من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):
الإمام العادل في نظر الحسن البصري:
الحلقة: 175
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
رجب 1442 ه/ مارس 2021
عندما جاء عمر بن عبد العزيز للخلافة نجد الحسن البصري قريباً من الخليفة الجديد يتعهده بالوعظ والإرشاد، ويرسم له منهاجاً للإمام العادل، وهذا دور إيجابي من الحسن ـ رحمه الله ـ يبين العمل المطلوب من العالم الرباني الذي يسعى لمساعدة المصلحين من أصحاب القرار لنصرة الإسلام، وهذا يدلنا على تكامل شخصية الحسن الإسلامية فقد شارك في الجهاد والتعليم والتربية، وكان رائد مدرسة الإصلاح الاجتماعي بين الناس في حياتهم، واهتم بأمراض القلوب، وعلاجها، وكانت له مواقفه السياسية من الثورات، ومن الحكام الظالمين، وهنا تتجلى شخصيته السياسية أكثر في قربه من عمر بن عبد العزيز وشد أزره والوقوف بجانبه والتنظير لمعالم الإصلاح والتجديد الراشدي الذي قاده عمر بن عبد العزيز، فقد جاء في رسالته التي كتبها إلى عمر بن عبد العزيز: اعلم يا أمير المؤمنين: أن الله جعل الإمام العادل قوَّام كل مائل، وقصد كل جائر، وصلاح كل مفسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف. والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله، الرفيق الذي يرتاد لها أطيب المرعى ويزودها عن مراتع الهلكة، ويحميها من السباع، ويكنفها من أذى الحر والقر.
والإمام العادل، يا أمير المؤمنين، كالأب الحاني على ولده، يسعى لهم صغيراً، ويعلمهم كباراً، يكتسب لهم في حياته، ويدخر لهم بعد مماته. والإمام العادل، يا أمير المؤمنين، كالأم الشفيقة البرة الرفيقة بولدها: حملته كرهاً ووضعته كرهاً، وربته طفلاً تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، ترضعه تارة، وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته، وتغتم بشكايته. والإمام العادل، يا أمير المؤمنين وصي اليتامى، وخازن المساكين: يربي صغيرهم، ويمون كبيرهم، والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوانح: تصلح الجوانح بصلاحه وتفسد بفساده، والإمام العادل، يا أمير المؤمنين، هو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد إلى الله ويقودهم، فلا تكن يا أمير المؤمنين، فيما ملكك الله كعبد ائتمنه سيده، واستحفظه ماله وعياله، فبدل المال وشرد العيال، فأفقر أهله، وفرق ماله.
واعلم يا أمير المؤمنين أن الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش، فكيف إذا أتاها من يليها؟! وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده، فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم؟!
واذكر، يا أمير المؤمنين، الموت وما بعده وقلة أشياعك عنده، وأنصارك عليه: فتزود له ولما بعده من الفزع الأكبر، واعلم يا أمير المؤمنين، أن لك منزلاً غير منزلك الذي أنت فيه، يطول فيه ثواؤك، ويفارقك أحباؤك، ويُسلمونك في قعره فريداً وحيداً، فتزود له ما يصحبك يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، واذكر، يا أمير المؤمنين، إذا بعثر ما في القبور، وحُصل ما في الصدور، فالأسرار ظاهرة، والكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فالان، يا أمير المؤمنين، وأنت في مهل قبل حلول الأجل، وانقطاع الأمل.
لا تحكم، يا أمير المؤمنين، في عباد الله بحكم الجاهلين، ولا تسلك بهم سبيل الظالمين، ولا تسلط المستكبرين على المستضعفين، فإنهم لا يرقبون في مؤمن إلاً ، ولا ذمة، فتبوء بأوزارك وأوزار مع أوزارك، وتحمل أثقالك، وأثقالاً مع أثقالك، ولا يغُرنَّك الذين يتنعمون بما فيه بؤسك، ويأكلون الطيبات في دنياهم بإذهاب طيّباتك في اخرتك. لا تنظر إلى قدرتك اليوم، ولكن انظر إلى قدرتك غداً وأنت مأسور في حبائل الموت، وموقوف بين يدي الله في مجمع من الملائكة والنبيين والمرسلين وقد عنت الوجوه للحي القيوم.
إني يا أمير، وإن لم أبلغ بعظتي ما بلغه أولو النهى من قبلي، فلم الك شفقة ونصحاً، فأنزل كتابي إليك كمداوٍ حبيبه يسقيه الأدوية الكريهة لما يرجو له من ذلك من العافية والصحة، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته .
والمعاني الرئيسة في هذه الرسالة:
أ ـ أن أهم صفة في الإمام هي العدل، ولكنه عدل ممزوج بالرحمة الأبوية.
ب ـ وأن أولى الناس باتباع حدود الله هو الإمام، لأنه إن لم يتبعها، فأجدر بالرعية ألا يتبعوها.
جـ وأن الإمام هو المنفذ للقصاص، فلا يحق له أن يقتل أحداً بغير حق. إن في القصاص حياة، فكيف يقضي على الحياة من وُكل إليه أمر توفير الحياة؟.
د ـ أن صلاح الرعية بصلاح الإمام وفسادها بفساده، فمسؤوليته عن أفعاله هي في الوقت نفسه مسؤوليته عن أفعال كل رعيته، فما أعظم مسؤوليته إذن!.
هـ وتظهر هذه المسؤولية خصوصاً في تعيين الولاة، فما يرتكبه ولاة الإمام وعُمّاله الإمام هو أول مسؤول عنها، ولهذا يجب على الإمام ألا يسلط المستكبرين على المستضعفين، لأن المستكبرين لا يرعون الحرمات ولا يراقبون الله في أعمالهم وأحكامهم، فإذا عيّن الإمام واحداً من هؤلاء، فقد تحمل مع أوزاره الخاصة أوزارهم .
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com