تعزية للشعب الجزائري والأمة الإسلامية بوفاة الشيخ العلامة محمد الطاهر آيت علجت (رحمه الله تعالى)
د. علي محمد الصلابي
25 ذو القعدة 1444ه/ 14 يونيو 2023م
قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 26، 27].
وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185].
ببالغ الأسى والحزن والصبر والاحتساب أُعزي الشعب الجزائري الشقيق والأمة الإسلامية بوفاة الشيخ الإمام العلامة " محمد الطاهر آيت علجت"، كما أعزي عائلته وأبنائه وأقربائه وطلبه في مصابهم الكبير. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
لقد فاضت روح الشيخ العلامة، الذي نحسبه مجاهداً ورعاً، وصادقاً نافعاً، وإماماً تقيّاً، وعالماً ربّانيّاً؛ نفع الله بعلمه، ظل في حياته داعياً إلى الفضيلة والتمسك بتعاليم ديننا الإسلاميّ الحنيف، فكانت حياته حافلة بالجهاد ضد المستعمر، والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى والتربية وخدمة دينه ونصرة قضايا الأمة الإسلامية.
الشيخ العلامة الفقيه اللغوي محمد الطاهر أيت علجت، من مواليد قرية ثاموقرة ببني عيدل سنة:1917م.
ـ حفظ القرآن الكريم بمسقط رأسه وبزاوية جدّه الشيخ يحي العيدلي ـ رحمه الله تعالى ـ وبها تلقى المبادئ الأولى لعلوم الأدب واللغة العربية
على يد شيخه العلامة السعيد اليجري ـ رحمه الله تعالى ـ.
ـ رحل إلى زاوية الشيخ بلحملاوي بالعثمانية ـ قرب قسنطينة ـ حيث أتمّ هناك دراسته الشرعية، من فقه ولغة ونحو وعلوم أخرى كثيرة مثل الرياضيات والتاريخ والجغرافية والفلك وغيرها.
ـ بعد تمكّنه تصدّر للتعليم والتدريس والإفتاء في زاوية ثاموقرة، وهذا قبل الحرب العالمية الثانية، فأحدث نهضة علمية إلى غاية 1956هـ.
ـ أنشأ نظاما خاصا بزاويته، شبيها بنظم المعاهد الإسلامية الكبرى، فكان تلامذته يلتحقون بالزيتونة بزاد من العلم والأدب يشرّف زاويتهم والقائم عليها.
ـ شارك في ثورة التحرير، هو وسائر طلبة الزاوية الذين التحقوا كلّهم بركب المجاهدين بعد أن هدّمت فرنسا زاويتهم سنة 1956م.
ـ سافر إلى تونس في أواخر سنة 57م بإشارة من العقيد عميروش الذي كان الشيخ يتولى منصب الإفتاء في كتيبة جيشه، كما كان يتولى فصل الخصومات.
ـ ومن تونس سافر إلى طرابلس الغرب ـ ليبيا ـ حيث عيّن عضوا في مكتب جبهة التحرير هناك.
ـ بعد الاستقلال وفي سنة 1963م عاد إلى وطنه الأول، وعيّن أستاذا بثانوية عقبة بن نافع بالجزائر العاصمة و ثانوية عمارة رشيد ببن عكنون إلى أن أحيل على التقاعد سنة 1978م.
ـ ثمّ وبطلب من وزارة الشؤون الدينية، عاد إلى نشاطه المسجدي، ليمارس دروس الوعظ والإرشاد بمسجد حيدرة وغيره من المساجد.
ـ تخرّج على يديه جملة من الطلبة المتمكنين، ومازال عطاؤه غير مجذوذ، فهو إلى فترة متأخرة من عمره كان يعقد دروسا في الفقه والنحو وفن القراءات وغيرها من العلوم الشرعية بمسجد بوزيعة مكان إقامته.
ـ يعدّ الشيخ من الأعضاء البارزين ومن المؤسسين لرابطة الدعوة الإسلامية بالجزائر.
ـ له مؤلفات في فنون كثيرة، كما كتب أخيراً مذكرات تروي تاريخه وتاريخ الثورة الجزائرية، وتقييمه للأحداث ومواقفه عبر مسيرته الرائدة.
فهو منهج في التغيير، وإن قلّ مردوده في الحال، فإنّ نتائجه مضبوطة نوعا ما في المستقبل، وعلى ضوء هذه النتائج، يعوّل في بناء الصروح.
فهو بهذا الاعتبار مرحلة مباركة من العمل، لا منهجا متبعا في أصول الدعوة وفقه التغيير، وبتعبير أدقّ هو من المتغيرات في تصور العمل الإسلامي لا من الثوابت، يقوم على دعائم، أهمها عنصر الزمن، إذ أنّ أيّ عمل لا يراعى فيه اعتباره، فإنّ مآله حتما سيكون إمّا شللا في الحركة أو تساقطا على الطريق، وكلاهما مرّ.
ما قاله الشيخ عن نفسه:
الانطلاقة الأولى:
التحق الشيخ بزاوية قريته التي ولد بها، وهي زاوية مشهورة بثاموقرة ولاية بجاية، فحفظ بها القرآن وأتقنه على يد الشيخ السعيد اليجري ـ رحمه الله ـ والذي كان الشيخ ابن باديس يلقبه بالشيخ المفكر، كما أخذ عنه الأجرومية والألفية في النحو، والرسالة و المختصر في الفقه، وأخد عنه علم الحساب والفلك والبلاغة، وغيرها من الفنون، مكث بهذه الزاوية أزيد من خمس سنوات.
زاوية بلحملاوي:
بهذه الزاوية تلقى الشيخ تعليمه الثانوي، و بها تعرف على الشيخ العوادي و على المشايخ الذين أخذ عنهم من أمثال، الشيخ مصباح الحويدق، والشيخ محمود القريبع، والشيخ سعيد حناشي، والشيخ أحمد بن شليحة من مدينة بسكرة خريج القرويين، وغيرهم من المشايخ الذين استقدمهم صاحب الزاوية، من الزيتونة و غيرها، بقصد رفع مستوى التعليم في زاويته، فكانت الكفاءة العلمية تفوق مدرسة الشيخ ابن باديس رحمه الله.
مكث الشيخ بهذه الزاوية مدّة 3 سنوات، حيث التحق بها وعمره 16 سنة.
أمّا عن توقيت البرنامج ومحتواه فقال عنه: تبتدأ الدروس فيها على الساعة السابعة صباحا وإلى غاية الساعة 12، وفي المساء من الساعة الثانية إلى غاية الساعة الخامسة، فكان برنامجها مكثفا ومتنوعا، فهي حقا فرع للزيتونة، و يدرس فيها كل العلوم التي تدرس في الزيتونة، حيث كان الطلبة متفرغون للطلب فقط.يعد الشيخ علجت "من أبرز رجال الدين والفقه في الجزائر"، وقد خلف العديد من المؤلفات من بينها كتاب على شكل مذكرات يروي سيرته الذاتية وتاريخ الثورة الجزائرية.
أسأل الله أن يرحمه ويتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وأن يصبر أهله وأحبابه وتلامذته والأمة على فراقه، وأن يعوّضنا في مصابنا خيراً.
إنا لله وإنا إليه راجعون
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.