(العوامل التي ساعدت على توحّد الشعب الجزائري في الثورة)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 257
بقلم: د. علي محمد الصلابي
لقد توحد الجزائريون بالرغم من اختلاف أحزابهم، وقاموا بتأييد الثورة منذ البداية، وضحوا بكل ما يملكون من أجل نجاح ثورتهم التحريرية، بسبب الشعور بالظلم والحرمان، وتطبيق القوانين الجائرة على الجزائريين، وهي العوامل الرئيسية التي دفعت بأبناء الجزائر أن يلتحقوا بالجبال، أو ينخرطوا بخلايا جبهة التحرير في المدن، والمساهمة في تحرير وطنهم من الأوروبيين الغاصبين لخيرات الجزائر.
وفي الحقيقة كان هناك من يطالب بتأجيل عملية القيام بعمل مسلح إلى أن يتم تدريب الرجال وشراء السلاح وتوحيد العمل السياسي، لكن الرأي الذي اتفق عليه قادة الحركة الوطنية هو الشروع في الثورة حالاً، والسلاح يمكن اقتناؤه، والأحزاب تتوحد في جبهة واحدة عندما تجد نفسها أمام الأمر الواقع، والشعب سيساند الثورة لأن جميع أبنائه يشعرون بالظلم والحرمان، وهم على استعداد للانضمام لأية حركة سياسية تقوم بالثورة ضد الأجانب في بلدهم، وقد كانت هناك عدة عوامل ساعدت على توحيد الجزائريين وتحمّسهم للعمل الثوري، ومن هذه العوامل نخص بالذكر النقاط التالية، التي نعتبرها حيوية لمساندة الثورة، وحصول الجزائر على استقلالها في سنة 1962م:
1 ـ النقطة الأولى: انعدام المساواة بين الجزائريين والأوروبيين، حيث نجد في فرنسا كل السكان يصوتون على اختيار ممثليهم في البرلمان الفرنسي، بينما نجد في الجزائر أن أبناء البلد الأصليين لا يحق لهم التصويت على أي مرشح للبرلمان الفرنسي أو المجلس الجزائري، الذي تم إنشاؤه بمقتضى قانون 20 سبتمبر 1947م، فالأوروبيون في الجزائر الذين لم يكن يتجاوز عددهم في أول نوفمبر 1954م حوالي 000،042،1 نسمة، كان يحق لهم في القانون الفرنسي انتخاب 60 نائباً في المجلس الجزائري، و15 نائباً في البرلمان الفرنسي، و6 نواب في مجلس الشيوخ الفرنسي حسب قانون 5 أكتوبر 1946م، بينما كان لا يحق لحوالي 8000،745، جزائري أن يساهموا في انتخابهم أو اختيار عدد النواب الذين يمثلونهم في هذه المجالس حسب عددهم السكاني.
فالمسلمون في القانون الفرنسي لا يتمتعون بالجنسية الفرنسية، وبالتالي هم محرومون من الحصول على عدد من النواب يتماشى مع عددهم الحقيقي، وبعبارة أخرى: إن عدد المسلمين يزيد ثماني مرات عن عدد الأوروبيين في الجزائر، لكن المساواة منعدمة بينهم وبين الأوروبيين في التمثيل السياسي، وإذا كان القانون الفرنسي قد منحهم الحق لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية أن يختاروا 60 نائباً لتمثيلهم في المجلس الجزائري، و15 نائباً في البرلمان الفرنسي، و6 نواب في مجلس الشيوخ ؛ فإن الإدارة الفرنسية في الجزائر قد التجأت إلى تزوير الانتخابات وتعيين عملائها في المجالس المنتخبة من طرف المسلمين، ولهذا توحّد أبناء الشعب وقادة الأحزاب ضد فرنسا، لأنهم فقدوا الأمل في الحصول على التمثيل السياسي في المجالس المنتخبة، وعدم وجود مساواة بينهم وبين الأوروبيين.
2 ـ النقطة الثانية: هي انعدام الديمقراطية، واستعمال «الفيتو» أو حق الاعتراض على أي قرار يتخذه المجلس الجزائري. وحسب قانون 20 سبتمبر 1947م، فالمجلس يتكون نصفه من الأوروبيين والنصف الاخر من الجزائريين، والقرارات في هذا المجلس تتخذ بالأغلبية، لكن المادة 39 من القانون تعطي الحق للحاكم العام في الجزائر أو اللجنة المالية بالمجلس أو رُبع أعضاء المجلس ؛ أن يعترضوا على قرارات المجلس لمدة 24 ساعة، وانذاك لا تتخذ القرارات إلا بأغلبية الثلثين من أعضاء المجلس، وهذا معناه عرقلة المجلس ومنعه من اتخاذ قرارات لتطبيق النصوص الواردة في القانون، وهذا ما حصل بالفعل، حيث أن القانون كان ينص على اعتبار الأعياد الإسلامية، عيد الفطر، عيد الأضحى، عاشوراء، المولد النبوي الشريف، كلها أعياد إسلامية، لكن نظراً لاعتراض الأوروبيين على ذلك ورفضهم لتطبيق النصوص القانونية ؛ رفضت الإدارة الفرنسية في الجزائر أن تعترف بهذه الأعياد الإسلامية.
ونفس الموقف اتخذته الإدارة الفرنسية ضد اللغة العربية التي كان من المفروض أن تستعمل كلغة رسمية، مثل الفرنسية، في التدريس والإعلام ونشر الكتب. ومعنى هذا أن المجلس الجزائري وضع بقصد حماية مصالح الأوروبيين فقط، مادام عندهم حق الاعتراض والمطالبة باتخاذ القرارات بأغلبية الثلثين.
3 ـ النقطة الثالثة: هي الزيادة الهائلة في السكان الجزائريين والنتائج المترتبة على ذلك، سواء من ناحية صعوبة العثور على عمل، أو من ناحية الحصول على تعليم، فالإحصائيات الرسمية تشير إلى أن عدد السكان المسلمين في الجزائر قد زاد بما لا يقل عن مليون نسمة في الفترة الممتدة من 1948م إلى غاية 1954م.
ونتيجة لهذه الزيادة الهائلة في السكان كثرت البطالة، وتجاوز عدد العاطلين عن الشغل 1.000،000، عامل في سنة 1954م، واضطر 300.000، عامل جزائري إلى الهجرة إلى فرنسا، والبحث هناك عن عمل وتوفير العيش لحوالي 1.000،500، نسمة في الجزائر. وباختصار فإن الفقر انتشر في الجزائر بشكل لا مثيل له، ولذلك شعر الناس بالظلم والتحقوا بالثورة وأيدوها بدون تردد في بداية 1954م.
4 ـ النقطة الرابعة: هي أن الأوروبيين في الجزائر قد استولوا على نسبة كبيرة من الأراضي الخصبة في الجزائر، واستأثروا بخيرات الوطن وذلك على حساب أبناء البلد الأصليين، فالإحصائيات تشير إلى أن 72% من الجزائريين كانوا يعيشون على الفلاحة مقابل 16% من الأوروبيين، لكن نسبة ملكية الأرض الصالحة للزراعة هي 109 هكتارات للأوروبي و14 هكتار فقط للجزائري. كما يلاحظ أن الجزائريين كانوا يعانون من الفقر والمجاعة في سنة 1954م، حيث أن المدخول المالي للفلاح الجزائري لم يكن يتجاوز 20.000، فرنك فرنسي قديم، أي أن الفلاح الجزائري كان يحصل على أقل مدخول مالي في العالم بعد الفلاح الهندي الذي كان يقل عنه بعض الشيء.
فقد كان 7 ملايين فلاح جزائري يشعرون بالظلم والفقر والبطالة، وكانوا على استعداد تام لتدعيم الثورة والانضمام إليها لاستعادة حقوقهم المهضومة.
5 ـ النقطة الخامسة: التي تؤخذ بعين الاعتبار، هي قضية القروض والدعم المالي للزراعة والصناعة، فالإحصائيات تشير إلى أن الأوروبيين كانوا يسيطرون على المؤسسات التي تقدم دعماً للزراعة، ففي سنة 1952م كان هناك 082،14 مزارع أوروبي تلقّوا قروضاً مالية لا تقل عن 300،12 مليون فرنك قديم، في حين تلقّى 401،8 مزارع جزائري قروضاً لا تتجاوز 600،2 مليون فرنك قديم، وبالنسبة للقروض التي تعطى لتدعيم الصناعات الخفيفة، فإن إحصائيات 1954م تؤكد حقيقة مذهلة، وهي أن 92% من القروض ذهبت إلى 000، 65مؤسسة صناعية أوروبية، حيث تلقت 375 مليار فرنك قديم، بينما تلقت 100.000 مؤسسة جزائرية 33 مليار فرنك قديم فقط.
ونستخلص من هذه الفروق الكبيرة في القروض، أن الجزائريين كانوا لا يحصلون إلا على مساعدة مالية ضئيلة في ميدان القروض لا تتجاوز 8%، وهذا ما جعلهم يشعرون بالظلم ويؤيدون الثورة بدون تحفظ.
6 ـ النقطة السادسة: التي يتعين علينا أن نشير إليها ؛ هي أن الموظفين الجزائريين بصفة عامة كان عددهم ضئيلاً، وذلك بسبب عدم حصول أبناء الشعب الجزائري على مستوى رفيع من التعليم، ولهذا لم يكن بإمكانهم منافسة أي أوروبي. ففي بداية الثورة المسلحة عام 1954م لم يكن يتجاوز عدد الجزائريين الذين يحصلون على راتب شهري أكثر من 375.000، عامل، في حين كان عدد الأوروبيين الذين كانوا يحصلون على راتب شهري بانتظام حوالي 250.000، عامل.
وأما الجزائريون الموظفون في الحكومة العامة فلم يكن عددهم يتجاوز 8 أشخاص من جملة 2.000، موظف،وبدون شك فإن هذه الحقائق تؤكد حرمان الجزائريين من الحصول على وظائف في الدولة، وهذا ما شجع كل متعلم لم يحصل على وظيفة أن يؤيد الثورة عند اندلاعها بدون تردد.
7 ـ النقطة السابعة: هي حرمان الجزائريين من التعليم، لأن الفرنسيين كانوا يعتقدون أن التعلم يخلق الوعي واليقظة ومقاومة الاحتلال والمطالبة بالحقوق السياسية، ولهذا كان الأوروبيون يتذرعون بحجة أن الفلوس غير موجودة لتلبية حاجيات الجزائريين، لكنها كانت موجودة لتنفق على كبار الأثرياء والمساهمين في البورصة والأملاك العقارية.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: