(الاستعداد العسكري «المنظمة الخاصة أو السرية»)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 245
بقلم: د. علي محمد الصلابي
رجب ١٤٤٣ه/ فبراير ٢٠٢٢م
إن حزب الشعب الجزائري: (الحركة من أجل انتصار الحريات) استخلص الدرس من أحداث 1945م: ولابد من تنظيم الصفوف، ومن التسلح، ومن إعداد العدة للشروع في الكفاح من أجل التحرر الوطني، لأن هذا الكفاح المسلح أصبح حتمياً، فتقرر إحداث منظمة «خاصة أو سرية»، حتى انعقد أول مؤتمر للحركة في الجزائر العاصمة يومي 15 و 16 فبراير 1947م. وقد استعمل مصطلح تسمية «المنظمة السرية» محمد بوضياف، واستعمل أحمد مهمساس مصطلح «المنظمة الخاصة».
ثم تأكد هذا القرار لما اجتمعت اللجنة المركزية في زذين بالقرب من «عين الدفلي» في ديسمبر 1948م. وقد انعقد الاجتماع بحضور مصالي الحاج في ضيعة تملكها أسرة عبد القادر بلحاج جيلاني، الذي كان في قيادة المنظمة الخاصة عضواً مكلفاً بالتدريب العسكري وبالمفتشية العامة، تواصل الاجتماع في البليدة لأنه جاء خبر خاطأئ، أن الشرطة متأهبة لحملة تفتيش في مكان الاجتماع، وقررت اللجنة المركزية منح الكفاح المسلح الأولوية، أي قررت تقوية المنظمة الخاصة. وذلك لأن الانتخابات الأخيرة لاختيار أعضاء الجمعية الجزائرية بينت أن التزوير كان سائداً ومشجعاً من طرف الحاكم العام «نيجلان»، ومن اللازم ومن المفيد أن نذكر القيادات المختلفة على رأس المنظمة الخاصة، لأننا سنجد معظم الأشخاص معنيين عند اندلاع ثورة التحرير في أول نوفمبر 1954م.
ـ تكونت القيادة الأولى من محمد بلوزداد «رئيس»، وحسين ايت أحمد «مساعد»، وأحمد بن بلة «عضو مكلف بالناحية الوهرانية»، وجيلاني رجيمي «عضو مكلف بالجزائر» وبالمتيجة وبالتيتري، ومحمد بوضياف «عضو مكلف بنواحي قسنطينة»، وعبد القادر بلحاج جيلاني «عضو مكلف بالجزائر» وشلف والظاهرة، وحسين ايت أحمد مساعد الرئيس مكلف ببلاد القبائل.
ـ وتكونت قيادة المنظمة السرية الثانية «من اخر سنة 1947م إلى سبتمبر 1949م» من حسين ايت أحمد الذي خلف بلوزداد الذي كان مريضاً، وعبد القادر بلحاج جيلاني «عضو مكلف بالتدريب العسكري وبالمفتشية العامة، ومحمد ماروك «عضو مكلف بالجزائر والظاهرة وشلف»، ومحمد بو ضياف «عضو مكلف بنواحي قسنطينة»، وأحمد بن بلة «عضو مكلف بنواحي وهران»، وجيلاني رجيمي «عضو مكلف بالجزائر» والمتيجة والتيتري وبلاد القبائل.
ـ وتكونت القيادة الثالثة من سبتمبر 1949م إلى ماي 1950م من أحمد بن بلة «رئيس»، وعبد القادر جيلاني «عضو مكلف بالتدريب العسكري وبالمفتشية العامة»، ومحمد يوسفي «عضو مكلف بالمرافق العامة وبالمتفجرات وبالمواصلات»، وعبد الرحمن بن سعيد «عضو مكلف بنواحي وهران»، وجيلاني رجيمي «عضو مكلف بالجزائر وبالمتيجة وبالتيتري وببلاد القبائل»، وأحمد مهساس «عضو مكلف بالجزائر وبالشلف وبالظاهرة»، ومحمد بوضياف «عضو مكلف بنواحي قسنطينة»، والعربي بن مهيدي «عضو مساعد لمحمد بوضياف».
وقد كان لَحَول حسين الأمين العام للحزب يلعب دور الوسيط بين جهاز الحزب وقيادة المنظمة السرية إذا تعلق الأمر بالقضايا الهامة.
ولقد حرصت المنظمة الخاصة على تجنيد مناضلين ملتزمين ومقتنعين وشجعان وناشطين وقادرين جسدياً على حسب المادة الثانية من النظام الداخلي، فعندما يكشف المناضل المتصف بتلك الصفات يمتحن، ثم إذا كانت النتيجة إيجابية يؤدي اليمين، فلن يستطيع بعد ذلك أن يفارق المنظمة، فإذا فارقها بدون سبب اعتبر فاراً منها فيتعرض لعقوبات قاسية.
إن أعضاء قيادة المنظمة الخاصة كانوا هم أيضاً يشاركون في التدريب، يروي حسين ايت أحمد في كتابه المتعلق بمذكراته قصة تبين ذلك: ذهبت جماعة من القياديين وهم لابسون كالكشافة إلى ناحية شرشال لدراسة الميدان وتصور حرب العصابات: ذهبت الجماعة المتكونة من حسين ايت أحمد ومحمد بوضياف وأحمد بن بلة وأحمد مهساس وعمر ولد حمودة وجيلاني رجيمي وعبد القادر بلحاج جيلاني ومحمد مازوك من شرشال إلى سيدي غيلاس، ثم توجهت نحو جبال الظاهرة مارة بسيدي محمد أسميان ثم ببوحرب، واتجهت نحو جبل زكار لتصل إلى عين الدّفلي. في أثناء السفر «أوت 1948م» درست الجماعة الميدان والخرائط وتقنيات حرب العصابات دام السفر أكثر من أسبوع، ومن غريب الصدف أن بعض أعضاء الجماعة أصبحوا قياديين في الثورة، وأصبح اثنان منهم «أحمد بن بلة ومحمد بوضياف» رئيسين للجمهورية الجزائرية بعد الاستقلال.
ـ ومن أجل الحصول على مال يخصص لشراء الأسلحة والذخيرة، تقرر مهاجمة مركز بريد وهران، وصدرت الموافقة على العملية من طرف الأمين العام للحزب حسين لَحَول، وقد شارك فيها مناضلون من المنظمة السرية، فهكذا تحصلت قيادة الحزب على 4 ملايين من الفرنكات القديمة الناتجة من مهاجمة المركز البريدي بوهران.
ـ وعلى حسب أحمد مهساس عدد المنضمين في المنظمة بلغ في سنة 1949م ألفين من المناضلين الخارجين من صفوف حزب الشعب الجزائري والحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية، وقد كان يوجد انذاك «000،50» مناضل ومحبّ داخل صفوف الحزب، لكن المنظمة الخاصة اهتزت بسبب حادث بسيط، اختطف مناضل «كان عضواً في المنظمة في ناحية تبسة» من طرف إطارات محلية، وذلك بسبب معلومات عن المنظمة سربها بدون حذر، فعندما نُقل في سيارة محاطاً بإطارات حزبية محلية «سوف تستجوبه عن تصرفاته» هرب يوم 18 مارس 1950م خوفاً من العقاب، واتصل بالشرطة فأخبرها بما وقع. وتمكنت الشرطة من إلقاء القبض على الذين اختطفوه بعد ايقاف سيارتهم في «واد زناتي» بين قالمة وقسنطينة، فالتحقيق أدى إلى عدد من الاعتقالات التي هزت المنظمة الخاصة. إذ أُلقي القبض على 400 مناضل، وصدرت أحكام على مئتين منهم، إلا أن البعض من المتابعين تمكنوا من الفرار وعاشوا في السرية حتى اندلعت ثورة أول نوفمبر 1954م فالتحقوا بصفوفها.
بعد هذه الهزة أمرت قيادة حزب الشعب الجزائري «الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية» المناضلين المعتقلين بإنكار وجود المنظمة السرية، وبالحديث عن مؤامرة بوليسية، وكل ذلك للمهاجمة على مسير الحزب وعلى ما تبقى من المنظمة الخاصة.
لكن مصالح الأمن الفرنسي استطاعت أن تصل إلى معلومات دقيقة عن الهيكل النظامي وعن قائمة الكثير من أعضاء المنظمة الخاصة، إلا أن البعض منهم بقي مجهولاً، والبعض الاخر التحق بالسرية كما قلنا، وقد تمكن أحمد بن بلة وأحمد مهساس من أن يفرا من سجن البليدة، وأن يلتحقا بعدد من إطارات الحزب المتواجدين في الخارج، ويساهما في تحضير الوسائل لقيام الثورة التحريرية.
بعد كل ما وقع للمنظمة الخاصة، قررت قيادة الحزب أن تحلها تخوفاً من الأخطار 1951م.
ولكنها في الحقيقة استمرت من خلال أفرادها الذين خارج سلطة المستعمر، وتولت تكوين الرجال الذين ساهموا في تفجير الثورة الجزائرية في نوفمبر 1954م.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: