(ماذا وقع لقادة الثورة بعد انطلاقها؟)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 253
بقلم: د.علي محمد الصلابي
رجب ١٤٤٣ه/ فبراير ٢٠٢٢م
أ ـ قائد المنطقة الأولى:
فيما يخص قائد المنطقة الأولى مصطفى بن بولعيد، فقد اجتمع بمساعديه وطلب من كل واحد منهم أداء اليمين على كتمان السر، ثم أطلعهم على تاريخ وساعة اندلاع الثورة، وقرأ عليهم بيان أول نوفمبر باللغتين العربية والفرنسية، وفي ذلك الاجتماع تم تحديد المراكز التي تشن عليها هجومات المجاهدين ليلة الفاتح من نوفمبر 1954م.
وقد قال مصطفى بن بولعيد لقادة العمليات العسكرية أن قيادة الثورة تعلق امالاً كبيراً على المجاهدين في المنطقة الأولى بحكم أن هناك أسلحة متوفرة في تلك الناحية، وتنتظر منها الصمود لمدة ستة أشهر ريثما تلتحق المناطق الأخرى بركب الثورة، وأكد لهم مصطفى بن بولعيد بأنه وعد قادة الثورة بالصمود لمدة 18 شهراً.
وكما كان مخططاً فقد تمكنت أفواج المجاهدين من ضرب الأهداف المحددة في الساعة الواحدة من صبيحة أول نوفمبر 1954م، إلا أن المشكل الكبير الذي واجه مصطفى بن بولعيد هو مشكل السلاح الذي كان ينقص كثيراً، ولهذا قرر أن يتولى بشير شيهاني نائبه قيادة المنطقة، ويتوجه في شهر جانفي 1955م إلى تونس ثم إلى ليبيا لجلب السلاح، وبحث هذه المسألة مع أعضاء الوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني الجزائري، لكنه وقع في الأسر يوم 11 فبراير 1955م على الحدود الليبية التونسية، وتم نقله إلى تونس حيث تم استنطاقه وتحويله إلى سجن الكدية بقسنطينة، حيث تمت محاكمته وإصدار حكم الإعدام عليه، إلا أنه تمكن من الهروب من سجن قسنطينة يوم 4 نوفمبر 1955م رفقة الطاهر الزبيري والعيفة مغلاوي، وعاد إلى الأوراس لاستئناف الكفاح، حيث اطلع على مأساة حصلت في غيابه، وهي اغتيال نائبه بشير شيهاني من طرف مجموعة من زملائه في الكفاح، إلا أن المخابرات الفرنسية تمكنت من اغتياله يوم 27 مارس 1956م بعد أن أرسلت إليه جهازاً للاتصال انفجر في وجهه عندما كان يجري تجارب عليه بقصد استعماله.
ب ـ قائد المنطقة الثانية:
وأما القائد الثاني، مراد ديدوش ونائبه يوسف زيغود، فقد تمكنا من القيام بعمليات عسكرية رائعة ليلة الفاتح من نوفمبر 1954م، وقد كان ديدوش مراد من أكبر المخططين للثورة، ونجح إلى حد بعيد في تنشيط عمليات القتال بالمنطقة الثانية، وذلك بقصد تخفيف الضغط على منطقة الأوراس. وفي يوم 18 يناير «جانفي» 1955م تمكنت القوات الفرنسية من التعرف على مكانه، فقامت قوات من المظليين الفرنسيين بمحاصرته وأصابته برصاصات قاتلة، عندما كان يواجه القوات الفرنسية بقصد إعطاء فرص لجنوده للانسحاب بسرعة، ثم خلفه في القيادة زيغود يوسف الذي يرجع إليه الفضل في القيام بعمليات 20 أوت 1955م، وتخفيف الضغط على منطقة الأوراس، وكذلك يرجع إليه الفضل في عقد مؤتمر الصومام يوم 20 أوت 1956م، حيث اقترح على كريم بلقاسم وعبان رمضان عقد مؤتمر وطني للثورة الجزائرية، ووضع نظام جديد يوحد بين مختلف المناطق، ويستجيب للتطورات التي تعيشها مسيرة الثورة.
وبعد النجاح الذي حققه زيغود يوسف في مؤتمر الصومام، وتشكيل مجلس وطني للثورة ولجنة التنسيق والتنفيذ المنبثقة عنه، تقرر أن يتوجه عمار بن عودة إلى تونس لحل مشكلة السلاح، وأن يتوجه زيغود يوسف رفقة إبراهيم مزهودي إلى منطقة الأوراس، لحل بعض المشاكل التي برزت بعد استشهاد مصطفى بن بولعيد قائد تلك المنطقة، وفي يوم 26 سبتمبر 1956م وقع في كمين نصبه له العدو، وقاتل إلى أن استشهد.
ج ـ المنطقة الثالثة:
أما قائد المنطقة الثالثة، كريم بلقاسم ونائبه عمر أوعمران، فقد توفقا في المساهمة في عمليات التحرير منذ البداية حتى النهاية. وفي فاتح نوفمبر 1954م كان كريم بلقاسم يوجه العمليات العسكرية من مقر قيادته في قرية إيغيل إيمولا، وفي يوم 26 جانفي 1955م بعث بنائبه عمر أوعمران لمقابلة عبان رمضان في «عزوزة» قرب عين الحمام، وذلك بقصد تجنيده للعمل الثوري، وبعد اتصالات عديدة التقى كريم بلقاسم ورابح بيطاط مع عبان رمضان في الجزائر، ووافقا على تكليفه بمهام معينة، وبالتعاون مع ياسف السعدي، لكن بعد إلقاء القبض على رابح بيطاط يوم 23 مارس 1955م بالجزائر العاصمة، شعر كريم بلقاسم بحزن
شديد، لأن عدم وجود قيادة ثورية قوية بالعاصمة سوف يحدث خللاً كبيراً في مسيرة الثورة.
وعليه فقد قرر تعيين عبان رمضان مسؤولاً عن الجزائر العاصمة، ونائبه عمر أو عمران مسؤولاً عن المنطقة الرابعة التي هي ناحية الجزائر وما جاورها من مدن قريبة منها، ثم قام عبان رمضان بدوره بتعيين بن يوسف بن خدة وسعد دحلب ومحمد بجاوي في مراكز مسؤولية كبيرة بالجبهة، كما قام بتدعيم ياسف السعدي وشجعه على القيام بأعمال الكومندوس في الجزائر العاصمة.
وفي نفس الوقت قام كريم بلقاسم بمساعدة عبان رمضان بالعمل من أجل انضمام قادة الحركات السياسية الوطنية إلى جبهة التحرير الوطني الجزائري، ولم يتخلف عن ذلك إلا الحركة الوطنية الجزائرية التي يرأسها مصالي الحاج، فقد انضم إلى الجبهة فرحات عباس والأمين دباغين والشيخ أحمد توفيق المدني، والشيخ محمد خير الدين، ثم الصادق هجريس من الحزب الشيوعي الجزائري.
وعندما انعقد مؤتمر الصومام يوم 20 أوت 1956م، وتقرر إنشاء المجلس الوطني للثورة الجزائرية ولجنة التنسيق والتنفيذ المنبثقة عنه، تم تعيين كريم بلقاسم بلجنة التنسيق والتنفيذ، بصفته قائد عام لجيش التحرير الوطني الجزائري، وخلفه في منصبه العقيد محمد السعيد. وعليه فقد انتقل كريم إلى العاصمة، لكي ينسق مع زملائه في لجنة التنسيق والتنفيذ بين الولايات الستة التي أقرها مؤتمر الصومام.
وعندما استحال العمل في العاصمة في مطلع 1957م، قرر أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ يوم 25 فيفري 1957م الخروج من العاصمة، حتى لا تنطفأئ شعلة الثورة في حالة إلقاء القبض على قادة الجبهة في الداخل. وإذا كان القائد الكبير للثورة العربي بن مهيدي قد تم إلقاء القبض عليه في ذلك اليوم، فإن كريم بلقاسم ومعه بن يوسف بن خدة قد تمكنا من الذهاب إلى تونس، ثم القاهرة وواصلاً عملهما في الخارج إلى غاية 1962م.
كان كريم بلقاسم مؤمناً إيماناً عظيماً بالثورة ضد المحتلين، ومن أقواله إلى المجاهدين الذين جمعهم له مساعده علي زعموم بين إيغل إيمولة وذراع الميزان، بعد مدة من انطلاق الحوادث الأولى، وذلك في معصرة قرب ايت عيسى، وكانت المواصلات صعبة ومنقطعة والأسلحة قليلة ونادرة، فقال لهم: اليوم راحة وأريد أن أحدثكم واحداً واحداً، جئتم للثورة عن اختيار واقتناع وإدراك، وقبلتم أن تغادروا الجميع عائلاتكم وأعمالكم، وأعاهدكم بأننا سنحرر البلاد، إنه عمل لا رجعة فيه، أخذتم قراراً خطيراً عندما التحقتم بنا، ولا بد من الذهاب إلى اخر المشوار، إما التحرير أو التضحية الكاملة. إنني أعلم أن هناك حاجة تشغلكم ؛ وعدناكم بالأسلحة ولكنها لا توجد هنا إنها حقيقة، يمكن أن نتهم إخواننا في الأوراس أو في الخارج، وبإمكانكم أنتم أن تتحققوا من ضخامة القمع.
