السبت

1446-12-11

|

2025-6-7

من أدلة وجود الله عز وجل .... دليل الآفاق

بقلم: د. علي الصلابي

ربيع الآخر 1441ه/ ديسمبر 2019م

قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [سورة فصلت: 53]. فقوله: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ﴾ أي: علامات وحدانيتنا وقدرتنا ، وقوله: "في الآفاق"، يعني: أقطار السماوات والأرض؛ من الشمس، والقمر، والنجوم، والليل، والنهار، والرياح، والأمطار، والرعد، والبرق، والصواعق، والنبات ، وغير ذلك مما فيها من عجائب خلق الله. وفي حديثِ العلماء عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ما يدلُّ على آيات الله في الآفاق، والتي منها:
1- نقص الأوكسجين في الارتفاعات:
قال تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [سورة الأنعام: 125] تنصُّ هذه الآية الكريمة على الإنسان عندما يصّعّد في السماء -أي يرتفع في أعالي الجو- يضيقُ صدرُهُ، ويشعر بالاختناق، وهذه حقيقةٌ علميةٌ سببها أنَّ نسبة الأوكسجين تقلُّ كلما ارتفعنا إلى أعلى، كما يقلُّ الضغطُ الجويُّ، وهذان السببان يجعلانِ الإنسانَ يشعر بضيق النفس.
2- حركة النجوم والكواكب في مَداراتها:
كان الناسُ يرونَ أنَّ الأرضَ مركزُ الكون، وتدور حولها الشمسُ والقمرُ والنجومُ السيّارة، ويرونَ نجوماً ثابتة طوال السنة، فيصفونها بالثبات، ثم حدث في عصر "غاليلو" رأيٌ يعتبِرُ أنَّ الأرض هي التي تدورُ حولَ الشمس، وأنَّ الشمسَ هي مركزُ الكونِ.
أمّا القرآن الكريمُ فقد رفضَ قبلَ ذلك جميعَ الآراءِ التي تزعمُ أنَّ للكونِ مركزاً ثابتاً، قال تعالى: ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [سورة يس: 40] وكانَ ذلك في عصره سَبْقاً علميّاً ، وقال تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ [سورة الواقعة: 75-76]. فقد وجدَ العلماءُ أنَّ مواقعَ النجومِ ومساراتها ليست اعتباطيةً، فالكوكبُ وُضعَ في مسارٍ بحيثُ لا تؤدّي قوى التجاذبِ الكونيةُ الكثيرةُ والقوى النابذةُ الناشئةُ عن الدوران، إلى اضطرابٍ كوني، ولقد اختِيْرَ له المسارُ الذي يحقّق له التوازنَ بين تلك القوى الكثيرة. ووجد العلماء أيضاً أنَّ أبعادَ المجموعة الشمسية تتبعُ سلسلةً حسابيةً، وأن للعربِيّ الجاهلي الذي كان يرى النجومَ مبعثرةً في صفحةِ السماءِ أن يعرفَ من تِلقاءِ نفسه أنَّ لمواقِعها شأناً عظيماً .
3- دوران الأرض والجبال:
قال تعالى: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [سورة النمل: 88] لقد كان الناس قديماً يرون أنّ الأرضَ وجبالها ثابتةٌ، بل يضربون المثلَ بثباتها، فجاء القرآن الكريم ليخالفَ ما ألِفه الناسُ، واستقرّ في أذهانهم، وتحدَّثَ عن ظاهرةٍ كونيةٍ، فقال عن الجبال: إنّما تمرُّ مرَّ السحاب، أي إنَّ الجبال كالسحاب، فكما أنَّ السحابَ لا يتحرّكُ ذاتياً إلا إذا كان هناك شيءٌ يدفعه إلى التحرك، والذي يحرّكُ السحابَ ويدفعُه هي الرياح، فكذلك الجبالُ لا تتحرَّكُ بنفسِها لأنها أوتادُ الأرضِ، ولكن تتحرك، وحركتُها تابعةٌ لحركة الأرض، فالأرضُ تتحرّكُ وتدورُ، وإلا فكيفَ تتحرَّكُ الجبالُ، وتمرُّ مرَّ السحاب؟ وهذا من صنع الله الذي أتقن كل شيء، حينئذٍ يكون هناك يقينٌ ثابتٌ .
4- حاجز بين بحرين مالحين:
قال تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ۝ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ۝ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ۝ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [سورة الرحمن: 19-22]، تتحدّثُ الآيات الكريمةُ عن بحرين يتلاقيان، وفي مكان تلاقيهما يوجدُ حاجزٌ، والظاهر أنها تتحدّث عن بحرين حقيقيين مالحين، وليس عن بحرٍ ونهرٍ؛ لأّنه قال: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [سورة الرحمن: 22]. والمرجان هو الخرز الأحمر، لا يخرجُ إلا من المياه المالحة، فالآية الكريمةُ إذاً تتحدَّثُ عن حاجزٍ حقيقي بين بحرين مالحين في مكان تلاقيهما، والبحرانِ يتلاقيان في المضايق؛ لأنه إن لم يكن هناك مضيقٌ فليس من مسوّغٍ لاعتبارهما بحرين، بل يكونان بحراً واحداً، إنَّ هذا الذي أثبتته الآية الكريمةُ مستغربٌ جداً في عرف الناس، إذ الانطباع السائد أنَّ المياه المتلاقية لا حواجز بينها، وما كان أحد يعرف هذه الحقيقة، ولا تخطرُ له على بالٍ، إلى أن اكتُشِفَتْ عام 1962م، وثبت أنَّ ما قاله القرآن الكريم حقيقةٌ مدهشة .
5- اهتزاز الأرض وزيادتها بالمطر:
قال تعالى: ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ [سورة الحج: 5] إن العلمَ يؤكّد أنَّ الأرضَ تهتزُّ فعلاً بنزول الغيثِ عليها، فالحبوبُ والبُصَيلاتُ والدّرناتُ والحُوَيصلاتُ والبكتيريا والجراثيمُ كلُّها تبدأُ بالحركة والانقسامات الخلوية، وامتصاص الماء، وتحليل الغذاء المعقّد إلى وحدات أقل ارتباطاً، وأكثر عدداً، وأكبر حجماً، وبامتلاء مسام الأرضِ بالماء تتحرّك جُزيئات الطينِ، وتبدأُ عمليةُ تأيُّنٍ عجيبةٌ في جُزَيئات التربةِ، وتنشطُ الديدانُ الأرضيّةُ في شَقِّ الأنفاقِ الأرضيةِ، وابتلاع كمياتٍ كبيرةٍ من التربة المتلاصقة، وإخراجها بعدَ ذلك مفككةً، كلُّ هذه النشاطات تؤدي إلى زيادةِ حجم التربة، ويمكنُنا رؤية صورةٍ مصغّرة لهذه العمليات بتخمير العجين وزيادة حجمه نتيجة نشاط خلايا الخمائر، وفي التربة تحدثُ ضروبٌ كثيرةٌ لمثل هذا النشاط، مِنْ كلّ ما سبق نجدُ التوافقَ بين ما عرفه العلم وما وصفه القرآن الكريم .
6- أوهن البيوت:
قال تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [سورة العنكبوت: 41]، إنَّ قوله سبحانه: ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾، وقوله بعد ذلك: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ [سورة العنكبوت: 43]: يشيرانِ إلى أنَّ وَهْنَ بيت العنكبوتِ المتحدَّث عنه وَهْنٌ غيرُ ظاهرٍ ومعروف لدى عامة الناس، وقد ضُرِبَ هذا الوهنُ مثلاً لموالاة الكافرين بعضهم بعضاً، فماذا وجد العلماءُ عند دراسة العنكبوت؟ وجدوا أنَّ الروابطَ بين أفراد العنكبوت في غاية التفكّك، فالأُنثى كثيراً ما تأكل الذكرَ بعد الإلقاح، وقد تأكلُ أبناءها، والأبناءُ يأكُل بعضُهم بعضاً، فهو بيتٌ متفكِّكٌ متداعٍ، وذلك مثلُ موالاةِ الكافرين بعضهم بعضاً .


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022