الأحد

1446-12-19

|

2025-6-15

(موالاة المستعمر خروج عن الإسلام)

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):

الحلقة: 309

بقلم: د.علي محمد الصلابي

ذو الحجة 1443 ه/ يوليو 2022م

قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في كلمة أُلقيت بإذاعة صوت العرب بالقاهرة عام 1955م جاء فيها:.. إن الإسلام والاستعمار ضدان لا يلتقيان في مبدأ ولا في غاية، فالإسلام دين الحرية والتحرير، والاستعمار دين العبودية والاستعباد.

ـ والإسلام شرع الرحمة والرفق وأمر بالعدل والإحسان.

ـ والاستعمار قوامه على الشدة والقسوة والطغيان.

ـ والإسلام يدعو إلى السلام والاستقرار.

ـ والاستعمار يدعو إلى الحرب والتقتيل والتدمير، والاضطراب.

ـ والإسلام يثبت الأديان السماوية ويحميها، ويقر ما فيها من خير ويحترم أنبياءها وكتبها، بل يجعل الإيمان بتلك الكتب وأولئك الرسل قاعدة من قواعده وأصلاً من أصوله.

والاستعمار يكفر بكل ذلك، ويعمل على هدمه، خصوصاً الإسلام ونبيه وقرانه ومعتنقيه.

نستنتج من ذلك أن الاستعمار عدو لدود للإسلام وأهله، فوجب في حكم الإسلام اعتبار الاستعمار أعدى أعدائه، ووجب على المسلمين أن يطبقوا هذا الحكم الإسلامي وهو معاداة الاستعمار لا موالاته.

الاستعمار الغربي ـ وكل استعمار في الوجود غربي ـ يزيد على مقاصده الجوهرية وهي الاستئثار والاستعلاء والاستغلال، مقصداً اخر أصلاً وهو محو الإسلام من الكرة الأرضية خوفاً من قوته الكامنة، وخشية منه أن يعيد سيرته الأولى كرة أخرى.

وجميع أعمال الاستعمار ترمي إلى تحقيق هذا المقصد، فاحتضانه للحركات التبشيرية وحمايته لها وسيلة من وسائل حربه للإسلام.

وتشجيعه للضالين المضلين من المسلمين غايته تجريد الإسلام من روحانيته وسلطانه على النفوس ثم محوه بالتدريج، ونشره للإلحاد بين المسلمين وسيلة من وسائل محو الإسلام، وحمايته للافات الاجتماعية التي يحرمها الإسلام ويحاربها ـ كالخمر والبغاء والقمارـ ترمي إلى تلك الغاية، ففي الجزائر ـ مثلاً ـ يبيح الاستعمار الفرنسي فتح المقامر لتبديد أموال المسلمين، وفتح المخامر لإفساد عقولهم وأبدانهم، وفتح المواخير لإفساد مجتمعهم. ولا يبيح فتح مدرسة عربية تحيي لغتهم، أو فتح مدرسة دينية تحفظ عليهم دينهم.

ويأتي في اخر قائمة الأسلحة التي يستعملها الاستعمار الغربي لحرب الإسلام اتفاقه بالإجماع على خلق دولة إسرائيلية في صميم الوطن العربي وانتزاعه قطعة مقدسة من وطن الإسلام وإعطائها لليهود الذين يدينون بكذب المسيح وصلبه، وبالطعن في أمه الطاهرة.

فالواجب على المسلمين أن يفهموا هذا، وأن يعلموا أن من كان عدواً لهم فأقل درجات الإنصاف أن يكونوا أعداء له، وأن موالاته بأي نوع من أنواع الولاية هي خروج عن أحكام الإسلام، لأن معنى الموالاة له أن تنصره على نفسك وعلى دينك وعلى قومك وعلى وطنك.

والمعاذير التي يعتذر بها الموالون للاستعمار كالمداراة وطلب المصلحة، يجب أن تدخل الموازين الإسلامية، والموازين الإسلامية دقيقة تزن كل شيء من ذلك بقدره وبقدر الضرورة الداعية إليه، وأظهر ما تكون تلك الضرورات في الأفراد لا في الجماعات ولا في الحكومات.

وموالاة المستعمر أقبح وأشنع ما تكون في الحكومات، وأقبح أنواعها أن يحالف حيث يجب أن يخالف، وأن يعاهد حيث يجب أن يجاهد، وأقبح ما فيها من القبح أن يحالف استعمار على حرب استعمار.

وقد كانت الحروب قبل اليوم لمعان بعضها شريف، وقد يكون أحد الجانبين فيها على حق، أما هذه الحروب التي لا تنتهي الواحدة منها إلا وهي حامل مقرب بأخرى أشد منها هؤلاء، وأشنع عاقبة، فلم يبق فيها شيء من معاني الشرف ولا من معاني الرحمة ولا من معاني الكرامة الإنسانية، وإنما هي حروب مجنونة يبعثها الاستعلاء والتسلط على الضعفاء والاستئثار بخيرات أرضهم، والضعفاء دائماً هم الأدوات التي تقع بها الحروب، وتقع عليها الحروب، فهم في السلم محل النزاع، وفي الحرب ميدان الصراع.

لا مثال للبلاهة والبلادة أوضح من مخالفة الضعيف للقوي ؛ إلا إذا صح في الواقع وفي حكم العقل أن يحالف الديك النسر، أو تحالف الشاة الذئب.

كيف نحالف الأقوياء وقد دلت التجارب أنهم إنما يحالفوننا ليتخذوا من أبنائنا وقوداً للحرب، ومن أرضنا ميداناً لها، ومن خيرات أرضنا أزواداً للقائمين بها، ثم تنتهي الحرب ونحن المغلوبون الخاسرون على كل حال، وقد تكررت النذر فهل من مدكر؟

أيها المسلمون أفراداً وهيئات وحكومات:

لا توالوا الاستعمار فإن موالاته عداوة لله وخروج عن دينه.

ولا تتولوه في سلم ولا حرب، فإن مصلحته في السلم قبل مصالحكم وغنيمته في الحرب هي أوطانكم، ولا تعاهدوه فإنه لا عهد له، ولاتأمنوه فإنه لا أمان له ولا إيمان.

إن الاستعمار يلفظ أنفاسه الأخيرة، فلا يكتب عليكم التاريخ أنكم زدتم في عمره يوماً بموالاتكم له، ولا تحالفوه فإن من طبعه الحيواني أن يأكل حليفه قبل عدوه.(1)

مراجع الحلقة التاسعة بعد الثلاثمائة:

(1) موقف الإمام الإبراهيمي (1/503، 504).

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي

الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى

alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF

الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf

الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي

alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf

كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022