من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):
(موقف حسن البصري من الثورات التي حدثت في عهده)
الحلقة: 176
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
رجب 1442 ه/ مارس 2021
كان يرى أن تغيير الفساد لا يكون بالسيف، وإنما يكون بالتوبة والرجوع إلى الله والنصح لأصحاب الأمور وقد قال: وما أعجب أمر من يحاول أن يغير بالسيف، فإن التغيير لا يكون إلا بالتوبة ، وقد قال رسول الله ﷺ في وجوب الصبر على ما تكرهه منهم: «من رأى من أمير شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية».
ويرى بعد فقهه لهذا الحديث وأمثاله أن تسلط الحكام عقوبة من الله تعالى تحتاج لصبر، ويقول: لو أن الناس إذا ابتلوا من قِبل سلطانهم صبروا ما لبثوا أن يُفرج عنهم، ولكنهم يجزعون إلى السيف فيوكلون إليه، فوالله ما جاؤوا بيوم خير قطّ.
وكان موقفه من ثورة ابن الأشعث كما مر معنا، وكان يرى أن ولاة الأمور طالما أنهم يقيمون الجمعة والجماعة والفيء، والثغوروالحدود، فلا يجوز الخروج عليهم.
وقد علق المودودي على منهج الحسن البصري في التعامل مع الثورات بأنه كان يشك بجدواها .
وكان موقفه من ثورة يزيد بن المهلب: أنه ينظر إليها بقلق شديد، خصوصاً وأن الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز كان قد حبس يزيد بن المهلب لفساده، ولأنه إن تولى أموال المسلمين فسينفقها في ملذاته، ويرى الحسن أن غضبة ابن المهلب غضبة لنفسه ومطامعه، فيذهب الحسن إلى حيث اجتمع الناس في الجامع يتوكأ على عاتق معاذ بن سعد، وهو يقول له: انظر هل ترى رجلاً نعرفه؟ وسر الحسن عندما لم ير في المجموع رجلاً من أصحابه .
وتزداد جرأة الحسن وصدعه بالحق، ويتقدم من المنبر ويزيد يخطب. وقال بصوت مرتفع يخاطب ابن المهلب: والله لقد رأيناك والياً ومولى عليك، فما ينبغي لك ذلك. ويقف موقفاً أشد جرأة من سابقه؛ فقد خرج على الناس وقد نصبوا الرايات، واصطفوا صفين، وهم ينتظرون خروج يزيد بن المهلب، ويقولون: يدعونا لسنة العمرين، فقال الحسن: إنما كان يزيد بالأمس يضرب أعناق هؤلاء الذين ترون، ثم يسرح بهم إلى بني مروان يريد بهلاك هؤلاء رضاهم، فلما غضب غضبة نصب قصباً، ثم وضع عليها خرقاً ثم قال: إني قد خالفتهم فخالفوهم، وقال: أدعوكم إلى سنة العمرين، وإن من سنة العمرين أن يوضع قيد في رجله ثم يرد إلى السجن ويوضع في جبة .
وتزداد مواعظ الحسن وكراهيته للثورة، فيخطب الناس ويقول: أيها الناس، الزموا رحالكم وكفوا أيديكم، واتقوا الله مولاكم، ولا يقتل بعضكم بعضاً على دنيا زائلة وطمع فيها يسير، ليس لأهلها بباقٍ، وليس عنهم فيما اكتسبوا براضٍ، إنه لم يكن إلا كان أكثر أهلها الخطباء، والسفراء والسفهاء، وأهل التيه والخيلاء، وليس يسلم منها إلا المجهول الخفي، والمعروف التقي .
وعلى أثر هذه الخطبة، يهدد مروان بن المهلب خليفة يزيد في الثورة، فيقول: لقد بلغني أن هذا الشيخ الضال المرائي يثبط الناس، والله لو أن جاره نزع من خص داره قصبة لظل يرعف أنفه، والله ليكُفنّ عن ذكرنا وعن وجهه علينا سقاط الأبلة ، وعلوج فرات البصرة، أو لأنخين عليه مبرداً خشناً. ووقف الناس مع الحسن وقالوا له: لو أرادوك ثم شئت لمنعناك، فأجابهم بقوله: فقد خالفتكم إذاً إلى ما نهيتكم عنه، امركم ألا يقتل بعضكم بعضاً مع غيري، وأدعوكم إلى أن لا يقتل بعضكم بعضاً دوني ؟!
هذا هو موقف الحسن من كل فتنة يسعى لجمع شمل المؤمنين وينهى عن كل فرقة بينهم ، وعن سلم بن أبي الذّيّال قال: سأل رجل الحسن وهو يسمع وأناس من أهل الشام، فقال: يا أبا سعيد ما تقول في الفتن مثل يزيد بن المهلب وابن الأشعث؟ فقال: لا تكن مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، فقال رجل من أهل الشام: ولا مع أمير المؤمنين يا أبا سعيد ؟ قال: نعم ولا مع أمير المؤمنين .
وقد سلك الحسن منهج السلم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يؤيد الثورة المسلحة لأسباب:
أ ـ أن الدعوة إلى الخروج عليهم يتبعها فوضى في الأمور، واضطراب الأمن وفساد الأحوال، وفوضى ساعة يرتكب فيها المظالم ما لا يرتكب في استبداد السنين.
ب ـ رأى أن كثرة الخروج على الولاة يضعف الدولة الإسلامية، ويجعل بأس المسلمين بينهم شديداً، فيكلب فيهم عدوهم، ويخرب عليهم حقوقهم.
جـ ولأنه رأى أن الدماء تراق في الخروج بدون حق يقام، ومظلمة تدفع، والناس يخرجون من يد ظالم إلى أظلم.
د ـ وجد أن الطريق المعبّد لإصلاح هذا الأمر: إصلاح فساد المحكومين إذا تعذر عليه إصلاح فساد الحاكم، رأى أن الفساد عمّ الاثنين وتغلغل في الفريقين، فاعتقد أن الحكام
لون من ألوان الشعب، ومظهر لحاله، فلن يتغيروا ما لم يتغير الشعب، والملازمة ثابتة بينهما .
كيف يضل قوم هذا فيهم؟!:
قال خالد بن صفوان: لقيت مسلمة بن عبد الملك، فقال: يا خالد، أخبرني عن حسن أهل البصرة؟ قلت: أصلحك الله، أُخبرك عنه بعلم، أنا جاره إلى جانبه وجليسه في مجلسه وأعلم من قبلي به: أشبه الناس سريرة بعلانية، وأشبهه قولاً بفعل، إن قعد على أمر قام به، وإن قام على أمر قعد عليه، وإن أمر بأمر كان أعمل الناس به، وإن نهى عن شيء كان أشرك الناس له، رأيته مستغنياً عن الناس، ورأيت الناس محتاجين إليه، قال: حسبك، كيف يضل قوم هذا فيهم ؟!.
ومن أقوال الحسن البصري: ما رواه هشام بن حسّان: سمعت الحسن يحلف بالله، ما أعز أحد الدرهم إلا أذلهُ الله ، وقال: بئس الرفيقان، الدينار والدرهم، لا ينفعانك حتى يُفارقاك .
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com