة حكم الحاكم بسنوات معينة متفق على تحديدها؛ مما يجعل الرئيس مقيداً بمراقبة الشعب له، وبرغبته في إرضاء الشعب ليعاد انتخابه فترة أخرى مدفوعاً بإحساسه بكرامته، وحسن سمعته، وسمعة الحزب الذي رشحه، وأوصله إلى هذا المنصب.

وقال ضياء الريس:إن الإمام يبقى ما بقي صالحاً، ثم إذا تغير يجب أن يزال ويبايع غيره، وهذا شيء غير التحديد الزمني، على أننا نقول أيضاً إنه مادام علماء الإسلام قد قرروا أن الإمامة أو الدولة تقام بمقتضى عقد، وقرروا حرية التعاقد، فقياساً على ما ساقوا من حديث بالنسبة لعقود أخرى يكون من حق طرفي العقد أن يضيفا من الشروط ما يريانه ملائماً، مادامت الشروط لا تتنافى مع طبيعة العقد، ومادامت تحقق المصلحة العامة، وبناء على ذلك لا يكون هناك مانع من أن تشترط الأمة أن يكون العقد محدداً بأجل زمني قابل للتجديد أو غير قابل.

د ـ كيف تحدد مدة الرئاسة؟

تكلم المجوزون لتحديد الرئاسة عن كيفية هذا التحديد ومدته فقالوا: إن مدة الرئاسة ينبغي أن لا يكون هناك إفراط في طولها أو في قصرها؛ حتى لا تكون مدعاة لإثارة الفتن والقلاقل، ويتم تحديدها بين خمس إلى عشر سنوات.

وكذلك اختار حسن الترابي أن تحدد مدة الولاية بأجل مسمى، وألا يقصر الأجل فيؤدي ذلك إلى الاضطراب في سياسة البلاد، وأن لا تطول ليمهل الرئيس للاخرين مجال التداول على السلطة، والاستفادة من خبراتهم التي تحتاجها الأمة، والأفضل أن يتوسط الأجل سنوات معدودة نحو عشر سنوات تقريباً قياساً على إمارة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإجارة موسى عند شعيب عليهما السلام، فالمطلوب وجود تباعد زمني ما بين تجديد الولايتين؛ لأن تقارب المدة تحصل منه مفاسد كبيرة.

إن نصوص القرآن والسنة ليس فيها ما يدل على منع التحديد، أو على أن الرئاسة منصب يتولاه مدى الحياة، فهذه الأمور من التفصيلات المنظمة للإمامة، والقران الكريم لم يهتم بتفصيل هذه الأمور بقدر ما اهتم بتقرير المبادأئ العامة لها، مما يدل على أنها من المتغيرات بحسب الزمان ومكان وثقافة الشعوب، وتطور وعيها السياسي، ونظرتها في العلاقة بين الحاكم والمحكوم.

يمكنكم تحميل كتاب التداول على السلطة التنفيذية من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي

http://alsallabi.com/uploads/file/doc/16.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022