مؤسسة الجيش زمن عماد الدين زنكي
اقتباس من كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
الحلقة: 27
بقلم: د.علي محمد الصلابي
صفر 1444 ه/ أغسطس 2022م
الجيش: كانت مؤسسة الجيش الضاربة قد استخدمها زنكي للقضاء على الإمارات المحلية لكي يوحدها في جبهة إسلامية متماسكة ليستطيع مجابهة الصليبيين، وقد اعتنى بجيشه بحيث أصبح قوياً متماسكاً. ومن الأمور المتعلقة بالجيش التي اهتم بها زنكي:
أ ـ ديوان الجيش: نظم زنكي ديوان الجيش؛ ليقوم بالإشراف على أمور الجند وتنظيمهم، وتوزيع رواتبهم، وأعطياتهم بانتظام(1) وجعل على رأس هذا الديوان موظفاً أعلى يطلق عليه «أمير حاجب»، (2)وكان عمله أن ينصف بين الأمراء والجند، تارة بنفسه، وتارة بمشاورة السلطان، وتارة بمراجعة النائب، وإليه تقديم من يعرض ومن يرد وعرض الجند، وما ناسب ذلك.(3)
كما كان ينظر في مخاصمة الأجناد واختلافهم في أمور الإقطاعات ونحو ذلك ،(4) وذكر ابن الأثير: أنَّه: كان لزنكي جماعة كثيرة من الخراسانية في الركاب أي ما يشبه الحرس الخاص المرافق للأمير، يُقال لهم: الجامكيات(5) الوافرة، وكان في الديوان من يجمعونها من جهاتها، ويقسمونها عليهم كل ثلاثة أشهر مرة، ففي بعض السنين تأخرت رواتبهم تأخراً يسيراً، فاجتمعوا ووقفوا بحيث يراهم زنكي مجتمعين، فعلم أنهم يشكون شيئاً، فأرسل إليهم، وسألهم عن حالهم فذكروه له، فقال لهم: أشكوتم إلى الديوان؟ قالوا: لا، قال: فهل ذكرتم حالكم للأمير حاجب؟ قالوا: لا، قال: فلأي شيء أعطي الديوان مئة ألف، وأعطي الأمير حاجب أكثر من ذلك، إذا كنت أنا أتولى الأمور صغيرها وكبيرها! .. كان عليكم أن تشكوا حالكم إلى الديوان، فإن أهملوا أمركم قلتم لـ (أمير حاجب)، فإن أهمل أمركم شكوتم الجميع إليَّ حتى أعاقبهم على إهمالهم، وأما الان فالذنب عليكم، ثم أمر بتأديبهم، وقطع رواتبهم، حتى شفع فيهم بعض الأمراء فعفا عنهم، ثم أحضر موظفي الديوان، وأمير حاجب وقال لهم: إذا كنتم تهملون أمر جندي الذين تحت ركابي، ومن هو ملازمي في سفري وإقامتي، وبهم من الحاجة إلى النفقات في أسفارهم ما تعلمونه، فكيف يكون حال من بعد عني؟ وأنكر عليهم ذلك، فخرجوا من عنده، وفرقوا في الأجناد من أموالهم إلى حين وصول «رواتبهم» فأخذوا عوض ما أخرجوه ،(6) ويعلق ابن الأثير على هذه الحادثة قائلاً بأن زنكي بهذا الإجراء: أصلح الجند لطاعة الديوان، وأصلح الديوان للنظر في مصالح الجند، وعظم نفسه عن أن يخاطب في هذا الأمر الحقير، وسهل عليه بذل المبلغ الكثير لمن يقوم بأموره.(7)
ب ـ أمير حاجب زنكي: تولى صلاح الدين بن أيوب الياغسياني منصب أمير حاجب لدى زنكي، ويرجع ذلك في تولية الأخير على الموصل؛ إذ كان أحد عضوين في الوفد الذي توجه إلى بغداد عام 521هـ لمفاوضة المسؤولين حول إقرار الوضع في المنطقة، وقد وعده زنكي بتوليته منصب أمير حاجب حالماً يستقر في الموصل، فلما دخلها عام 521هـ ولاَّه هذا المنصب الهام ،(8) وقد ظلَّ الياغسياني يلازم زنكي في حله وترحاله، واعتمد عليه هذا في مهامه العسكرية، (9)وجعله أحد قواده الكبار، وكلفه بقيادة جيشه في عدد من المهام والمعارك العسكرية، وتقدم لدى زنكي بالمناصحة، وسداد التدبير، وحسن السفارة، وصواب الرأي ،(10) ولذلك لم يعترضه أو يقيله من منصبه طيلة فترة حكمه .(11)
مراحع الحلقة السابعة والعشرون:
(1) الباهر ص 83 عماد الدين زنكي ص 192.
(2) الباهر ص 83 عماد الدين زنكي ص 192.
(3) صبح الأعشى(4/19) عماد الدين زنكي ص 192.
(4) الخطط(2/219) عماد الدين زنكي ص 192.
(5) الجامكيات: هي الرواتب العامة.
(6) الباهر ص 83 عماد الدين زنكي ص 193.
(7) الباهر ص 83 عماد الدين زنكي ص 193.
(8) الباهر ص 35 عماد الدين زنكي ص 195.
(9) ذيل تاريخ دمشق ص 258.
(10) كتاب الروضتين نقلاً عن عماد الدين زنكي ص 195.
(11) عماد الدين زنكي ص 195.
يمكنكم تحميل كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي