(اهتمام الشيخ البشير الإبراهيمي بفلسطين)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 242
بقلم: د. علي محمد ثالصلابي
جمادى الآخرة 1443 ه/ يناير 2022م
كانت اهتماماته بكل قضايا الأمة وعلى رأسها قضيتها المحورية قضية أرض الإسراء والمعراج والأقصى: فلسطين.
فلسطين، التي خصَّها بالمزيد من الاهتمام، فهو يعيش فيها وتعيش فيه، يذكّر بمحنتها، ويحامي عن حقَّها، ويحرِّض العرب والمسلمين على الذود عن حياضها، ويدعو الجزائريين خاصة أن ينهضوا بواجبهم نحوها، ولا يتخاذلون عن نصرتها بكل ما يستطيعون، كان هذا موقفه قبل أن تقوم دولة الكيان الصهيوني وبعد أن قامت.
استمع معي إلى ما كتبه في البصائر في العدد «5» سنة 1947م:
يا فلسطين، إن في قلب كل مسلم من قضيتك جروحاً دامية، وفي جفن كل مسلم جزائري من محنتك عبرات هامية، وعلى لسان كل مسلم جزائري في حقِّك كلمة مترددة هي: فلسطين قطعة من وطني الإسلامي الكبير قبل أن تكون قطعة من وطني العربي الصغير، وفي عنق كل مسلم جزائري لك يا فلسطين حقٌّ واجب الأداء وذمام متأكِّد الرعاية، فإن فرَّط في جنبك، أو أضاع بعض حقِّك، فما الذنب ذنبه، وإنما هو ذنب الاستعمار الذي يحول بين المرء وأخيه، والمرء وداره، والمسلم وقبيلته.
يا فلسطين، إذا كان حب الأوطان من أثر الهواء والتراب، والمارب التي يقضيها الشباب، فإن هوى المسلم لك أن فيك أولى القبلتين، وأن فيك المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وأنك كنت نهاية الرحلة الأرضية وبداية الرحلة السماوية، ومن تلك الرحلة الواصلة بين السماء والأرض صعوداً بعد رحلة ادم الواصلة بينهما هبوطاً، وإليك إليك ترامت همم الفاتحين وترامت الأيْنُق الذلل بالفاتحين، تحمل الهدى والسلام وشرائع الإسلام، وتنقل النُّبوة العامة إلى أرض النبوات الخاصة، وثمار الوحي الجديد، إلى منابت الوحي القديم، وتكشف عن الحقيقة التي كانت وقفت عند تبوك بقيادة محمد بن عبد الله، ثم وقفت عند مؤتة بقيادة زيد حارثة، فكانت الغزوات تحويماً من الإسلام عليك، وكانت الثالثة ورداً، وكانت النتيجة أنَّ الإسلام طهَّرك من رجس الرومان، كما طهَّر أطراف الجزيرة قبلك من رجس الأوثان.
وفي هذه المقالة يقول: أيظن الظانون أن الجزائر بعراقتها في الإسلام والعروبة تنسى فلسطين؟ وتضعها في غير منزلتها التي وضعها الإسلام من نفسها؟ لا والله: يأبى لها ذلك شرف الإسلام، ومجد العروبة، ووشائج القربى.
ولكنَّ الاستعمار الذي عقد العقدة لمصلحته، وأبى أن يحلَّها لمصلحته، وقايض بفلسطين لمصلحته، هو الذي يباعد بين أجزاء الإسلام لئلا تلتئم، ويقطع أوصال العروبة كيلا تلتحم، وهيهات.
ويستمر الشيخ علىهذا النهج في التركيز على فلسطين، والتعريف بعدالة قضيتها، وجمع الأمة كلها حولها، في سبع مقالات مطوَّلة، بأسلوب الشيخ الذي يُحرِّك السواكن، ويثير الكوامن، ويفجِّر المكنون من الطاقات.
انظر ما كتبه عن «عيد الأضحى وفلسطين»:
«النفوس حزينة واليوم يوم الزينة، فماذا نصنع؟».
إخواننا مشرَّدون، فهل نحن من الرحمة والعطف مجرَّدون؟
تتقاضانا العادة أن نفرح في العيد ونبتهج، وأن نتبادل التهاني، وأن نطرح الهموم، وأن نتهادى البشائر، وتتقاضانا فلسطين أن نحزن لمحنتها ونغتمّ ونُعنَى بقضيتها ونهتمّ.
ويتقاضانا إخواننا المشرَّدون في الفيافي، أبدانهم للسوافي، وأشلاؤهم للعوافي ؛ أن لا ننعم حتى ينعموا، وأن لا نطعم حتى يطعموا.
ليت شعري... هل أتى عبَّادَ الفلس والطين، ما حلَّ ببني أبيهم في فلسطين؟
أيها العرب، لا عيد حتى تنفذوا في صهيون الوعيد، وتنجزوا لفلسطين المواعيد، ولا نحر حتى تقذفوا بصهيون في البحر، ولا أضحى حتى يظمأ صهيون في أرض فلسطين ويضحى.
أيها العرب: حرام أن تنعموا وإخوانكم بؤساء، وحرام أن تطعموا وإخوانكم جياع، وحرام أن تطمئن بكم المضاجع وإخوانكم يفترشون الغبراء.
أيها المسلمون: افهموا ما في هذا العيد من رموز الفداء والتضحية والمعاناة، لا ما فيه من معاني الزينة والدعة والمطاعم، ذلك حقُّ الله على الروح، وهذا حقُّ الجسد عليكم.
إنَّ بين جنبيَّ ألماً يتنزَّى، وإن في جوانحي ناراً تتلظى، وإن بين أناملي قلماً سُمته أن يجري فجمح، وأن يسمح فيما سمح،، وإن في ذهني معاني أنحى عليها الهم فتهافتت، وإن على لساني كلمات حبسها الغم فتخافتت.
ولو أن قومي أنطقتني رماحهم
نطقت ولكن الرماح أجَرَّت
وكتب مرة أخرى بمرارة مقالاً يقول فيه: هل لمن أضاع فلسطين عيد؟
ولنقرأ هذه الكلمات البليغة المعبِّرة التي ارتجلها الإبراهيمي في حفل أقامته جمعية الأخوة الإسلامية في العراق، ونشرتها مجلتها قال:
إن معرفة كارثة فلسطين لا تعدو أن تكون أسئلة وأجوبة، فإن استطعنا أن نعرف الأجوبة استطعنا أن نعرف الداء، ثم نعالجه.
أما السؤال الأوَّل، فهو:
هل أضعنا فلسطين؟
الجواب: نعم.
السؤال الثاني:
هل أعطيناها أم أخذوها منا؟
الجواب: أعطيناها نحن.
السؤال الثالث:
هل يمكن استرجاعها؟
الجواب: يمكن استرجاعها.
ثم قال: بماذا أضعنا فلسطين؟
الجواب: أضعناها بالكلام.
فقد كان الشعراء ينظمون القصائد الطويلة العريضة في مديح العرب وتسفيل اليهود، والكُتَّاب يكتبون، والسَّاسة يصرِّحون، فبين النظم والتصريح والكتابة والخطابة ضاعت فلسطين.
ثم قال:
الرجل البطل يعمل كثيراً ولا يقول شيئاً.
وفي مقال اخر ختم مقالته بهذه الكلمات المضيئة التي يكاد يحفظها الجزائريون كافة:
أيها العرب، أيها المسلمون:
إن فلسطين وديعة محمد عندنا، وأمانة عمر في ذمَّتنا، وعهد الإسلام في أعناقنا، فلئن أخذها اليهود ونحن عصبة إنَّا إذن لخاسرون.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: