السبت

1446-11-05

|

2025-5-3

(الخالق والهادي من أسماء الله الحسنى)

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 111

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

ربيع الأول 1444ه / أكتوبر 2022م

 

اسم الله الخالق:

ورد اسمه سبحانه {الخَالِق} في القرآن الكريم "8 مرات" بصيغة المفرد، كما في قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ]الحشر:24[، وقوله عزّ وجل: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} ]فاطر:3[، وقوله سبحانه: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} ]الزمر:62[ وغيرها من الآيات.

كما ورد اسمه الخالق سبحانه {الخَالِق} بصيغة التفضيل مرتين كما قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} ]المؤمنون:14[، وقوله عزّ وجل: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} ]الصافات:125[، ومرة بصيغ الجمع، كما في قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} ]الواقعة:59[، وأما اسمه سبحانه {الْخَلَّاقُ} فوَرد ذكره مرتين في القرآن الكريم، وذلك في قوله سبحانه: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} ]الحجر:86[، وقوله جلّ وعلا: {بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} ]يس:81[.والخلاق اسم مبالغة من الخالق، وهذان الاسمان الجليلان لا يجوز إطلاقهما بالألف واللام على غير الله تبارك وتعالى(1)

والخالق: هو المبدع للخلق المخترع له على غير مثال سابق، قال سبحانه: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} ]فاطر:3 [، والخلّاق: من أفعال المبالغة من الخالق تدل على كثرة خلق الله تعالى وإيجاده، فكم يحصل في اللحظة الواحدة من بلايين المخلوقات التي هي أثر من آثار اسمه سبحانه الخلّاق {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} ]الحجر:86[، واسمه سبحانه "الخالق والخلّاق" مما أقرت به جميع الأمم مؤمنهم وكافرهم، وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم: إنه ليس في المعلومات أظهر من كون الله "خالقاً"، ولهذا أقرّت به جميع الأمم - مؤمنهم وكافرهم- ولظهور ذلك، وكون العلم به بدهياً فطرياً، احتجّ الله به على من أشرك به في عبادته فقال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} ]الزمر:38[ في غير موضع من كتابه(2)

اسم الله "الهادي":

ورد اسمه سبحانه "الهادي" في القرآن الكريم مرتين؛ وذلك في قوله تعالى: {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} ]الفرقان:3[، وقوله سبحانه: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ]الحج:54[، والهادي: هو من منَّ بهُداه على من أراد من عباده فخصّه وأكرمه بنور توحيده، كقوله تعالى: {وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ]يونس:25[، وهو الذي هدى سائر الخلق من الحيوان إلى مصالحها، وألهمها كيف تطلب الرزق، وكيف تتّقي المضارّ والمهالك، كقوله تعالى: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} ]طه:50)[)(3).

ويقول الشيخ السعدي: "الهادي" أي الذي يهدي ويرشد عباده إلى جميع المنافع وإلى دفع المضارّ، ويعلّمهم ما لا يعلمون ويهديهم لهداية التوفيق والتسديد، ويلهمهم التقوى، ويجعل قلوبهم منيبة إليه منقادة لأمره(4). وقد بيّن ابن قيم الجوزية أنواع الهداية، فقال: اعلمْ أن أنواع الهداية أربعة:

النوع الأول:

الهداية العامة المشتركة بين الخلق المذكورة في قوله تعالى: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} ]طه:50[، أي أعطى كل شيء صورته التي لا يشتبه فيه بغيره، وأعطى كل عضو شكله وهيئته، وأعطى كل شيء موجود خلقه المختص به، ثم هداه إلى ما خلقه له من الأعمال.

وهذه هداية الحيوان المتحرك بإرادته إلى جلب ما ينفعه ودفع ما يضرّه، وهداية الجماد المسخر لما خُلق له، فله هداية تليق به، كما أن لكل نوع من الحيوان هداية تليقُ به، وإن اختلفت أنواعها وصورها، وكذلك كل عضو له هداية تليق به، فهدى الرجلين للمشي، واليدين للبطش والعمل، واللسان للكلام، والأذن للاستماع، والعين لكشف المرئيات، وكل عضو لما خُلق له، وهدى الزوجين من كل حيوان إلى الازدواج والتناسل وتربية الولد، وهدى الولد إلى التقام الثدي عند وضعه وطلبه، ومراتب هدايته سبحانه لا يحصيها إلا هو، فتبارك الله ربّ العالمين.

