في سيرة صلاح الدين الأيوبي:
فتوحات صلاح الدين في عهد نور الدين زنكي
الحلقة: الثامنة والعشرون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
شوال 1441 ه/ يونيو 2020
1 ـ ضمُّ المغرب الأدنى:
عمل صلاح الدين على تحصين إنجازاته التي حققها في مصر ، وذلك بتأمين حدود بلاده؛ حتى لا يؤخذ على غرَّةٍ، وأسفرت جهوده عن ضمِّ المغرب الأدنى ، فقد كانت شمال إفريقية مرتبطةً عضوياً ًبمصر منذ الفتوحات الإسلامية الأولى ، فكان من الطبيعي أن تتَّجه أنظار صلاح الدين إلى ضمِّ بلدانها للاستفادة من ثرواتها من جهة ، وبفضل موقعها الجيد في حماية حدود مصر الغربية من جهة أخرى ، ففي عام 568هـ/1173م أرسل صلاح الدين قوةً عسكريةً إلى المغرب الأدنى بقيادة شرف الدِّين قراقوش ، غلام المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب ، فدخل طرابلس ، وبرقة ، وبعض بلاد المغرب الأدنى؛ حتى قابس ، باستثناء المهدّيَّة ، وسفاقس ، وقفصة ، وتونس.
2 ـ ضمُّ اليمن:
يدخل ضم اليمن ضمن المخطط النُّوري الهادف إلى توحيد جبهة إسلامية واحدة لمقاومة الغزو الصليبي. وقد حقَّقت سياسة صلاح الدين في ضم اليمن إلى:
أ ـ التضييق على أنصار الفاطميين ، وبخاصة: أنَّ والي اليمن عبد النبي بن مهدي كان شيعياً رافضياً ينتمي إلى خليفة مصر الفاطمي.
ب ـ استطاع صلاح الدين تأمين حدود مصر الجنوبية؛ لأنَّ ضم اليمن؛ الذي يُعدُّ مفتاح البحر الأحمر من ناحية الجنوب يؤمن له السيطرة العسكرية ، والتجارية على الأقاليم الجنوبية ، ويبُعد احتمال حدوث تقارب بين الصليبين الذين يتطلعون للسَّيطرة على البحر الأحمر ، وبين الحبشة التي تدين بالدِّيانة النصرانية؛ حتى لا يقع بين فكي الكماشة الصليبية على سواحل البحر المتوسط في الشمال ، والأحباش على سواحل البحر الأحمر في الجنوب.
ج ـ كانت اليمن انذاك تمرُّ بمرحلة عدم استقرار ، تتنازعها الأهواء السياسية ، والدينية ، والمذهبية، وبخاصة بين زبيد، وصنعاء، كما ظهر دعيُّ زعم: أنَّه المهدي المنتظر، هو عبد النبي بن مهدي، وتغلَّب على اليمن، وخطب لنفسه بعد أن قطع الخطبة للعباسيين، وتسمَّى بالإمام ، وبنى على قبر أبيه قبَّةً عظيمةً ، وأمر أهل اليمن بالحجِّ إليها، ومنعهم من الحجِّ إلى مكة.
د ـ أراد صلاح الدين وضع حدٍّ لهذه التجاوزات ، والمساويء التي تُهدِّد وحدة المسلمين ، وبخَّاصةٍ بعد أن أرسل إليه أهل اليمن يستنجدون به لإنقاذهم. ومهما يكن من أمر؛ فقد وجه صلاح الدين سرية بقيادة أخيه الأكبر شمس الدولة توران شاه الذي ورد مكة ، فاعتمر بها ، وسار منها إلى زبيد ، فامتلكها ، كما سار إلى عدن ، وامتلكها ، ومنع الجيش من نهبها ، وقال: ما جئنا لنخرب البلاد ، وإنما جئنا لعمارتها ، وملكها ، ثم سار إلى بقية الحصون ، والمخالف ، والمعاقل ، فملكها ، واستوثق له ملك اليمن بحذافيره ، وخطب للخليفة العباسي. وقتل الدَّعي المسمَّى بعبد النبي ؛ وصفت اليمن من أكدارها ، وعادت إلى ما سبق من مضمارها، وكتب شمس الدولة إلى أخيه الملك الناصر صلاح الدين يخبره بما فتح الله عليه ، وأحسن إليه ، فكتب الملك صلاح الدين بذلك إلى نور الدين ، فأرسل نور الدين بذلك إلى الخليفة يُبَشِّره بفتح اليمن ، والخطبة بها له.
3 ـ فتح بلاد النوبة:
وكانت النوبة وقتها مملكة نصرانيةً عاصمتها مدينة دنقلة ، تقع في أعالي النيل ، وتربطها بمصر روابط متينة بشكل عام منذ الفتح الإسلامي ، ولمَّا قامت الدولة الأيوبية في مصر؛ أراد صلاح الدين فتح بلاد النوبة لحماية مصر من التعدِّي عليها من ناحية الجنوب ، وأرسل أخاه تورانشاه في شهر جمادى الاخرة عام 568هـ/شهر كانون الثاني عام 1173م إلى بلاد النوبة ، ففتح إبريم ، وسبى ، وغنم ، ثم عاد إلى قوص ، ودخل الإسلام إلى أماكن لم تطرقها سنابك خيل المسلمين من قبل ، وعيَّن إبراهيم الكردي والياً عليها ، وكان هذا الفتح سبباً في إزالة الحواجز التي كانت تؤول دون انتشار الإسلام فيها.
يمكنكم تحميل كتاب صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/66.pdf