إن الأسلحة يمكن أن تكون قد حجزت في الطريق في بعض الأماكن من طرف القوات الاستعمارية أثناء توجيهها إلينا، وأمامنا جيش عسكري قوي يتزود باستمرار بالعتاد، ونحن لا نملك شيئاً فماذا نفعل؟ قولوا أنتم، البعض يحارب باسلحة متوسطة أحسن منا وبإرادة لا تحدّ، وفي بعض ثورات التحرير هناك بندقية واحدة لاثني عشر رجلاً يربطونها بحبل ويحارب بها الواحد حتى يسقط، فيسحبها اخر بالحبل ليحارب بها، وهكذا. فكروا جيداً، وبإمكانكم أن تفكروا فينا نحن رؤساءكم الذين وعدناكم بالأسلحة، ونحن هنا معكم وبينكم ومن جملتكم في الجبل، نخوض معاً وجميعاً الحرب بالأسلحة التي لدينا والتي سوف نغنمها من العدو، وقلت لكم إنها التضحية الكاملة وإلى النهاية سنضحي حتى نغنم الأسلحة في الجبهة، وسنسحق الضباط الذين يقولون ويزعمون أننا جبناء ومخنثون نخاف أن نهاجمهم، وسيكونون مسرورين عندما يجدوننا أمامهم ليقضوا علينا جميعاً مادامت القوة غير متكافئة، ولكي ننجح لا بد من أن نطهر منطقتنا من الوشاة والأعوان الفرنسيين.
د ـ المنطقة الرابعة:
أما بالنسبة لقائد المنطقة الرابعة، رابح بيطاط ونائبه بوجمعة سويداني، فقد حاول الأول تنظيم مجموعة الفدائيين التي تقوم بالعمليات العسكرية في الساعات الأولى من صبيحة أول نوفمبر 1954م، لكنه اصطدم بمشكلة عويصة وهي أن مجموعة المناضلين بالبليدة قد رفض أعضاؤها المشاركة في العمليات العسكرية، وذلك نتيجة لبعض الاتصالات التي أجراها معهم زعيم المركزيين هناك لحول حسين على ما يبدو، ولذلك اضطر كريم بلقاسم أن يبعث بنائبه عمر أوعمران لكي يشارك في عمليات الفاتح نوفمبر بمدينة البليدة ويتعاون مع سويداني بوجمعة.
أما بيطاط قد شارك مع زميله أحمد بوشعيب، فقد قاما بالهجوم على ثكنة بيزو بمدينة البليدة، وفي يوم 23 مارس 1955م تمكنت القوات الفرنسية من إلقاء القبض على رابح بيطاط، وحكمت عليه محكمة فرنسية يوم 16 أفريل 1955م بالأشغال الشاقة، وفي شهر ماي من عام 1961م تم نقله إلى السجن الذي يتواجد فيه الزعماء الخمسة في فرنسا، وبقي هناك مسجوناً حتى 20 مارس 1962م حيث تم إطلاق سراحه.
أما نائبه سويداني بوجمعة الذي كان مسؤولاً عن الشريعة، فقد استشهد يوم 16 أفريل 1956م في معركة مع رجال الدرك الفرنسيين.
هـ المنطقة الخامسة:
وفيما يختص المنطقة الخامسة «ناحية الغرب الجزائري» التي أسندت رئاستها إلى العربي بن مهيدي ونائبه عبد الحفيظ بوصوف، فقد كانت فيها العمليات العسكرية صعبة في البداية، وذلك بسبب قلة السلاح والمؤونة، إلا أن بن مهيدي تمكن من تنظيم عملية تهريب السلاح من المغرب وإسبانيا وتسريبه إلى ناحية الغرب الجزائري، وبذلك استطاعت الثورة أن تعم أنحاء الجزائر كلها، ولم تبق منحصرة في الأوراس أو جرجرة.
وبعد إلقاء القبض على رابح بيطاط في بداية 1955م ووجود فراغ في قيادة العاصمة، جاء العربي بن مهيدي إليها ليساهم في تنظيمها والعمل على نجاح العمل الفدائي فيها، وفي مؤتمر الصومام في أوت 1956م، ترأس جلساته وأشرف على تنظيم المجلس الوطني للثورة الجزائرية، وساهم في تكوين لجنة التنسيق والتنفيذ التي كان عضواً بها. وقد كان العربي بن مهيدي هو المسؤول عن العمل الفدائي بلجنة التنسيق والتنفيذ، إلا أن قوات الجنرال «ماسو» قد تمكنت من إلقاء القبض عليه صدفة يوم 25 فيفري 1957م في الجزائر العاصمة، وذلك عندما كانت تبحث عن بن خدة، وقد قدم للمحاكمة وحكمت عليه محكمة فرنسية بالإعدام الذي نفذ فيه يوم 4 مارس 1957م.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: