الأحد

1446-11-06

|

2025-5-4

من كتاب كفاح الشعب الجزائري بعنوان
نتائج فشل حملة شارلكان على الجزائر
الحلقة: السادسة عشر
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
صفر 1442 ه/ أكتوبر 2020
 
كان لفشل حملة شارلكان على الجزائر في (1541م) نتىء ج عسكرية وسياسية كبيرة، تركت اثاراً عميقة على المخططات الإسبانية في شمال إفريقيا، ومستقبل الوجود العثماني في الجزائر في هذه المرحلة من تاريخها.
فبالنظر إلى الخسائر المادية التي منيت بها القوات الأوربية، والتي كانت كبيرة جداً . الأمر الذي دفع دي غرامون ( De Grammont ) إلى حدّ وصفها بالفادحة إذ بلغت (16) مركباً من نوع غليوت (Galyot)، و(140) سفينة ناقلة للجنود، ومدفعية ثقيلة والات الحصار والزاد والخيام..إلخ. وبلغ عدد المدافع التي خلفها الإسبان (200) مدفعاً، وقيل (100) استولى عليها المسلمون، وزينوا بها الحصون الحربية، وسىائر أسوار المدينة.
حتى أصبح ما غنمه المسلمون يضرب به المثل. أما المراكب فإن جلها قد عطب على السواحل. وما كان قد غرق من السفن المعدة للحرب ولحمل الزاد والمؤونة فقد بلغت (130) مركبا. «وما وصل اللعين إلى بلده إلا باثني غرابا. وكان عدد السفن عند قدومه سبعمئة وخمسين جفنا، والعسكر سبعين ألفاً». إلا أن بعض الغربيين قللوا من شأن الخسىء ر التي مني بها الإسبان، فذكروا أنهم لم يفقدوا سوى (14) غليوطة، و(100) مركب صغير.
وأما الخسائر البشرية، فإن المصادر الغربية إما أنها قد سكتت عنها، أو قدمت أعدادا تافهة. على غرار دي غرامون (De Grammont) الذي ذكر ـ بعد اعترافه بفداحة الخسائر المادية ـ بأن خسىء ر الإسبان البشرية ضئيلة جداً. أما المصادر الإسلامية فقد بالغت كثيراً في ذلك. فقد جاء في كتاب الغزوات أن: «عدد القتلى بسيوف المسلمين في هذا اليوم اثنا عشر ألفاً.. ويقال أن فرىء س الكفرة وفرىء س خيلهم ملأت ما بين الجزائر دلس شرقاً، وشرشال غرباً».
«وجاء الإسبان بأربعة الاف من الخيل، فلم يعودوا إلى بلادهم بفرس واحد. فقد مات بعضها برماح المسلمين، والبعض أكلوها من الجوع الذي وقع بهم. وقتلوا بعضها بأيديهم لضيق سفنهم عن حمل رجالهم».
أما النتائج السياسية ـ والتي ربما تكون هي الأهم ـ فلم تقتصر اثارها على الجزائر فحسب بل تعدت ذلك إلى خارجها. فقد عظم شأن حسن اغا عند السلطان سليمان القانوني الذي كافأه بأن أرسل إليه الخلعة السلطانية، وعينه بيلربايا على الجزائر تقديراً لشجاعته.
واتسع نفوذ الأتراك داخل البلاد. فالسلطان الزياني أبو محمد الزياني الذي كان قد أعلن تبعيته للإسبان خصوصاً بعد احتلالهم تونس سنة (1535م). جعلته هزيمة شرلكان يعيد النظر في سياسته، ويعلن تبعيته للأتراك.
وتوالت انتصارات الأتراك في شمال إفريقيا بعد (1541م). فقد تم القضاء على دولة بني زيان سنة (1555م). وضمت تلمسان إلى الدولة العثمانية بشكل نهىء ي. وأُجبر الإسبان على الانسحاب من طرابلس الغرب سنة (1552)، وميناء تونس سنة (1553)، وبجاية سنة (1555م)، وحوصروا في وهران مراراً بعد (1556م). وأخرجوا من تونس نهىء ياً سنة (1569م). فزادت هيبة العثمانيين في نفوس الأوربيين، وباتوا يعتقدون أن الجزائر مدينة لا تقهر. «وبقيت الجزائر كالعروس، تختال في حليها وحللها ؛ من رخاء الأسعار، وأمن الأقطار. ولم يبق لهم عدو يخافون منه. وشاعت هذه القضية في مشارق الأرض ومغاربها. وبقي رعب المسلمين في أعداء الدين مدة من الزمن».
وفشل المخطط الإسباني الرامي إلى احتلال سواحل شمال إفريقيا، وتنصير أهله. ونزلت أخبار الهزيمة على أوربا نزول الصاعقة، لأن ما حدث في الجزائر يعتبر أعظم هزيمة مني بها الإمبراطور شارلكان منذ جلوسه على عرش إسبانيا، فاهتز نتيجة لذلك نفوذه في أوربا، ولم يبق له أي حليف سوى هنري الثالث ملك إنجلترا.وبادر ملك فرنسا فرنسوا الأول إلى عقد معاهدات مع السلطان سليمان القانوني.
أ ـ مصير شرلكان
كان فشل شرلكان (شارل الخامس) في حملته عل الجزائر، ذا أثر عميق لا على الإمبراطورية الإسبانية، ولا على ملكها شارلكان، وإنما على مستوى الأحداث العالمية.
وقد حفظ الشعر العربي هذا الحدث الذي قيل فيه:
سلوا شارلكان كم رأى من جنودنا فليس له إلا هُمُ من زواجر
فجهز أسطولاً وجيشاً عرمرماً ولكنه قد اب أوبة خاسر
ونزلت أنباء الهزيمة نزول الصاعقة على أوروبا، وتطورت الأحداث هناك وهنالك بسرعة، فلم يبق حليف للإمبراطور سوى هنري الثالث ملك إنجلترا، وانضم إلى ملك فرنسا الدوق (دي كليف) وملك الدنمارك وملك إسكندينافيا، وكان فرح الفرنسيين عظيماً ؛ لأن سقوط الجزائر كان يؤدي لا محالة إلى سقوط فرنسا، وبادر ملكها فرانسوا الأول لإبرام معاهدات مع السلطان العثماني، وكان لهذه الغارة أيضاً نتىء ج معنوية داخل الشمال الإفريقي.
وأما في أوروبا (بقي الرعب من المسلمين في قلوب أهل أوروبا لمدة طويلة). ولم يعد شارل الخامس قادراً على التفكير في حملة أخرى ضد الجزائر، وطغى شبح خير الدين وحسن اغا على العامة والخاصة، حتى أصبح الناس إذا رأوا جفناً عن بعد نسبوه إلى خير الدين، فيتصاعد الصراخ ويكثر العويل، ويفر السكان من ديارهم ومن حقولهم ومتاجرهم. وإذا حطمت الزوابع مركباً توهم الناس أن خير الدين بربروسة هو الذي أثار البحر وهيجه وأغراه على إغراق سفنهم. وبلغ الخوف من قادة الجزائر أقصى درجة ؛ حتى أصبح أهل إسبانيا وإيطاليا إذا ما حدثت جريمة أو سرقة أو وقع فساد أو تخريب أو مرض أو وباء أو قحط ؛ قالوا: خير الدين وأصحابه هم السبب في ذلكـ وكانوا يقولون:
بـربـوشـة بـربـوشـة
أنت صاحب كـل شـر
ما كان من ألـم أو عمل
مؤذ وجهنمي مــــــــــــدمـر
إلا والسـبب فـيـه
هذا القرصان الـذي
لا نظير له في الـعالـم
ب ـ وفاة حسن آغا الطوشي:
استمر حسن اغا في القيام بواجبه المقدس حتى وفاته (951هـ 1544م) فأجمع أهل الديوان في الجزائر على تولية الحاج بكير مكانه، وريثما يعين الباب العالي بإسطنبول الحاكم الجديد، الذي عين حسن بن خير الدين وقدم في نفس السنة.
 
يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي
الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى
من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي:


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022