الأحد

1446-11-06

|

2025-5-4

تأملات في الآيتين الكريمتين: {قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ* قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 87

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

صفر 1444ه / سبتمبر 2022م

1. {قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}

هذه الكلمة قالها من قبل في حواره مع أبيه في سورة الأنعام {إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، وهنا أكدها بثلاثة مؤكدات (إنهم في ضلال مبين): اللام الموطئة للقسم، قد التي تفيد التحقيق، كنتم أنتم؛ ذكر أنتم مرتين للتأكيد: أي غارقون في الضلال العظيم الظاهر البيّن لكل عقل سليم، وهذه الجرأة من إبراهيم - عليه السّلام - هزّت اعتقادهم الباطل(1).

وبهذا الردِّ طعن في حجتهم ووصف قومه عن بكرة أبيهم بالضلال، وهنا تتجلى معالم الفتوة التي امتاز بها إبراهيم من جرأته في نصرة الحق ومهاجمته للباطل وتحديق للتقاليد البالية، مهما كلفه ذلك من التضحيات الغالية ولا يلبث قومه أن يسألوه مستفسرين وهم مترددون(2).

يقول العلّامة محمد أبو زهرة: الضلال هو السير في طريق لا يعرف نهايته، وليس موصلاً لغايته، وأُطلق على السير في الباطل والوصول إلى مداه، فإنه تكون في مثارات مختلفة من مثارات الشيطان، و{مُبِينٍ}: ومعناه واضح، وكان واضحاً لاستناده إلى دليل علمي يناقض بدائه العقول؛ لأنّ المعبود يجب أن يكون أعلى وأقوى من عابده، فهل في تمثال قوة على الإنسان، فأي ضلال أبيَن من هذا وأضل عقلاً وفكراً، وأكد سبحانه على لسان إبراهيم ضلالهم ب"اللام" و "قد" و "كان" الدالة على الدوام والاستمرار، وبضمير الفصل المؤكدة، وإنّ إبراهيم جمع بين ضلالهم وضلال آبائهم، فكان جامعاً بين ضلال المقلِّد والمقلَّد(3)، وقد أجابوا عن ذلك الكلام الجاد بقولهم: (قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ).

2.{قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ}

جلّى المشهد الحواري نفسيات هؤلاء القوم وعرّى بواطنهم، لقد داخلهم الشك في معتقدهم عند أول لحظة اختبار أطلقها الخليل - عليه السّلام -، ذلك لأنه معتقد يقوم على تغليف العقول وتدليس الحقائق {قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ} هكذا سؤال التائه الذي لا يدري حقيقة دينه إلا ما تمليه الأعراف والتقاليد، سؤال مزعزع العقيدة، الذي لا يطمئن إلى ما هو عليه لأنه لم يتدبره ولم يتحقق منه، لكنه ضائع هائم لا يدري أي الأقوال أصدق، ولا أي المذاهب أحق(4).

ومعنى الآية: أبِجَدّ تقول ما تقول، أم تقوله لاعباً ومازحاً؟(5)، ولم يجد إبراهيم - عليه السّلام - حاجة إلى الجواب عن استفسارهم، بل بادر بالإله الحقيقي الذي يجب عليهم أن يعبدوه، ومن خلال كلامه سيعرفون مدى جدّه وعزمه وحزمه(6).

مراجع الحلقة السابعة والثمانون:

(1) قصة إبراهيم في القرآن الكريم، إسحاق محمد حمدان البدارين، ص68.

(2) التيسير في أحاديث التفسير، محمد المكي الناصري، (4/130-132).

(3) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (9/4883).

(4) صناعة الحوار، حمد عبد الله السيف، ص101.

(5) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (5/363).

(6) المرجع نفسه (5/363).

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

http://alsallabi.com/uploads/books/16228097650.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022