الإثنين

1446-12-20

|

2025-6-16

(موقف أحمد بن بلة من مؤتمر الصومام)

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):

الحلقة: 284

بقلم: د.علي محمد الصلابي

شوال 1443 ه/ مايو 2022م

من الانتقادات التي وجهت للمؤتمر انذاك نذكر:

ـ أن المؤتمر لم يشر في قراراته لا للعروبة ولا للإسلام.

ـ أن المؤتمر كان منقوصاً من الولاية الأولى والخامسة والوفد الخارجي واتحادية فرنسا، ونرى من هنا كيف أن أحمد بن بلة كان يسعى بتصرفاته هذه إلى خلق فتنة داخل صفوف الثورة.

كان أحمد بن بلة متشبعاً بفكرة القيادة التي غرست في ذهنه بفعل احتكاكه بالمخابرات المصرية، وعلى رأسها فتحي الديب الذي حكم على مؤتمر الصومام بأنه أوقع الثورة الجزائرية في المحظور، وأنه لم يعقد سوى لتحقيق هدف واحد وهو: إزاحة أحمد بن بلة من طريق توليه لزعامة الثورة، وذلك بمحاولة إقناع قادة الكفاح المسلح بضرورة سيطرة قيادة الداخل على كل شؤون الكفاح داخلياً وخارجياً، واقتصار أحمد بن بلة على تمثيلهم بالخارج، وتنفيذ التوجيهات والتعليمات التي تصدرها قيادة الثورة بالداخل.

إن الموقف المعارض الذي وقفه أحمد بن بلة من قرارات مؤتمر الصومام نابع أساساً من كون هذا المؤتمر قد فصل نهائياً في مسألة الزعامة والصراع على السلطة، بعد اعتماده على مبدأ القيادة الجماعية الذي تم الاتفاق عليه منذ اندلاع الثورة، وهو ما يتناقض مع رغبة بن بلة الذي يسعى إلى تسيير الثورة من الخارج، والمعروف عنه أنه كان يحضر نفسه لهذا الدور على أساس أنه من القادة التاريخيين، وكان رئيساً للمنظمة السرية الخاصة، ويحظى بدعم مباشر من الحكومة المصرية ومخابراتها.(1)

وهذا ما نستنتجه بشكل واضح عندما طرح أحمد محساس على مصطفى بن عودة الذي ذهب إلى تونس ليشرح قرارات مؤتمر الصومام ـ والمعروف أن محساس محسوب على بن بلة ـ فكرة أهمية الزعامة وسعى إلى إقناعه بذلك وبأهمية دورها، إلا أن ابن عودة أجابه بأن الثورة لا رئيس لها وقيادتها جماعية. وكفانا ما عانينا من مصالي الذي جعلنا منه زعيماً فكان ما كان. (2)

اختطاف طائرة بن بلة ورفقائه:

ومن أقدار الله العجيبة أنه في الوقت الذي كان يسعى فيه الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة والملك المغربي محمد الخامس للقيام بوساطة بين الجزائر وفرنسا في إطار المغرب العربي، قامت السلطات الفرنسية باختطاف الطائرة المقلة لوفد جبهة التحرير الوطني الجزائري وذلك يوم 22 أكتوبر 1956م. وبهذه القرصنة الجوية وإلقاء القبض على أحمد بن بلة ومحمد خيضر وايت أحمد ؛ نجت الثورة الجزائرية من حدوث انقسام خطير في القيادة،ءْ والفصل في قضية الزعامة، هل تكون بالداخل أو الخارج؟ والسلطة هل تكون في يد العسكريين أو المدنيين؟ ومن يتحكم في المراكز الاستراتيجية للسلاح سواء بتونس أو المغرب؟

وكما قال أحمد توفيق المدني فإن سجن القادة في الخارج قد أزال عقبة كأداء في طريق وحدة القيادة، وانتهى أمر قيادة القاهرة وقيادة الداخل.(3)

وأكد أحمد توفيق المدني أن سجن الزعماء الخمسة قد ترتب عنه خلق اتحاد بين مختلف الجزائريين، بما في ذلك الذين لم يشتركوا في إشعال الثورة، وحسب نفس المصدر فإنه لو تم عقد مؤتمر تونس ونجح المشاركون فيه في المصادقة على قرار تحت تأثير الملك المغربي والرئيس التونسي ؛ لما كان ذلك القرار لفائدة الاستقلال التام حتماً، ففرنسا يومئذ لم تكن مستعدة لذلك، ولوقع من جراء ذلك خلاف مرير في القيادة كان يضر حتماً بمصلحة الثورة.(4)

وقال: الذي أعتقده هو أنه لو بقي ابن بلة وخيضر على رأس الوفد لما وافقا إطلاقاً على مقررات مؤتمر الصومام أو على جل تلك المقررات، ولوقع من أجل ذلك خلاف مرير كان يردينا ويحطم جهودنا،(5) ولم يتطرق أحمد توفيق المدني إلى ايت أحمد لأن هذا الأخير كان يؤيد عبان رمضان وقرارات مؤتمر الصومام.(6)

وهكذا أصبح عبان رمضان هو الرجل القوي في الثورة الجزائرية، الذي غير الرجال والمسؤولين، وأقام المؤسسات السياسية والإدارية للدولة الجزائرية، وأسس القيادة الجماعية، وأعطى الأولوية لرجال السياسة على العسكريين، واتخاذ القرارات من طرف رجال الجبهة في داخل الجزائر، لكن تهب الرياح بما لا تشتهي السفن، فاستشهاد العربي بن مهيدي، وزيغود يوسف، وخروج كريم بلقاسم من الجزائر في شهر جوان 1957م والتحاقه بالقاهرة، وإدخال تعديلات على تشكيل لجنة التنسيق والتنفيذ ؛ قد غيرت مجرى الأمور واضمحل نفوذ عبان رمضان، وبرزت القوة العسكرية المتمثلة في كريم بلقاسم قائد الولاية الثالثة، ولخضر بن طوبال قائد الولاية الثانية، وعبد الحفيظ بوصوف قائد الولاية الخامسة، ومحمد الشريف قائد الولاية الأولى، الذين تمكنوا من أخذ السلطة من يد عبان رمضان وعزله، ثم التخلص منه في ظروف غامضة يوم 27 ديسمبر 1957م، بعد أن تمرد عليهم ورفض الخضوع لتوجيهاتهم ومخططاتهم، وهددهم بالعودة إلى داخل الجزائر.(7)

مراجع الحلقة الرابعة والثمانون بعد المائتين:

)) إبراهيم لوينسي، الصراع السياسي داخل جبهة التحرير، ص 60.

2)) المصدر نفسه ص 60.

3)) أحمد توفيق المدني، حياة كفاح (3/394).

4)) حياة كفاح (3/394).

5)) المصدر نفسه (3/394).

6)) عمار أبو حوش، التاريخ السياسي للجزائر ص 402.

7)) التاريخ السياسي للجزائر ص 403.

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي

الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى

alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF

الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf

الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf

كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022