تأملات في الآية الكريمة:
{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 192
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
رجب 1444ه/ يناير 2023م
هذا دعاء المؤمنين، وعلى رأسهم سيدنا إبراهيم - عليه السّلام -، يقولون:
أ- {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا}:
كيف يكون المؤمن فتنة للكافر؟ يكون ذلك في حالتين:
- إذا انهزم المؤمنون في معركة أمام الكافرين، عندها يفتن الكافر؛ لأنه سيقول: لو كانوا مؤمنين بالله ما انهزموا، أو كان لهم ربٌّ يدافع عنهم ما انهزموا، أو يقولون لو كانوا صادقين في إيمانهم ما انهزموا، وهذه فتنة.
- أو يفتن الكافر بالمؤمن حينما يرى أهل الإيمان يرتكبون المعاصي ولا يلتزمون بمنهج الله فيزهدون في الإسلام، ويكرهون الانتساب إليه، وهذا واقع المسلمين الآن، يُنفّرون الناس من دين الله بدل أن يجذبوهم إليه، لذلك قال علماؤنا: لا يصلح حال هذه الأمة إلا بما صلح به أولها(1)، والمؤمن يتحمل هذه المسؤولية، مسؤولية الصدِّ عن دين الله، لذلك كان هذا الدعاء {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا}، اجعلنا منفذين لأوامرك تنفيذاً يحبب الآخرين في الدين، ولا يكون حجّة لهم في الإعراض عن دينك، وهذا يعطينا ضرورة التمسك بتعاليم الدين حتى لا ينظر أحد إلى المسلم أو المؤمن، ويقول: هذا هو من يعلن الإيمان، ويتصرف عكس تعاليم دينه، فيكون سبباً في فتنة الآخرين(2).
ب- {وَاغْفِرْ لَنَا}:
اغفر لنا ما اقترفنا من الذنوب والسيئات، وما قصّرنا به من المأمورات(3).
{وَاغْفِرْ لَنَا}: يقولها إبراهيم خليل الرّحمن إدراكاً منه لمستوى العباد التي يستحقها منه ربه، وعجزه ببشريته عن بلوغ المستوى الذي يكافئ به نعم الله تعالى وآلاءه، ويمجد جلاله وكبرياءه فيطلب المغفرة من ربه؛ ليكون في شعوره وفي طلبه أسوة لمن معه ولمن يأتي بعده، ويختم دعاءه وإنابته واستغفاره بوصف ربّه بصفته المناسبة لهذا الدعاء(4).
ج- {رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}:
وتكرر النداء: {رَبَّنَا} للمبالغة في الدعاء والتضرع، إنَّه العزيز: الذي لا يُغلب ولا يُضام من لجأ إليه(5)، القاهر لكل شيء(6)، والحكيم: في كلِّ ما أمر وقدّر، والذي يضع الأشياء مواضعها،فبعزّتكوحكمتك انصرنا على أعدائنا، واغفر لنا ذنوبنا وأصلح عيوبنا)7).
مراجع الحلقة الثانية والتسعون بعد المائة:
( ) "لن يُصلِحَ آخرَ هذه الأمة إلا ما أصلَحَ أولَها"، هي قول الإمام مالك رحمه الله.
(2) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (24/15122).
(3) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، ص1814.
(4) في ظلال القرآن، سيد قطب، (6/3543).
(5) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (8/182).
(6) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، ص1814.
(7) المرجع نفسه، ص1814.
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي