(تأسيس اللجنة السادسية وأهدافها)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 252
بقلم: د.علي محمد الصلابي
رجب 1443ه/ فبراير 2022م
شارك كريم بلقاسم في اجتماع قادة مجموعة 22 برفقة عمر أوعمران، واستمع إلى تدخلات مسؤولي النواحي، وخرج بفكرة طيبة عن مجهودات الثوريين لبدء العمل المسلح، واقتناع بجدية الجماعة التي تحاول إقناع كريم بلقاسم ورفيقه عمر أوعمران بتضخيم الإمكانيات حيث لا ينفع التضخيم؟
وفي نفس الوقت استطاع كريم بلقاسم أن يلتقي ويتباحث مع مولاي مرباح، الرجل الثاني في حركة مصالي، لكن مولاي مرباح عامله بخشونة وجفاء وسأله بلهجة حادة: ما مصير النظام في منطقة جرجرة؟ وماذا كنتم تفعلون منذ 6 شهور؟ ولماذا هذا التقارب مع عناصر ندد بها رئيس الحزب؟ ثم طلب منه بلهجة امرة:
ينبغي أن تترك هذه الجماعة.
وأكد محمد بوضياف أنه كان يدرك أهمية انضمام منطقة القبائل إلى مجموعة 22، ولذلك قررت اللجنة الخماسية المنبثقة عن مجموعة 22 تحرير استبيان وتقديمه إلى كريم بلقاسم، لكي يعرضه على المصاليين والمركزيين في ان واحد. وخلاصة هذا الاستبيان الاتي:
ـ هل أنتم مع الثورة؟ وإلا لماذا؟
ـ ما هو نوع المساعدة التي يمكن أن تقدموها للثورة في حالة اندلاعها؟
ـ كيف يكون موقفكم إذا اندلعت الثورة من خارج صفوفكم؟
وكان رد المصاليين هو رفض المبادرة، ووصف أصحابها بالديماغوجية والعمل الانقسامي. وأما المركزيون فكان جوابهم: نعم للثورة ولكن ليس في الحين. وانذاك اقتنع كريم بلقاسم بصواب رأي الثوريين، وتخلى عن تحفظاته إزاءهم، وقبل الانضمام إلى اللجنة الخماسية المنبثقة في مجموعة 22، وسمح له بإطلاع نائبه أوعمران على كل القرارات التي تتخذها قيادة الثوريين.
وأما المجموعة الثالثة التي لم تشارك أيضاً في اجتماع 22 وكانت مؤيدة للعمل المسلح ؛ فهي مجموعة الوفد الخارجي للحزب التي استقرت بالقاهرة. ويتكون الوفد الخارجي من محمد خيضر وأحمد بن بلة وايت أحمد، وإذا كان بن بلة هو المسؤول عن شراء السلاح وتزويد الثورة بما تحتاجه من مؤونة وذخيرة، فإن محمد خيضر كان هو المسؤول السياسي ويساعده ايت أحمد، وباختصار فقد عقد القادة الستة سلسلة من الاجتماعات ابتداء من شهر سبتمبر 1954م، وقاموا بمناقشة الترتيبات الأساسية لإعلان الثورة، وفي النهاية اتفق القادة الستة على ما يلي:
ـ تسمية المنظمة السياسية «جبهة التحرير الوطني الجزائري».
ـ تسمية المنظمة العسكرية بـ «جيش التحرير الوطني الجزائري».
ـ اللامركزية في العمل، نظراً لاتساع الجزائر وصعوبة قيام جهاز مركزي بتسيير الثورة تسييراً فعالاً، وخاصة في وقت صعبت فيه الاتصالات.
ـ ترك حرية العمل في البداية لكل منطقة حتى يحين موعد عقد مؤتمر وطني في المستقبل.
ـ نظراً لفشل الأحزاب في توحيدهم، واستحالة الاتفاق على من يقود حركة التحرير ؛ فقد تقرر خلق جبهة جديدة ينضم إليها الأشخاص بصفة فردية إذا كانوا متفقين مع أهدافها وتوجيهاتها.
ـ اعتبار يوم 15 أكتوبر هو انطلاق عملية تحرير الجزائر، إلا أن هذا اليوم تغير إلى أول نوفمبر 1954م بعد أن تسرب وقت إعلان الثورة.
ـ إعطاء الأولوية للداخل، لأن الوفد الخارجي يقتصر دوره على شراء السلاح والذخيرة والقيام بالدعاية، والقرارات تنبع من القادة المحاربين داخل الجزائر.
ـ توزيع المسؤوليات في داخل الجزائر كالتالي:
المنطقة الأولى: بقيادة مصطفى بن بولعيد ونائبه بشير شيهاني.
المنطقة الثانية: بقيادة مراد ديدوش ونائبه يوسف زيغود.
المنطقة الثالثة: بقيادة كريم بلقاسم ونائبه عمر أوعمران.
المنطقة الرابعة: بقيادة رابح بيطاط ونائبه بوجمعة سويداني.
المنطقة الخامسة: بقيادة العربي بن مهيدي ونائبه عبد الحفيظ بوصوف.
المنطقة السادسة: تعين قيادتها فيما بعد.
وأما فيما يتعلق برئيس اللجنة الذي هو محمد بوضياف، فقد تقرر أن يلتحق بالقاهرة ويتصل بالوفد الخارجي، حيث يزوده بالوثائق اللازمة لإعلان الثورة وإذاعة بيان أول نوفمبر على أمواج «صوت العرب» من القاهرة، غير أن إجراءات الحصول على التأشيرة من سفارة مصر بسويسرا جعلته يتأخر ولا يصل إلى القاهرة إلا يوم 2 نوفمبر 1954م. ومع ذلك فقد تمكن من إرسال بيان أول نوفمبر بالبريد السريع إلى القاهرة، وأذيع في الوقت المحدد له، ولكي لا تتسرب المعلومات عن بيان أول نوفمبر 1954م، قرر قادة الولاية الثالثة فرض رقابة على الصحفي محمد العيشاوي، الذي تولى طباعة وسحب بيان أول نوفمبر بعد أن قام بتحريره محمد بوضياف ومراد ديدوش.
وفي يوم 10 أكتوبر، ويوم 24 أكتوبر 1954م عقد أعضاء اللجنة الستة الاجتماعين الأخيرين قبل قيام الثورة، وفيهما تقرر تسمية المنظمة الثورية الجديدة جبهة التحرير الوطني الجزائري، وفتح باب العضوية فيها لكل من يرغب في المساهمة في تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي. أي أن الانضمام يكون فردياً وليس حزبياً، كما تمت الموافقة في هذين الاجتماعين على جميع الترتيبات الخاصة بالشروع في العمل الثوري.
وبإيجاز، فإن اللجنة التي تضم 6 أعضاء قد قررت الشروع في العمل الثوري صبيحة يوم الأحد أول نوفمبر 1954م، ثم بعد ذلك يتم تنظيم الثورة وهياكلها وتكييف مؤسساتها. وحسب رأي لخضر بن طوبال، وهو من مجموعة 22 الذين ساهموا في الإعداد للثورة المسلحة، فإن الثوريين قد فكروا جيداً في مسألة التحضير الجيد للثورة وأخذ الوقت الكافي لذلك، بحيث يتم تجنب أي فشل محتمل لها. لكن في الأخير استقر الرأي على الشروع في العمل الثوري حالاً، ثم يأتي التنظيم فيما بعد، لأن انتهاء الحرب في الهند الصينية، وتفاوض فرنسا مع تونس والمغرب من جهة أخرى؛ قد ينتج عنهما تمركز القوات الفرنسية بالجزائر.
وعليه فإن قرار الثوريين كان هو «الكفاح المسلح في أسرع وقت بالوسائل المتوفرة»، ونفس الحقيقة أكدها محمد بوضياف عندما قال بأنه لم تكن لدينا صورة دقيقة عن كيفية العمل، لكن الشيء الواضح في أذهاننا هو الشروع في العمل حالاً من أجل نيل الاستقلال والإطاحة بالكيان الاستعماري.
ويبدو أن قيادة اللجنة الثورية لجبهة التحرير الوطني قد وضعت استراتيجية بسيطة في الاجتماع الأخير ببولوغين يوم 24 أكتوبر 1954م، وخلاصتها وضع الجميع أمام الأمر الواقع، أي الشروع في حرب التحرير، ومن لا يتقدم للمساهمة فيها يعتبر غير وطني، وتحقيقاً لهذا الهدف افترق القادة الستة في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر 1954م، والتحق كل واحد بالمنطقة التي يرأسها وتنطلق منها العمليات العسكرية في ليلة الأحد أي اليوم الأول من نوفمبر 1954م، على أن يلتقي الجميع في شهر جانفي 1955م في القاهرة لمراجعة استراتيجية العمل الثوري.
أما رئيس اللجنة الثورية لجبهة التحرير الوطني الجزائري السيد محمد بوضياف، فقد سافر إلى سويسرا يوم 27 أكتوبر 1954م حيث كان من المفروض أن ينقل بيان أول نوفمبر إلى الوفد الخارجي للجبهة بالقاهرة ويذيعه من هناك، وفي نفس الوقت كان عنده موعد بسويسرا مع أصدقائه من اللجنة المركزية للحزب، محمد يزيد وحسين لحول، ومع فيلالي مبارك وأحمد مزغنة من حزب مصالي الحاج، والمفروض أن يتوجه الجميع إلى القاهرة وتقع المصالحة النهائية بين الجميع، وعندما تندلع الثورة في أول نوفمبر 1954م سيجد هؤلاء أنفسهم أمام الأمر الواقع، وما عليهم إلا الاختيار بين الالتحاق بالثورة، أو بطلان ادعاءاتهم بأنهم يحبذون العمل من أجل استقلال الجزائر.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: