(من أساليب حرب عماد الدين زنكي)
اقتباس من كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
الحلقة: 29
بقلم: د.علي محمد الصلابي
صفر 1444 ه/ سبتمبر 2022م
قبيل إعلان الحرب كان زنكي يستدعي قوات من المتطوعين لتنضم إلى جيوشه النظامية المجهزة.(1) فعندما عزم على فتح الرُّها عام 539هـ كاتب طوائف التركمان بالاستدعاء لهم للمعونة عليها، وأداء فريضة الجهاد فوصل إليه منهم الخلق الكثير. (2)كما كان يمر ـ في طريقه إلى الحرب ببعض مدن إمارته، ويجمع منها الجند ليضيفهم إلى قواته كما فعل مع أهالي حلب (3)، وحماة(4) وكان الجهاد ضدَّ الصليبيين أحد الدوافع المهمة في اشتراك المتطوعين في حروب زنكي وخصوصاً التركمان، كما كانت الرغبة في الغنائم والخوف من سلطة زنكي(5) من الدوافع الأخرى لذلك، وكانت معظم المعارك التي خاضها زنكي عبارة عن هجمات ومحاصرة للحصون الكثيرة المنتشرة في منطقة الجزيرة والشام، وأما المعارك المفتوحة فإنَّها كانت أقلَّ من حروب الأسوار بشكل ملحوظ، ولذلك قلت الإشارات عن الأساليب التي اتبعت فيها.(6)
وكان للجواسيس أهمية كبيرة في المعارك التي خاضها زنكي، وكانوا ينتشرون في مناطق العدو، ويطلعون أميرهم على تحركاته، وإمكانياته لكي يكون على بينة من الأمر، وكان زنكي يحدد موقفه الحربي أحياناً بناء على ما يقدمه هؤلاء من معلومات ،(7) ومن ثم يتجه هو أو أحد قواده على رأس الجيش لفرض الحصار، فإذا ما استدعت الظروف السرعة في السير؛ اتخذ من الوسائل ما يكفل ذلك، ففي عام 528هـ على سبيل المثال توجه إلى (خلاط) وأراد الوصول إليها بسرعة، فسلك طريقاً عبر الجبال عبر الطريق المسلوك، وكان جنده يستريحون، كل واحد في موضعه دون خيام. (8)وعندما توجه لحصار الرُّها عام 539هـ استعان على السرعة بركوب النجائب (أي: الإبل صغيرة العمر).(9)
حروب الأسوار: قدمت بعض المصادر تفصيلات عن أساليب الأسوار، ففي حصار الرُّها تقدم زنكي ـ أولاً ـ إلى أهل الحصن بتسليمه له دون أن يضطر إلى تخريبه، فلما رفضوا؛ أمر المنجنيقات بالضرب، وقاد الشجعان لنزاله على شكل زحوف مستمرة لقتال الحامية، وفي الوقت نفسه كان النقابون العارفون بمواضع النقوب يعملون على نقب بعض المناطق الواقعة تحت الأبراج، وبعد ذلك وضعوا فيها الأخشاب، وأحرقوها، فسقطت الأبراج، واحترق السور، واندفع جند زنكي إلى داخل الحصن.(10)
أسلوب الاشتباك: اتبع زنكي أسلوب الاشتباك مع حامية الحصن حالماً يفسح المجال بذلك؛ إذ تبدأ المنجنيقات أولاً بضرب الأسوار، وما أن تحدث بعض الفتحات؛ حتى يقوم عدد من جنده بهجوم سريع على تلك المناطق والاشتباك مع الحامية، فإذا ما قضوا على المدافعين؛ فتحوا الطريق أمام الجيش للدخول إلى الحصن والاستيلاء عليه.(11)
الناحية التموينية: كان عماد الدين زنكي يؤكد في حصاره للحصون على الناحية التموينية، فيفرض حصاراً اقتصادياً على الحصن، فضلاً عن الحصار العسكري ،(12) كما كان يؤكد على إثارة حماسة الجند بأن يشترك هو نفسه في الهجوم على الأسوار كما حدث في معركتي عقر الحميدية عام 528هـ(13) والرُّها عام 539هـ.(14)
الحروب المفتوحة: فقد اتبع زنكي أسلوب الحرب المفتوحة، حيث تقسم القوات إلى عدة مجموعات على رأس كلٍّ منها أمير: ميمنة، قلب، ميسرة، مقدمة، مؤخرة. وقد ظهرت براعة زنكي وقواده في استخدام الأساليب المختلفة في القتال، كنصب الكمائن (15)وفي الحالات التي كانوا يرون فيها: أن من الخطورة الدخول بمعارك مفتوحة مع العدو، إما لقلَّة عددهم، أو لعدم ملاءمة الظروف العسكرية لهذا النوع من القتال، في هذه الحالات كان زنكي وقواده يلجؤون إلى شن الغارات على معسكرات العدو، والانسحاب بسرعة، وكانوا يستهدفون من ذلك إقلاق تلك المعسكرات، ونشر الخوف، والفوضى في صفوفها ؛ وذلك بما يحدثونه في أطرافها من قتل، واختطاف، ونهب، وتخريب، ممَّا يؤدي أيضاً إلى اضطراب في تموين العدو، وهو عامل هامٌّ لإضعافه.
وقد حققت هذه الأساليب انتصارات عديدة لزنكي ورجاله.(16) وكان زنكي ـ أحياناً أخرى ـ يمارس ضغطه الاقتصادي ضد أعدائه عن طريق القيام بعمليات النهب والتخريب في المناطق التي تمدُّ حصون هؤلاء بالتموين، كما حدث في منطقة حمص في السنوات التي سبقت الاستيلاء عليها عام 532هـ(17) وفي حصاره لدمشق عام 534هـ حيث أحرق عدة قرى من المرج، والغوطة، وشنَّ الغارات على حوران، وأعمال دمشق للنَّهب، والتخريب.(18)
الأسلحة التي استخدمها عماد الدين زنكي في جهاده: فقد ورد ذكر بعضٍ منها كالدبوس وهو آلة من حديد ذات أضلاع، والرماح، والسيوف، والقوس، والسهم، والنشَّاب، والمنجنيقات، والدبابة، والكبش، والقلعة المتحركة والتي كانت تستخدم لنقل الجند، والمعدات الحربية إلى الأسوار لكي تحميهم من سهام الأعداء ونيرانهم ،(19) كما استعمل جند زنكي النار العادية لحرق الأسوار بعد نقبها، وملئها بالخشب(20)
وكان مع جيوش زنكي جرائحيٌّ لعلاج مصابي الحرب ،(21) وربما كان ذلك دليلاً على وجود مجموعة، أو هيئة ترافق جند زنكي لإسعاف الجرحى.(22)
مراجع الحلقة التاسعة والعشرون:
(1) الباهر ص 68 عماد الدين زنكي ص 201.
(2) عماد الدين زنكي ص 202.
(3) ذيل تاريخ دمشق ص 279 عماد الدين زنكي ص 202.
(4) عماد الدين زنكي ص 202.
(5) مفرج الكروب(1/84) عماد الدين زنكي ص 202.
(6) الباهر ص 68 عماد الدين زنكي ص 202.
(7) عماد الدين زنكي ص 202.
(8) مفرج الكروب(1/93) عماد الدين زنكي ص 202.
(9) الاعتبار 88 ـ 89.
(0 ) الباهر ص 68.
(11) ذيل تاريخ دمشق ص 279.
(12) الاعتبار ص 155 عماد الدين زنكي ص 203.
(13) ذيل تاريخ دمشق ص 279.
(14) عماد الدين زنكي ص 203.
(15) مفرج الكروب(1/93 ـ 94).
(16) ذيل تاريخ دمشق ص 259 عماد الدين زنكي ص 204.
(17) الباهر 55 ـ 56، مفرج الكروب(1/78، 79).
(18) الكامل في التاريخ نقلاً عن عماد الدين زنكي ص 204.
(19) مفرج الكروب نقلاً عن عماد الدين زنكي ص 205.
(20) تاريخ المماليك ص 276 عماد الدين زنكي ص 205.
(21) الباهر ص 68 عماد الدين زنكي ص 205.
(22) الاعتبار ص 59 ـ 60.
يمكنكم تحميل كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي