الجمعة

1446-11-04

|

2025-5-2

(تأملات في الآية الكريمة {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا})

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 69

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

محرم 1444ه / أغسطس 2022م

1. {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ}

هذا استفتاح لقصة إبراهيم - عليه السّلام - وهو متناسبٌ مع بدايات القصص الواردة في سورة مريم، فقد كانت بداية قصة زكريا - عليه السّلام - بقوله تعالى: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} ]مريم:2[، وبداية قصة مريم بقوله سبحانه: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} ]مريم:16[، وبداية الاختبار عن كل من موسى وإسماعيل وإدريس - عليهم السلام- بقوله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ}.(1)

{وَاذْكُرْ}؛ يا محمد صلّى الله عليه وسلّم {فِي الْكِتَابِ}؛ أي القرآن الكريم، وهو أجلّ الكتب وأفضلها وأعلاها هذا الكتاب المبين والذكر الحكيم، فإن ذُكر فيه الأخبار، كانت أصدق الأخبار وأحقها وأنفعها، وإن ذُكر فيه الأمر والنهي؛ كانت أجلّ الأوامر والنواهي وأعدلها وأقسطها، وإن ذُكر فيه الجزاء والوعد والوعيد، كان أصّدق الأنباء، وأحقّها وأدلّها على الحكمة والعدل والفضل، وإن ذُكر فيه الأنبياء والمرسلون، كان المذكور فيه أكّمل من غيره وأفضل، ولهذا كثيراً ما يُبدي ويعيد في قصص الأنبياء الذين فضّلهم على غيرهم، ورفع قدرهم وأعلى أمرهم بسبب ما قاموا به من عبادة لله ومحبته والإنابة إليه والقيام بحقوقه، وحقوق العباد ودعوة الخلق إلى الله والصبر على ذلك والمقامات الفاخرة والمنازل العالية، فذكر الله في هذه السورة جملة من الأنبياء يأمر فيها رسوله أن يذكرهم؛ لأنّ في ذكرهم إظهار الثناء على الله وعليهم وبيان فضله وإحسانه إليهم، وفيه الحثُّ على الإيمان بهم، ومحبتهم والاقتداء بهم.(2)

2. {إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا}:

جمع الله تعالى له بين الصدّيقيّة والنبوّة، فالصدّيق كثير الصدق؛ فهو الصادق في أقواله وأفعاله وأحواله، المصدّق بكل ما أمر بالتصدّيق به وذلك يستلزم العلم العظيم، الواصل إلى القلب، المؤثر فيه الموجب لليقين والعمل الصالح الكامل، وإبراهيم - عليه السّلام - هو أفضل الأنبياء كلّهم بعد محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهو الأب الثالث للطوائف الفاضلة، وهو الذي جعل الله في ذريته النبوّة والكتاب، وهو الذي دعا الخلق إلى الله تعالى، وصبر على ما ناله من العذاب العظيم، فدعا القريب والبعيد واجتهد في دعوة أبيه مهما أمكنه.(3)

وإنّ الله عزّ وجل وصف إبراهيم - عليه السّلام – بالصّدّيق، وهذا قبل الوحي وتأمل كيف وصف الله إبراهيم - عليه السّلام - بالصّدّق قبل أن يصفه بالنبوة؛ ليرينا قيمة الصّدّق، وأنه من الدعائم التي تقوم عليها النبوة.(4)

إنّ كل نبيّ صدّيق، وليس كل صدّيق نبياً، فالصدّيق دُوين النبي وبُعيده في الدرجة، والصدّيق قبيل الشهيد وفويقه في الدرجة، وفي القرآن الكريم وردت كلمة الصّدّيق ثلاث مرات: مرتين في سورة مريم إخبار من الله تعالى لاثنين من أنبيائه هما: إبراهيم وإدريس عليهما السلام، قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} ]مريم:41[، وقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} ]مريم:56[، والمرة الثالثة جاءت وصفاً ليوسف - عليه السّلام - من الذي نجا من السجن، وجاء يسأله تأويل الرؤيا، قال تعالى: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ} ]يوسف:46[.

والصّدِّيقة مُؤنث الصدّيق، وقد وردت هذه الصفة في القرآن الكريم مرّة واحدة في السيدة مريم أم المسيح عيسى عليهما السلام، قال تعالى في سورة المائدة: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} ]المائدة:75[ أي مصدقّة للأنبياء مؤمنة بهم، قال تعالى في سورة التحريم: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} ]التحريم:12[.

والصّدّيقون: جمع الصّدِّيق، وقد جاءت مرتين في القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} ]النساء:69[، وفي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} ]الحديد:19[.(5)

إنَّ إبراهيم - عليه السّلام - كان صادقاً مع قومه قبل النبوة، كما كان أميناً صادقاً في تبليغ الرسالة وفي استسلامه وانقياده لأوامر ربه.(6)

مراجع الحلقة التاسعة والستون:

( ) تأملات في سورة مريم، عادل أحمد صابر الرويني، ص179.

(2) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، ص1000.

(3) المرجع نفسه، ص1000.

(4) اليهود في القرآن، عفيف عبد الفتاح طبارة، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط 13، 2001م، ص131.

(5) من لطائف التعبير القرآني حول سير الأنبياء والمرسلين، محمد فؤاد سندي، ص110.

(6) قصة إبراهيم في القرآن الكريم، إسحاق محمد حمدان البدارين، ص28.

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

http://alsallabi.com/uploads/books/16228097650.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022