أدلة إثبات وجود الله .... دليل الأنفس
بقلم: د. علي محمد الصلابي
ربيع الآخر 1441 ه/ ديسمبر 2019م
قال تعالى: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [سورة الذاريات: 21] ولما كان أقربُ الأشياء إلى الإنسان نفسَه دعاه خالقُه وبارئُه ومصوّرُهُ وفاطرُه مِنْ قطرِة ماءٍ إلى التبصُّرِ والتفكّرِ في نفسِه، فإذا تفكّرَ الإنسانُ في نفسِه استنارت له آيات الربوبيّةِ، وسطعتْ له أنوارُ اليقينِ، واضمحلّتْ عنه غمراتُ الشكَّ والريب، وانقشعتْ عنه ظلماتُ الجهلِ، فإنّه إذا نظر في نفسِهِ وجد آثارَ التدبيرِ فيه قائماتٍ، وأدلّةَ التوحيدِ على ربِّه ناطقاتٍ، شاهدةً لمدبّره، دالةً عليه، مرشدةً إليه .
وإليك بعضَ البراهين العلمية المتعلّقة بالإنسان وخلقه:
1- الإحساس والجلد:
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾ [سورة النساء: 56] وهذه حقيقةٌ كونيةٌ؛ وهي أنَّ موطنَ الإحساس والألم في الإنسان هو الجلدُ، فالكافرون يعذَّبون عن طريق تبديل الجلد أو تغييره، وذلك ليذوقوا العذابَ، فالإذاقةُ -حسب القرآن الكريم- محلُّها الجلدُ، وقد بيّنَ التشريح المجهري للجلد أنّه عضوٌ غني بالأليافِ العصبيّةِ التي تستقبل وتنقل جميعَ أنواعِ الحسِّ من المحيط الخارجي، وذلك عن طريق طبقاتِ الجلدِ "البشرة، والأدمة، والنسيج تحت الأدمة"، وهي تنقلُ حِسَّ الألم، والحرارةَ والبرودةَ، والضغطَ، وحِسَّ اللّمس، فالقرآن ينبّهنا إلى هذه الحقيقة، ويقول: إن الله سبحانه كلّما أرادَ أن يذيقَ الكفارَ مزيداً من العذاب استبدلَ بجلودِهم التي احترقت وماتت فيها الأليافُ العصبيّةُ جلوداً سليمة لم تحترقْ، ليذوقوا العذابَ مرّةً أُخرى، وعندما يأتي التشريحُ المجهري ليقول: إنَّ الأليافَ العصبيَّة تكمنُ في الجلدِ نقول: إنَّ الله سبحانه وتعالى قد أخبرنا بهذه الحقيقة في القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً .
2- البصمات وتحديدها لهوية الإنسان:
قال تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ﴾ [سورة القيامة: 3-4]. لقد توصَّل العلمُ إلى سرِّ البصمةِ في القرن التاسع عشر، وبيّنَ أنَّ البصمةَ تتكوَّن من خطوطٍ بارزةٍ في بَشرَةِ الجلدِ، تجاورها منخفضاتٌ، وتعلو الخطوطَ البارزةَ فتحاثُ المسام العرقية، تتمادى هذه الخطوطُ وتتلوّى، وتتفرّعُ عنها تَغَضُّناتٌ وفروع، لتأخذَ في النهاية في كلِّ شخص شكلاً مميّزاً، وقد ثبتَ أنّه لا يمكِنُ للبصمة أن تتطابقَ وتتماثَل في شخصين في العالم، حتّى في التوائمِ المتماثلةِ التي أصلُها مِنْ بويضةٍ واحدةٍ، يتكوّن البنان في الجنين في الشهر الرابع، ويظلُّ ثابتاً ومميّزاً له طوالَ حياته، ويمكن أن تتقاربَ بصمتان في الشكل تقارباً شديداً، ولكنّهما لا تتطابقان البتَّةَ، ولذلك فإنَّ البصمةَ تعدُّ دليلاً قاطعاً ومميزاً لشخصية الإنسان، معمول بها في كلِّ بلاد العالم، ويعتمدُ عليها في تحقيق القضايا الجنائية لكشف المجرمين واللصوص، وقد يكونُ هذا هو السرُّ في أنَّ الله سبحانه وتعالى خصَّ البنانَ بالذكر، ليبيّن للإنسان هذين الأمرين:
- السرَّ المختفي في البنان، الذي لم يُعْلَمْ أمرُه إلا في عصر الكشوف العلمية.
-القدرةَ الفائقةَ على إعادةِ خلق الإنسان بصورته وخِلقته التي كان عليها .
والدعوة مفتوحةٌ للإنسان إلى التفكّر في أجهزته العضوية؛ كالجهاز الهضمي، والتنفسي، والدموي، وغيرها في جسمه، وإلى التأمل في عالم المشاعر والأحاسيس والأفكار والعقائد.
مراجع:
- علي محمد الصلابي، مسودة كتاب بداية الخلق وآدم عليه السلام؛ جذور الحضارة الإنسانية الأولى.
- محمد بن أبي بكر ابن القيم، التبيان في أقسام القرآن، تحقيق محمد الفقي، دار المعرفة، بيروت، 1/190.
- محمد بن أبي بكر ابن القيم، مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، دار الكتب العلمية، بيروت، ص 109.