الإثنين

1446-11-07

|

2025-5-5

(الجيش الزنكي وعناصره)

اقتباس من كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي

الحلقة: 28

بقلم: د.علي محمد الصلابي

صفر 1444 ه/ سبتمبر 2022م

تعتبر نظم عماد الدين زنكي امتداداً لنظم السلاجقة من جهة، وأساساً للنظم الأيوبية والمملوكية من جهة أخرى، ومن العناصر التي كانت تشكل جيش زنكي: الخراسانيون، والتركمان الذين كانوا يشكلون أعداداً كبيرة؛ إذ يشير ابن القلانسي إلى أن زنكي عندما حاصر الرُّها عام 539هـ كاتب طوائف التركمان بالاستدعاء لهم للمعونة عليه (أي: على الرُّها) وأداء فريضة الجهاد، فوصل إليه منهم الخلق الكثير بحيث أحاطوا بها من جميع الجهات، وحالوا بينها وبين ما يصل إليها من الميرة والأقوات.(1)

وقد استفاد زنكي من التركمان لجهاد الصليبيين بالدرجة الأولى، وقام بنقل طائفة من التركمان الأيوانية مع أميرهم «الياروق» إلى الشام، وأسكنهم بولاية حلب، وأمرهم بجهاد الفرنج، وملكهم كل ما استنقذوه من البلاد التي لهم.. فكانوا يغادرون الفرنج بالقتال، ويراوحونهم، ولم يزل جميع ما فتحوه بأيديهم إلى سنة 600هـ. وقد استفاد الأمير سوار بن إيتكين التركماني نائب زنكي في حلب من التركمان في غارته ضد الصليبيين في شمالي الشام، واستطاع أن يحقق بواسطتهم انتصارات عديدة ،(2) وكان التركمان ينتشرون في معظم أنحاء الشام وبخاصة مناطق الفرات، وكانوا طوائف كثيرة وجماعة كبيرة.(3)

وكان زنكي يمضي إلى الفرات لجمع التركمان قبل القيام بمعاركه المهمة؛ إذ كان هؤلاء بأعدادهم الضخمة، ومرانهم في الحرب، وشجاعتهم، يشكلون أهم عنصر في جيشه،(4) وجاءت إشارات متعددة عن(الحلبيين) كقوة عسكرية اشتركت في معارك عديدة ضد الصليبيين في شمالي الشام بقيادة الأمير سوار، وقامت بدور أساسي في الدفاع عن حلب وبعض المدن الأخرى القريبة عند هجوم الامبراطور البيزنطي المتحالف مع الصليبيين على هذه المنطقة عام 532 هـ، (5)كما قام الحلبيون بدور هام في فتح الرُّها عام 539 هـ جنباً إلى جنب مع الخراسانيين؛ إذ كان في (الحلبيين) أيضاً من هو «عارف بمواضع النقوب»، فنقبوا عدة مواضع مع الخراسانيين، وأشعلوا فيها النار مما أدى إلى انهيار بعض أجزاء السور ودخول المسلمين إلى الرُّها.(6)

وقد كان هؤلاء الحلبيون من سكان حلب الأصليين، أي من العرب، بدليل ما أورده ابن العديم من أن زنكي كان يجبر فلاحي حلب على الالتحاق بجيشه في أوقات القتال،(7) ويظهر أن هؤلاء كانوا يتركون الجيش، ويعودون إلى أعمالهم الزراعية بعد انتهاء القتال، ولا ريب: أنهم كانوا يتقاضون أجوراً على اشتراكهم في المعارك، سواء كانت أرزاقاً معينة، أم ما يحصلون عليه من الغنائم، وقد ذكر ابن واصل أن زنكي رحل إلى أرض حماة عام 533هـ واستصحب من أهلها تسعة الاف راجل يخدمون الركاب.(? أي: للقيام بمهمة الحشم في خدمة الجيش وأمرائه في حلهم وترحالهم، فضلاً عن حراسة زنكي الخاصة، مما يشير إلى أن هذا اعتمد على أهالي الشام في كثير من الأمور الحربية(9) واعتمد جيشه على عناصر أخرى كالبدو والأكراد.(10)

ـ عدد جيش زنكي: ويظهر مما سبق: أنَّ عدد جيش زنكي لم يكن ثابتاً، بل كان عرضة للزيادة والنقصان بما ينضم إليه من المتطوعين من حين لآخر. وقد حاول زنكي أن يضمن وجود مورد عسكري بشري ثابت، ففرض التجنيد الإجباري على بعض المناطق القريبة من مواطن الخطر، ولذلك كان يلزم أهل حلب بجمع الرجالة للقتال والحصار، فإن كان ذلك في جهـاد الكفار؛ فقـد كان يجب عليهـم ذلك، وله إلزامهم به.(11)

ـ معسكرات عماد الدين زنكي: هنالك إشارات محدودة عن معسكرات الجنود، ففي شتاء إحدى السنين قدم زنكي إلى جزيرة ابن عمر، فنزل بالقلعة، وعسكر جنده في الخيام خارج المدينة ،(12) الأمر الذي يشير إلى وجود معسكرات غير ثابتة في الحالات الطارئة، وأمَّا في الحالات الدائمة، فقد كان زنكي يقيم حامية عسكرية في كل مدينة، أو حصن يفتحه بعد أن يقطع أراضيها لأمراء الحامية وجنودها (13)وهذا يؤكد وجود معسكرات ثابتة في مختلف المناطق التابعة لزنكي، ولم تحدد المصادر فيما إذا كانت سكنى الجند داخل القلاع أم خارجها؟(14)

ـ استخدام الخيل في جيش عماد الدين: وردت إشارات عديدة عن اهتمام قوات عماد الدين زنكي بالخيل واستخدامها في مختلف الحروب، وفي الهجمات السريعة، وقد ذكر أسامة بن منقذ بعض اللمحات عن الخيول في عهد زنكي، فكان الفارس يلبس الزردية، أو الكزاغند (أي: الدرع). والخوذة، ويقاتل بالسيف أحياناً، وبالدبوس أحياناً أخرى. (15)وقد جرى التنافس بين قوات زنكي لاقتناء الخيول الحسنة(16) وكان للأمراء ركائبيون، وإصطبلات خاصة لخيولهم (17)ويشير ابن العديم إلى استخدام الخيل في معارك عام 532هـ ضدَّ الروم والصليبيين.

وقد اعتمد الأمير سوار نائب زنكي في حلب على الخيول في غاراته التي شنَّها ضد الصليبيين.(18) وهنالك إشارات مختصرة عن تنظيم النقل في جيش زنكي؛ إذ يشير ابن منقذ إلى استخدام زنكي للبغال.(19) ويظهر: أن حروبه الجبلية دفعته إلى ذلك، كما استُخدِمت الإبل في مناطق الجزيرة المستوية في الظروف التي تطلبت السرعة.(20)

مراجع الحلقة الثامنة والعشورن:

(1) الباهر ص 279 عماد الدين زنكي ص 197.

(2) عماد الدين زنكي ص 197.

(3) زبدة حلب (2/264 ـ 268).

(4) ذيل تاريخ دمشق ص 279 عماد الدين زنكي ص 198.

(5) عماد الدين زنكي ص 198.

(6) المصدر نفسه ص 199.

(7) المصدر نفسه ص 199.

(8) المصدر نفسه ص 199.

(9) المصدر نفسه ص 199.

(10) المصدر نفسه ص 199.

(11) عماد الدين زنكي ص 199.

(12) الباهر ص 76 ـ 77، كتاب الروضتين(1/110).

(13) عماد الدين زنكي ص 200 الباهر ص 66 ـ69.

(14) عماد الدين زنكي ص 200.

(15) الاعتبار ص 98 عماد الدين زنكي ص201.

(16) عماد الدين زنكي ص 201.

(17) المصدر نفسه ص 201.

(18) زبدة حلب(262 ـ 267).

(19) عماد الدين زنكي ص 201.

(20) الاعتبار ص 59 ـ 60 عماد الدين زنكي ص 201.

يمكنكم تحميل كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

alsallabi.com/uploads/file/doc/106969.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022