وهدى النحل أن تتّخذ من الجبال بيوتاً، ومن الشجر ومن الأبنية، ثم تسلك سبل ربها مذللة لها، لا تستعصي عليه، ثم تأوي إلى بيوتها، وهداها إلى طاعة يعسوبها واتباعه والائتمام به أين توجه بها، ثم هداها إلى بناء البيوت العجيبة الصّنعة، المُحكمة البناء، ومن تأمّل بعض هدايته المبثوثة في العالم شهد له بأنه الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم(5).

وانتقل من معرفة هذه الهداية إلى إثبات النبوة بأيسر نظر، وأول وهلة، وأحسن طريق وأخصرها وأبعدها من كل شبهة، فإن من لم يهمل هذه الحيوانات سدى ولم يتركها معطّلة، بل هداها إلى هذه الهداية التي تعجز عقول العقلاء عنها، كيف يليق به أن يترك النوع الإنساني الذي هو خلاصة الوجود الذي كرّمه وفضّله على كثير من خلقه مهملاً وسدى معطلاً، لا يهديه إلى أقصى كمالاته وأفضل غاياته، بل يتركه معطلاً لا يأمره ولا ينهاه ولا يُثيبه ولا يعاقبه، وهل هذا إلا منافٍ لحكمته ونسبته له مما لا يليق بجلاله؟ ولهذا أنكر ذلك على من زعمه ونزّه نفسه عنها، وبيّن أنه يستحيل نسبة ذلك إليه، وأنه تعالى عنه، فقال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} ]المؤمنون:115-116[. فنزّه نفسه عن هذا الحسبان، فدلّ على أنه مستقر بطلانه في الفطر السليمة والعقول المستقيمة وهذا أحد ما يدل على إثبات المعاد بالعقل وأنه ما تظاهر عليه العقل والشرع، كما هو أصح الطريقين في ذلك(6).

النوع الثاني:

هداية البيان والدّلالة والتعريف لنجديّ الخير والشر وطريقي النّجاة والهلاك، وهذه الهداية لا تستلزم الهدى التام، فإنها سبب وشرط لا موجب، ولهذا لا ينبغي الهدى معها، كقوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} ]فصلت:17[ أي: بيّنا لهم وأرشدناهم ودلّلناهم فلم يهتدوا، ومنها قوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ]الشورى:52[(7).

النوع الثالث:

هداية التوفيق والإلهام، وهي الهداية المستلزمة للاهتداء، فلا يتخلف عنها، وهي المذكورة في قوله: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ]فاطر:8[، وفي قوله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} ]القصص:56[ نفى عنه هذه الهداية، وأثبت له هداية الدعوة والبيان في قوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ]الشورى:52[.

النوع الرابع:

غاية هذه الهداية وهي الهداية إلى الجنة والنار إذا سيق أهلها إليهما، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} ]يونس:9[، وقال أهل الجنة فيها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} ]الأعراف:43[، وقال تعالى عن أهل النار: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)} ]الصافات:22-23[(8.

إنَّ الهداية أكبر نعمة يُنعم بها "الهادي" سبحانه على عبده، إذ كل نعمة دونها زائلة ومضمحلّة، وبقدر هدايته تكون سعادته في الدنيا، وطيب عيشِه وراحة باله، وكذا فوزه ودرجته في الآخرة.

والأنبياء - صلوات الله عليهم- هم أكمل الناس إيماناً وهداية، كانوا يسألون الله تعالى أن يهديهم، فهذا يوسف - عليه السّلام - يقول: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} ]يوسف:101[، وسليمان - عليه السّلام - قال: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} ]النمل:19[.

مراجع الحلقة الحادية عشر بعد المائة:

(1) ولله الأسماء الحسنى، عبد العزيز ناصر الجليل، ص432.

(2) المرجع نفسه، ص434.

(3) ولله الأسماء الحسنى، عبد العزيز ناصر الجليل، ص517.

(4) المرجع نفسه، ص518.

(5) بدائع الفوائد، ابن قيم الجوزية، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، د.ت، (2/36).

(6) بدائع الفوائد، ابن قيم الجوزية، (2/36).

(7) المرجع نفسه، (2/37).

(8) بدائع الفوائد، ابن قيم الجوزية، (2/37).

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

http://alsallabi.com/uploads/books/16228097650.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022