الخميس

1446-11-17

|

2025-5-15

(ردود أفعال أولية بعد اندلاع الثورة الجزائرية)

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):

الحلقة: 258

بقلم: د. علي محمد الصلابي

رجب 1443 ه/ فبراير 2022م

1 ـ رد فعل الحكومة الفرنسية:

غداة اندلاع الثورة صدر بيان من وزارة الداخلية الفرنسية يقول: وقعت عدة اعتداءات في هذه الليلة عبر نقاط كثيرة من التراب الجزائري، إنها صادرة من أشخاص أو مجموعة أشخاص منعزلة، ولقد اتخذت تدابير فورية من طرف الحاكم العام للجزائر، ووضعت وزارة الداخلية تحت تصرف هذا الأخير قوات إضافية من الشرطة، يسود الان هدوء كامل في مجموع الجزائر «يظهر من هذا البلاغ أن الحكومة الفرنسية لم تكن واعية بما كان يحضّر أو أنها تريد طمأنة النفوس».

ويوم 5 نوفمبر 1954م أعلن حلّ حزب الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية، وألقي القبض على عدد من مناضليها، وأرسلت قوات مدد إلى الجزائر.

ويوم 12 نوفمبر 1954م صرّح رئيس مجلس الوزراء «بيار مانداس فرانس»: سنعامل التمرد بدون هوادة. وأضاف وزير الداخلية «فرانسوا ميتران»: «الجزائر هي فرنسا».. هذه هي القاعدة لا لأن دستورنا يفرض ذلك، بل لأن ذلك يتماشى وإرادتنا.

في الوقت نفسه طلب رئيس مجلس الوزراء من الولايات المتحدة أن تمارس ضغوطاً على مصر حتى لا تساعد «المتمردين»، وطلب من إسبانيا مراقبة حركة الأسلحة في المنطقة، وتدخل لدى منظمة الحلف الأطلسي فحصل على رخصة استعمال الأسلحة المخصصة لها.

والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة حافظت على موقفها الرامي إلى اعتبار القضية الجزائرية مسألة داخلية لفرنسا، وذلك حتى انتخب جون كينيدي رئيساً لها في سنة 1960م.

وأما موقف الاتحاد السوفياتي فإنه عبّر عنه بيان مشترك صدر عند زيارة «غي مولي» لموسكو. في هذا البيان المنشور في جريدة « Le Monde » يوم 22 ماي 1956م، وضعت الحكومة السوفياتية ثقتها في فرنسا لحل مسألة الجزائر «على حسب أفكار الزمان العصري وفي صالح الشعوب».

واحتجت فرنسا رسمياً على إذاعة صوت العرب التي كانت تدعو للتضامن مع الشعب الجزائري.

إن الثورة الجزائرية تسببت في عدة أزمات داخل الحكومة الفرنسية، سقطت حكومة «مانداس فرانس» يوم 5 فبراير 1955م، فجاءت بعدها حكومة «أدقار فور» فعاشت أقل من سنة، لأن الاشتراكي «غي مولي» نجح في الانتخابات التشريعية التي جرت في يناير 1956م.

لقد قامت السلطات الفرنسية في الجزائر بحملة واسعة ضد كل الوطنيين الجزائريين، وألقت القبض على كل من تشم فيه رائحة الوطنية الجزائرية.

كانت السلطات الفرنسية لا تفرق بين جزائري شارك في الإعداد للثورة، وجزائري اخر لم يقم بعمل وطني ضدها، فالجميع يتعرضون للاضطهاد والعقاب.

وهذا العمل التعسفي من طرف الأوروبيين في الجزائر هو الذي وحد بين جميع الجزائريين ضد السلطات الفرنسية، والدليل على هذه الحقيقة هي أن بن خدّة «من حركة انتصار الحريات الديمقراطية» قد التحق بالثورة في شهر جوان من عام 1955م بعد سجنه، واقتناعه بأنه لا مفر من الانضمام إلى جبهة التحرير الوطني والمشاركة في التنظيم السياسي للجبهة، الذي كان يشرف عليه عبان رمضان بالجزائر العاصمة، ونفس الشيء حصل بالنسبة لجمعية العلماء، والاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، حيث انضم الجميع إلى جبهة التحرير، وتعاون قادة هذه الحركات الوطنية مع جبهة التحرير ضد السلطات الفرنسية في الجزائر، وكما هو معلوم فإن «اليد الحمراء» الفرنسية قامت باغتيال نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ العربي التبسي في سنة 1957م، وأما عباس فرحات فقد تمكن من الهروب إلى القاهرة والانضمام إلى جبهة التحرير في أفريل 1956م.

2 ـ رد فعل فرنسيي الجزائر:

تيقن فرنسيو الجزائر بأن وقت الحقيقة قد حان، فأحسوا بأنه يجب خنق الثورة وإطفاؤها، وذلك بتجنيدهم وحملهم السلاح، ولقد سارع المعمرون إلى وهب مزارعهم لتُحوّل إلى مراكز للدفاع الذاتي وللتعذيب. من جهة أخرى قرروا أن يمارسوا ضغوطاً على الحكومة الفرنسية لكي لا تتنازل عن امتيازاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأما جرائد فرنسيي الجزائر فنادت بإلحاح لإبادة المتمردين بكل الوسائل.

3 ـ ردّ فعل الجامعة العربية في البداية:

أعلن الأمين العام المساعد في الجامعة العربية أحمد الشقيري بوضوح في نوفمبر 1954م أن الجامعة العربية تؤيد حركة التحرير بالجزائر، وتعتبر قضية الجزائر قضية دولية «لا قضية داخلية لفرنسا»، كما تعتبر أن للجزائر حقاً لتحكم نفسها بنفسها.

4 ـ اثار الثورة الجزائرية في مسار الأحداث في شمال إفريقيا:

بفضل الله ثم الثورة الجزائرية، استرجعت ليبيا ناحية فزّان بسرعة، فعجلت فرنسا بمنح الاستقلال الذاتي للمغرب وتونس ثم الاستقلال لتتفرغ لحرب الجزائر، وقد كانت الثورة الجزائرية معتمدة على استمرار الكفاح المشترك لإرغام فرنسا على التنازل بسرعة وبأقل ثمن.

فقدت الثورة الجزائرية إذاً أمل توسيع رقعة الكفاح، إلا أنها استفادت من استقلال تونس والمغرب، لأن هذين البلدين الشقيقين فتحا لها المجال لتمركز قيادة جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير كما سنرى فيما بعد.

والجدير بالذكر أن اتفاقيات الاستقلال الذاتي لتونس أمضيت يوم 3 جوان 1955م، وأن اتفاقيات الاستقلال التام في العشرين من مارس 1956م.

وأما المغرب فقد عاش غلياناً بعد عزل محمد الخامس من طرف فرنسا في العشرين من أوت 1953م ونفيه إلى مدغشقر، فبعد ضغط الشعب المغربي وانتفاضته أعادت فرنسا الملك إلى عرشه 16 نوفمبر 1955م، وفتحت مفاوضات مع حكومته أسفرت عن استقلال المغرب 2 مارس 1956م.

5 ـ رد فعل الأحزاب الجزائرية:

كوّن أنصار مصالي الحاج أفواجاً خاصة تدّعي أن المصاليين هم الذين يقومون بالثورة، وبعد وقت من الالتباس التحق البعض منهم بجبهة التحرير الوطني، وبقي البعض منهم يحاربون جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني.

ـ وأما حزب فرحات عباس «الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري»، فقد حلّ نفسه يوم 22 أفريل 1956م، فالتحق فرحات عباس بالوفد الخارجي للثورة، والتحق أنصاره كذلك بصفوفها.

ـ أبدى الحزب الشيوعي حذراً في بداية الثورة، فأعلن معارضته للعنف وتأييده لحل ديمقراطي يضمن تعايش المجموعات السكانية المختلفة، وفسر العنف الثوري بوجود استغلال استعماري وتمييز عنصري. إن جريدة النقابة الشيوعية إشارت في عددها المؤرخ في 23 نوفمبر 1954م إلى أن الشعب الجزائري في حاجة إلى العمل والخبز، لا إلى قنابل ورشاشات، في الوقت نفسه رفض الحزب الشيوعي الجزائري أن يتبنى موقف المكتب السياسي الفرنسي، الذي صرّح بأنه لا يقبل اللجوء إلى أعمال فردية، من شأنها أن تصبّ في لعب الاستعماريين، وربما تكون هذه الأعمال مدبرة من طرف هؤلاء الاستعماريين في الجزائر. والتحق كثير من الشيوعيين فردياً بالكفاح السياسي والكفاح المسلح.

أما في فرنسا فقد صدرت مساعدة الثورة من مناضلين شيوعيين فردياً بدون موافقة حزبهم.

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي

الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى

alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF

الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf

الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf

كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022