(آثار أحداث 1945م)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 244
بقلم: د. علي محمد الصلابي
جمادى الآخرة 1443 ه/ فبراير 2022م
إن مجازر الثامن ماي 1945م التي تركزت أساساً في مناطق قالمة وسطيف وخراطة لم تنه روح المقاومة لدى الشعب الجزائري، بل كانت بداية مرحلة جديدة أعيد خلالها النظر في الاستراتيجية، وفي وسائل العمل والكفاح للمرحلة المقبلة.
ويمكن حصر النتائج الإيجابية في ظهور جيل جديد شاب عركته المحنة والمأساة، يرفض أسطورة الحضارة الفرنسية المتحررة والتحريرية، التي كانت النغمة المفضلة لعدد من مثقفي الجيل القديم.
واقتناع الشعب الجزائري بأن تحقيق الاستقلال لا يمكن أن يكون إلا بالسلاح والسلاح وحده، وبذلك أصبحت دعوة الكفاح المسلح تجد سبيلها في أوساط شباب ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وقد كانت ذكرى الاعتداء الفرنسي المسلح والبربري ضد الشعب الجزائري الأعزل، مجال تذكير من رجال الحركة الوطنية، وخاصة حزب الشعب في الجزائر والقاهرة ودمشق، لأن استعراض وتعداد الماسي التي مر بها الشعب الجزائري، شكل أزمة ضمير لدى رجال الحركة الوطنية، الذين عالجوا الأخطاء التي عرفتها كل الانتفاضات المباركة، والأساليب التي سحقت بها، إلى حين إعداد الأمة والشعب والرأي العام المحلي والإقليمي لما يعرفه هذا الوطن من مأساة، كان ولا يزال سببها المباشر فرنسا الاستعمارية.
لقد أيقنت الأحزاب والجمعيات الجزائرية أن الهوّة بين أهداف الاستعمار الفرنسي والمستوطنين المحتلين للجزائر والشعب الجزائري واسعة، والان ازدادت الهوّة واتسعت ولا تقبل الترقيع.
واستنتج الوطنيون أن الاستعمار الفرنسي لن يُقتلع من الجزائر إلا بالقوّة.
ولم يستطع تجمع الاحزاب نفسه أن يقاوم الزلزال السياسي الذي هزّ الجزائر في سنة 1945م، وظن فرحات عباس بأنه يرفض الاندماج كما يرفض الانفصال، وبأنه يريد أن يحرر الجزائر من النظام الاستعماري، وأن يندد بالفرنسيين الذين أصابهم مُركّب الاستعلاء، والذين عذّبوا وقتلوا مدّة أسابيع جزائريين أبرياء، وصرّح أيضاً بأنه يشجع الأخوة بين المسلمين والفرنسيين المسيحيين منهم واليهود.
وفي التاسع من أوت 1946م، اقترح فرحات عباس جمهورية جزائرية متمتعة بالحكم الذاتي داخل الاتحاد الفرنسي، كما اقترح انتخاب برلمان جزائري ورئيس للجمهورية، ثمّ على الحكومة الفرنسية أن تعيّن ممثلاً لها في الجزائر.
وبالنسبة إلى مصالي الحاج فقد قرر أن ينشأئ حزباً رسمياً، ليتمكن الوطنيون من الترشح في الانتخابات التشريعية المقررة في نوفمبر 1946م، واسم هذا الحزب هو «الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية»، ورفضت السلطات الاستعمارية بعض الترشحات منها ترشح مصالي الحاج ولَحَول حسين. ونجح في انتخابات 1946م التشريعية كل من محمد الأمين دبّاغين، وجمال دردور، ومسعود بو قادوم، وأحمد مزغنّة، ومحمد خيضر، وهم من حزب الوطنيين « MTLD ».
وأما الحزب الشيوعي الفرنسي في الجزائر فقد اخطأ في تحليله لأحداث 1945م، فقد أعلنت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي « PCE »، في جريدة يوم 12 ماي 1945م: لابد أن نعاقب في الحين وبدون هوادة منظمي التمرد ومن أداروه.
وقد استقبل الحاكم العام يوم 10 ماي 1945م وفداً من الحزب الشيوعي الفرنسي والحزب الشيوعي الجزائري، تكلم هذا الوفد عن «استفزازات ناشطين هتلريين من صفوف حزب الشعب الجزائري وحزب الشعب الفرنسي»، وعن ناشطين اخرين مختبئين في منظمات تدعي بأنها ديمقراطية، وهاجم الوفد مصالي والوطنيين الذين لم يعينوا فرنسا لما كانت محتلة ويطالبون الان بالاستقلال، وبعد ذلك يضيف الأمين العام للحزب الشيوعي: أن من يطالبون بالاستقلال هم عملاء وأعوان أو غير واعين للإمبريالية.
ولكن بعد الجرائم التي ارتكبها الاستعمار عند وقف المظاهرات، وقع المكتب السياسي للحزب الشيوعي الجزائري موقفه بنداء وجهه لإنشاء لجان تُعين المعتقلين، وشجع المطالبة بالعفو الشامل.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: