(اهتمام الملك إدريس بالثورة الجزائرية)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 311
بقلم: د.علي محمد الصلابي
ذو الحجة 1443 ه/ يوليو 2022م
كان السنوسيون منذ زمن المؤسس الأول للحركة الإمام محمد بن علي السنوسي مهتمين بأمر الجهاد في الجزائر، وواصل الملك إدريس جهوده المادية والمعنوية لدعم ثورة الجزائر التي اندلعت في 1/11/1954م. وقد أثبتت الوثائق التاريخية جهوده العظيمة وأعماله الجسيمة في هذا الباب، فقد ذكر السيد مصطفى أحمد بن حليم في كتابه «صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياسي» في الباب التاسع تحت عنوان «ثورة الجزائر ودور ليبيا الخطير في مساندتها» ما يقيم الحجة والبرهان على صدق الملك إدريس لدعمه للثورة الجزائرية.
فقد ذكر السيد مصطفى بن حليم عندما كان بالقاهرة أن الرئيس جمال عبد الناصر اتصل به ودعاه لاجتماع منفرد معه وفاجأه قائلاً أنه يود أن يتحدث معه عن الثورة الجزائرية التي اندلعت، وشرح جمال عبد الناصر لمصطفى بن حليم أنه اتفق مع الملك سعود والأمير فيصل على أن تقوم المملكة العربية السعودية بتقديم كافة الأموال اللازمة لشراء السلاح والعتاد والإمدادات اللازمة للثورة الجزائرية، وأن يقوم رجال الجيش المصري والمخابرات بشراء ذلك السلاح والعتاد وإيصاله إلى الحدود الليبية، وهو يأمل أن يشرف رئيس الحكومة السيد مصطفى بن حليم بنفسه بنقل ذلك السلاح والعتاد عبر ليبيا إلى الحدود الجزائرية، حيث يستلمه منه ممثلو الثورة الجزائرية. ثم قال جمال عبد الناصر لمصطفى بن حليم: أو لعلك تخشى الفرنسيين وتخاف بطشهم؟
فرد عليه مصطفى بن حليم رئيس وزراء ليبيا سابقاً وقال له: يا ريس!. لعلك لا تعرف أن جد الملك إدريس جاء إلى ليبيا من الجزائر هارباً من الطغيان الفرنسي وأمضى حياته في نشر الدعوة الإسلامية وإيقاظ الأمة الإسلامية، لتقاوم موجة الطغيان والتنصير الفرنسي، ووالد الملك إدريس ظل يقاوم تغلغل المد الفرنسي في تشاد والسودان والنيجر، حتى لقي وجه ربه، والسيد أحمد الشريف والملك إدريس أفنيا عمرهما ضد الطليان.
ورد جمال عبد الناصر على هذه الإجابة المقنعة بقوله: ألا تستوعب الدعابة؟ إنني أعرف كل هذا، وأعرف أن الليبيين أبطال جهاد، ولكنني أرغب أن أرى رد فعلك.. وتبين لي أنك مغربي حاد المزاج لا تتقبل الدعابة بروح مرحة.(1)
كانت القوات البريطانية المتواجدة في ليبيا والمنتشرة على طول البلاد من طبرق إلى غرب طرابلس والجواسيس الإنكليز يسيطرون على مراكز حساسة، وموظفون من الإنكليز أيضاً في شرطة ولاية طرابلس، وفرنسا لاتزال تحتل جنوب «فزان»، ولسفارتها في طرابلس وبنغازي جهاز مخابرات من الطراز الأول وله أعوان وعيون منتشرة في طول البلاد وعرضها.
بيّن السيد حليم تلك الملابسات لجمال عبد الناصر الذي أجاب: إنني على علم تام بأن ما أطلبه منك عمل ينطوي على خطورة كبيرة ومغامرة خطيرة،(2) ثم أضاف: لولا أنني مطمئن لوطنية الملك إدريس ووطنيتك وحرصكما الشديد على تحرير الشمال الإفريقي من نير الاستعمار الفرنسي البغيض لما طلبت منكم ما طلبت، وعلى أية حال فأنا رهن إشارتكم لأي عون أو نصح أو مساعدة في سبيل هدفنا النبيل لتخليص الجزائر من ربقة الاستعمار. بعد ذلك قام جمال عبد الناصر بتعريف مصطفى بن حليم بالسيد أحمد بن بلة.(3)
كان قائد قوة دفاع الفريق محمود بوقويطين لا يثق في جمال عبد الناصر، ويراه حريصاً على تفجير القلاقل وزعزعة النظام داخل ليبيا، واتخذ من ستار مرور السلاح إلى الجزائر وسيلة لتوزيع السلاح داخل ليبيا ضد المملكة.
وعُرض الأمر على الملك رحمه الله فقال: من ناحية لا يمكننا أن نتردد في القيام به.. ومن ناحية أخرى فإنني لا أريد أن أعرض استقلال هذا الوطن الذي ضحينا في سبيله بكل عزيز وغال، واستشهد في سبيله مئات الالاف من الليبيين، ولا أود أن أقامر بهذا الاستقلال خصوصاً مع فرنسا التي خرجت عن طورها وترتكب كل يوم الكثير من الجرائم والحماقات في قمع كل حركة استقلالية في الشمال الإفريقي، ومع توتر علاقتنا مع فرنسا بعد طلبنا إجلاء قواتها عن فزان ؛ فإنها ستلتمس أي عذر لترتكب معنا حماقة كبرى.(4)
ويبدو أن مرور السلاح من خلال البر أخذ فيها قرار بمنع ذلك من جهة مصر
مراجع الحلقة الحادية عشر بعد الثلاثمائة:
)) مصطفى بن حليم صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياسي، ص 351.
(2) المصدر نفسه ص 352.
(3) المصدر نفسه ص 352.
(4) المصدر نفسه ص 353.
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
alsallabi.com/uploads/file/doc/kitab.PDF
الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC135.pdf
الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي
alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC136(1).pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: