الإثنين

1446-11-14

|

2025-5-12

(اهتمام الشيخ الإبراهيمي بحركة الإسلام في أوروبا)

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):

الحلقة: 243

بقلم: د. علي محمد الصلابي

جمادى الآخرة 1443 ه/ يناير 2022م

لا يكتفي الشيخ بحمل هموم الإسلام وأمَّته في العالم الإسلامي فقط، بل تمتد هممه إلى الأقلِّيات الإسلامية التي تعيش في الغرب، وفي غيره، فتراه يكتب عن حركة الإسلام في أوربا قائلاً:

الإسلام روح تجري، ونفحة تسري، وحقيقة ليس بين العقول وبين قبولها إلا مواجهتها لها، وليس بين النفوس وبين الإذعان لها إلا إشراقها عليها من مجاليها الأولى.

لذلك نراه في جميع مراحل التاريخ يقطع الفيافي بلا دليل، ويقطع البحار بلا هاد، ويغزو مجاهيل أفريقيا في الوسط والجنوب، ومنتبذات اسيا في الوسط والشرق، ثمَّ يدخل شرق أوربا مع الفتوحات العثمانية، كما دخل غربها في الجنوب مع الفتوحات الأموية، وكما دخل جنوبها مع الفتوحات القيروانية، وهو في كل ذلك يقتحم الأذهان بغير استئذان.

وليست تلك الفتوحات الحربية هي التي غرسته، أو مكنت له الان. الفتح في الإسلام لم يكن في يوم ما إكراهاً على الدين، وإنَّما مكنت للإسلام طبيعته ويسره، ولطف مدخله على النفوس، وملاءمته للفطر والأذواق والعقول. ولو بقي الإسلام على روحانيته القوية، ونورانيته المشرقة، ولو لم يفسده أهله بما أدخلوه عليه من بدع، وشانوه من ضلال ؛ لطبّق الخافقين، ولجمع أبناءه على القوَّة والعزَّة والسيادة، حتى يملكوا به الكون كلَّه، ولكنهم أفسدوه واختلفوا فيه وفرَّقوه شيعاً ومذاهب، فضعف تأثرهم به، فضعف تأثيره فيهم، فصاروا إلى ما نرى ونسمع.

لا يعود المسلم إلى العزِّة والسيادة حتى يغيِّر ما به، فيرجع إلى حقائق القران يَسْتَلهمها الرشد، ويستمدّ منها تشديد العزيمة، وتسديد الرأي، وإصابة الصواب، ومتانة الأخلاق، فيأخذ دينه بقوة، تهديه إلى أن يأخذ دنياه بقوة، ويقوده كل ذلك إلى أخذ السعادة بأسبابها.

ولو كان المسلم مسلماً حقاً لعرف نفسه، ولو عرف نفسه لعرف أخاه، ولو عرف أخاه لكان قوياً به في المعنى كثيراً به في المادة، ويوم نصل إلى هذه الدرجة نكون قد أعدنا تاريخ الإسلام من جديد، ونكون قد أضفنا إلى هذا العُنْصُر المادي العصري الفوار عنصراً روحانياً فواراً يلطف من حدَّته، ويخفِّف من شدَّته، فيتكوَّنُ منهما مزاج صالح، يصلح عليه الكون كله، لا المسلمون وحدهم.

إنك لترى للمسلمين وجوداً في كل قطر، وتسمع عنهم نبأ في كل ناحية، ولكنَّهم متفرِّقون في زمن أصبح فيه التكتُّل شرطاً للحياة، ومتباعدون في وقت أصبح فيه التقارب أساساً للقوة، ومتناكرون في عصر أصبح فيه التعارف أقوى وسائل التعاون، ومنصرفون عن الجامعة الإسلامية الواسعة إلى جوامع أخرى ضيِّقة الافاق، من جنسية وإقليمية، في هذا الزمن الذي يتداعى فيه أتباع الأديان القديمة، ومعتنقوا النحل الحديثة، إلى التجمُّع حول المبادأئ الروحية أو الفكرية.

وهناك في الأقاصي من شمالي أوربا طوائف من إخواننا المسلمين المنحدرين من السلائل التركية والصقلية التي امتزجت في شبه جزيرة البلقان، ثم مدت مدها إلى النمسا، وهنغاريا، ثم نزحت منها مجاميع إلى الشمال، فكانت بقاياها هذه المجموعة المتوطِّنة في «فنلندا»، ولا نشك أن إخواننا هؤلاء قد اصطبغوا بصبغة ذلك الوطن في حياتهم الدنيوية وطرق معايشهم، ولا نشك أنهم أخذوا فيها بنظام العصر وقوَّته وجدِّه، ولكنهم في حياتهم الدينية مستضعفون محتاجون إلى إمْدَاد من إخوانهم المسلمين في جميع الأقطار، تقوِّي ضعفهم المادي، وتكمل نقصهم العلمي، وتشعرهم بالعزَّة والكرامة، وترفع رؤوسهم بين مواطنيهم.

وقد كتب الشيخ حبيب الرحمن شاكر إمام المسلمين في فنلندا، يظهر من ذلك كله ما هم في حاجة إليه، فليس لهم مسجد جامع يؤدون فيه الشعائر الدينية، وإنما يصلُّون الجمعة في قاعة سينما يكترونها لساعات، وليس عندهم من الكتب الدينية العربية شيء إلا المصاحف. وإنما يتمتعون بشيئين مهما تكن قِيمَتُهُما غالية فإنهما لا تغنيان عن المفقود، وهما:

العقيدة المتينة، والحرية التامة.

وجمعية العلماء تبتهج بهذه الصلة الجديدة بإخواننا مسلمي فنلندا، وتصل بهذه الكلمة وشائج القربى الدينية، وتحرك بها سواكن هِمَم المسلمين في الشرق والغرب، ليلتفتوا إلى هذه الناحية من جسمهم، فيداووا علَّتها، ويسدّوا خلتها، ويربحوا بها ما يزيد في عددهم، وإن هذا لأقلَّ ما يوجبه الإسلام على المسلم.

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي

الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى

alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF

الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf

الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf

كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022