(من وسائل الفرنسيين للقضاء على الثورة الجزائرية)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 286
بقلم: د.علي محمد الصلابي
شوال 1443 ه/ مايو 2022م
استخدمت فرنسا كافة الوسائل البشعة للتصدي للثورة، وصنعت جيوب وقادة تابعين لها من الخونة ودعمتهم بالمال والسلاح، وساهمت في سفك الدماء بين أبناء الشعب، ولكن حركات الخيانة باءت بالفشل بتوفيق من الله ثم صمود وثبات ووحدة جبهة التحرير، من هذه الوسائل:
1مشروع قسنطينة الاقتصادي وأهدافه:
تم إعداد هذا المشروع بعد الإتيان بالجنرال ديغول إلى الحكم، وأعلنه هو بنفسه بمدينة قسنطينة يوم 13 أكتوبر 1958م، قبل يومين من الشروع في شن عملية شهر الضباب، على اعتبار أن أسباب الثورة اقتصادية واجتماعية وليست سياسية، ولا صلة لها بفكرة الاستقلال والحرية وطرد الاستعمار الأجنبي.
وقد استهدف ديغول بهذا المشروع أن يكسب الرأي العالمي ويجلبه إليه، ويوهمه بأن فرنسا تعمل جاهدة على تحسين أوضاع الجزائريين، وتنمية الجزائر عن طريق إنجاز هذا المشروع الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، وأهم ما في هذا المشروع:
ـ إقامة أحياء سكينة بصورة استعجالية دون مراعاة لشرط الحياة العامة فيها، وذلك بقصد تسهيل السيطرة على الجزائريين وتشديد الرقابة عليهم، وقد انجر على إقامة هذه الأحياء أمراض اجتماعية خطيرة.
ـ منح بعض الوظائف للجزائريين للتخفيف من حالة البطالة في أوساطهم ظاهرياً، وكسبهم إلى جانب السلطات الاستعمارية ضد الثورة، وترقية بعض العملاء إلى الوظائف الإدارية السامية، ومنحهم امتيازات مادية معتبرة، فأسندت إليهم مسؤوليات معتبرة في الإدارة، وعينت بعضهم ولاة ورؤساء دوائر وموظفين سامين.
ـ محاولة خلق جو نفسي اجتماعي يلهي الشعب عن الثورة، وذلك بتكوين فرق رياضية وتنظيم ألعاب مسلية، وتشجيع الحفلات والسهرات الفنية والمادب في ضيعات المعمرين واستغلالها لمناهضة الثورة.
ـ إدخال عناصر جزائرية في مجلس الشيوخ الفرنسي، وتعيين ضباط جزائريين سامين في الجيش الفرنسي، ومنح رخص ومحلات تجارية لبعض الجزائريين.
ـ استغلال موارد البلاد ووضعها تحت تصرف الشركات الرأسمالية الأجنبية لاستغلالها، وتنشيط عمليات التنقيب عن البترول في الصحراء الجزائرية لدعم الاقتصادي الفرنسي المتضرر من الثورة الجزائرية. وفي هذا الإطار تم تجنيد أكثر من نصف مليون جندي لحماية المصالح الحيوية الفرنسية في الجزائر ذات المجالات الاستراتيجية وذلك ابتداءً من نوفمبر 1959م.
ـ 50 ألف جندي لحماية ومراقبة الخطوط الشائكة المكهربة شرقاً وغرباً على الحدود الجزائرية.
ـ 30 ألف جندي لحماية ومراقبة الجسور والمعامل والمصالح الاقتصادية للكولون المعمرين.
ـ 200 ألف جندي لحماية ومراقبة أنبوب بترول حاسي مسعود بجاية، بينهم 35 ألف للخط الممتد بين بني منصور وبجاية.
ـ إنشاء بعض المرافق الصحية كمستشفى رجاونة بتيزي أوزو، الذي لم يستفد منه سوى المعمرين وأذنابهم.
ـ شق شبكة من الطرق لتنشيط الاقتصاد الفرنسي وخدمة الأهداف العسكرية الاستعمارية والوصول إلى القرى الريفية المعزولة.
ـ فتح مجال محدود لتعليم اللغة الفرنسية لبعض الشبان الجزائريين، من أجل استمالتهم وجعلهم أدوات لخدمة مصالح الاستعمار عن طريق النوادي والمنتديات واللقاءات المختلفة.
ـ إنشاء بعض مراكز التكوين المهني لإعداد أيدي عاملة مختصة تستغل في تطوير الاقتصاد الفرنسي وترقيته.
ـ تقديم بعض المؤون والمنح الشكلية للشيوخ العجزة والمكفوفين المحتاجين تحت غطاء المساعدات الإنسانية.(1)
2 ـ عملية برومير أو أشهر الضباب:
شن الجيش الفرنسي هذه العملية العسكرية الضخمة يوم 15 أكتوبر 1958م بقيادة الجنرال فور، على رأس خمسة وثلاثين ألف جندي ومئات العربات العسكرية والطائرات المقنبلة والحوامات، وذلك بعد يومين من إعلان مشروع قسنطينة الاقتصادي، مما يدل على أنه للتعمية فقط، وليس لمعالجة وإصلاح أوضاع الجزائريين الاقتصادية والاجتماعية. وقد دامت هذه العملية إلى يوم 27 من نفس الشهر، واستهدفت القضاء على مراكز قيادة الولاية الثالثة بجبل أكفادوا الحصين والكثيف الغابات، ولم يزد عدد المجاهدين الذين واجهوها على 500،1 مجاهد، إلا أن الله عز وجل نصرهم على هذه القوات الاستعمارية التي انسجت تجر أذيال الخيبة والهزيمة، لأن جيش التحرير تدرب على تفويته الفرص عليها.
وعلى إثر ذلك عقدت قيادة الولاية اجتماعاً عاماً في بونعمان يوم 11 نوفمبر 1958م برئاسة العقيد عميروش وتم فيه توزيع الأوسمة على المجاهدين، وأعطيت تعليمات لإعداد الملاجأئ والمخابأئ وتخزين المؤن والذخائر استعداداً للطوارأئ والظروف الصعبة المقبلة. وبعد ذلك أخذ القائد عميروش طريقه إلى تونس، مروراً بالولاية السادسة، حيث استشهد مع قائدها العقيد سي الحواس في جبل ثامر قرب بوسعادة يوم 29 مارس 1959م، فخلفه على رأس الولاية عبد الرحمن أوميرة بالنيابة إلى أن استشهد، فخلفه القائد محند أولحاج كعقيد بصفة رسمية، وكان العقيد عميروش قد استخلفه في غيابه بصفته رائداً للولاية.(2)
3 ـ برنامج شال العسكري الضخم:
بعد أن استلم الجنرال ديغول الحكم على إثر 13 ماي 1958م بالجزائر، أحدث تغييرات هامة في قيادات الجيش الفرنسي العامل بالجزائر، وبمقتضاها عين الجنرال شال قائداً عاماً للقوات العسكرية في الجزائر خلال شهر ديسمبر 1958م خلفاً للجنرال الار، فعمل على تطوير أساليب عمل القوات العسكرية المجندة المحاربة للثورة، ووضع مشروعاً عسكرياً ضخماً حمل اسمه وهو مشروع شال، وشرع في تنفيذه ابتداءً من يوم 24 فيفري 1959م، واستهدف من ورائه تحقيق المكاسب التالية:
1 ـ غلق الحدود الشرقية والغربية بالأسلاك الشائكة المكهربة والألغام والمناطق المحرمة والمراكز العسكرية المكثفة، لعزل الثورة تماماً عن العالم الخارجي.
2 ـ إبادة جنود جيش التحرير واحتلال المناطق التي يتمركزون فيها.
3 ـ إقامة إدارة أخرى مخلصة لفرنسا بدلاً عن خلايا جبهة التحرير الوطني.(3)
4 ـ القضاء على المقاومة السرية لجبهة وجيش التحرير الوطني في أوساط الشعب وذلك بالوسائل التالية:
ـ المحافظة على مراكز التربيع واستعمال وحدات عسكرية خفيفة سريعة الحركة والتنقل لملاحقة الثوار.
ـ مواصلة المراقبة الدائمة والحازمة لملاحقة الثوار خارج الحدود.
ـ تكثيف عمليات الاستطلاع بسلاح الطيران والرقابة الدائمة ليلاً ونهاراً.
ـ تجنيد المزيد من فرق القوم والحركة والدفاع الذاتي في العمليات العسكرية لأنهم أعرف من غيرهم بالمخابأئ ومراكز الثوار وأنصارهم.
ـ القيام بعمليات عسكرية ضخمة تشترك فيها القوات البرية والجوية والبحرية، وتتمركز مدة طويلة في منطقة واحدة حتى تطهرها من الثوار ثم تنتقل إلى غيرها لتقوم بنفس العملية ونفس الأسلوب.
ـ احتلال تلك المناطق والتمركز فيها حتى يتم التأكد من انتهاء نشاط الثوار بصفة نهائية، وإنشاء فرق للفدائيين تتخصص في محاربة الثوار وملاحقتهم في كل مكان.
ـ تمكين الجيش الفرنسي من أسلحة وأساليب عصرية حديثة ومتطورة، وتوفيرها له بسخاء حتى يقوم بمهامه العسكرية على أحسن حال.
ـ الزيادة في أعداد القوات الفرنسية بالجزائر لتصل إلى مليون شخص وأكثر من ذلك، وستصل إلى مليوني رجل مع نهاية الثورة.(4)
4 ـ مراحل المشروع:
وقد تم تنفيذ هذا المشروع العسكري الضخم حسب الكيفية والمراحل التالية:
ـ القيام بتطهير الهضاب العليا الغربية الوهرانية خلال شهر فيفري ومارس 1959م، وذلك في المنطقة المحصورة ما بين سعيدة جنوباً ومعسكر غرباً وفرندة وسعيدة شرقاً وحوض الشلف شمالاً.
ـ شن عملية الحزام على جبال الظهرة وزكار والونشريس والسرسو والتيطري والسفوح الغربية بهذه الجبال ما بين منتصف شهر أفريل ومنتصف شهر جوان 1959م.
ـ وخلال عملية الحزام هذه شنت القوات الفرنسية عمليتين مكملتين لها، واحدة على جبال عمور من أفلو شرقاً إلى جهات عين الصفرة، والثانية على جبال أولاد نايل وقسم من بلاد امزاب.
ـ شن عملية الشرارة على جبال الحضنة في بداية شهر جويلية 1959م، تمهيداً لعملية المجهر الضخمة والكبيرة والخطيرة في نفس الوقت.
ـ عملية المجهر على جبال جرجرة وحوض الصومام وجبال البيان، على شكل مثلث زاويته الجنوبية البويرة، وزاويته الشمالية الغربية دلس، وزاويته الشمالية الشرقية خليج بجاية، ودامت من 22 جويلية 1959م إلى مارس 1960م.
ـ شن عملية الأحجار الكريمة على الشمال القسنطيني كله من خليج بجاية غرباً إلى عنابة شرقاً على الساحل، ومن بوقاعة غرباً إلى ميلة على الداخل، ودامت من نوفمبر 1959م إلى ماي 1960م(5)
مراجع الحلقة السادسة والثمانون بعد المائتين:
)) يحيى بوعزيز الثورة في الولاية الثالثة التاريخية، ص 163 ـ 177.
2)) المصدر نفسه ص 179.
3)) المصدر نفسه ص 180.
4)) المصدر نفسه ص 180.
5)) المصدر نفسه ص 181.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: