الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

(كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي: خلاصات واستنتاجات)

الحلقة: 396

بقلم: د.علي محمد الصلابي

شعبان 1444ه/ مارس 2023م

 

تولى الإمام محمد البشير الإبراهيمي قيادة جمعية العلماء بعد وفاة الشيخ عبد الحميد بن باديس.

يعتبر بيت الإبراهيمي من البيوتات التي حفظت العلوم وتوارثتها، وظهر فيها العلماء ونشروا الفقه والمعرفة والتراث في الجزائر.

نشأ الإبراهيمي في بيت والده كما ينشأ أبناء بيوت العلم، وبدأ في التعليم وحفظ القران الكريم في الثالثة من عمره، ولما بلغ سبع سنين استلمه عمه من معلّمي القران وتولى تربيته وتعليمه بنفسه، فكان لا يفارقه لحظة حتى في ساعات النوم، فكان عمه هو الذي يأمره بالنوم وهو الذي يوقظه.

تصدّر للتدريس بعدما شهد له العلماء برسوخه ونبوغه وتميزه واطلاعه الواسع.

سافر الإبراهيمي إلى عدة دول طالباً للعلم ومعلماً، مصر، المدينة، سوريا.

في المدينة المنورة كان لقاؤه مع الشيخ ابن باديس لقاءً تاريخياً، وضعوا الخطط والمناهج والوسائل لإعداد جيل يحمل رسالة الإسلام وقيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، ويعمل على التحرر من الاستعمار.

كانت جهود ابن باديس العلمية والتربوية ومساندة العلماء له مؤثرة في حياة الشعب الجزائري، واستطاع ابن باديس تنظيم عمله الدعوي والتعليمي والإرشادي من خلال جمعية العلماء المسلمين، وأصبحت أعمال العلماء منظمة ومدروسة وواضحة الأهداف والمقاصد.

تولى الإبراهيمي قيادة جمعية العلماء بعد وفاة ابن باديس، وشرع في مهامه بعد خروجه من المنفى.

من أهم صفات الإبراهيمي، علمه وفقهه وحماسته، والروح التجديدية، ومصلح كبير، ومفكر عظيم، ومجتهد شجاع، ومبدع متألق، وبليغ وأديب وخطيب، وزهده وإخلاصه، وإنسانيته الرفيعة.

كانت أهم أعماله بعد ما تولى قيادة جمعية العلماء بناء معهد الإمام عبد الحميد بن باديس، وتطويره بعد إنشائه بسنوات قليلة، وكان له أثر في تخريج كوادر متميزة عملت لنشر الدعوة وانخرطت في الثورة فيما بعد.

توسعت الجمعية في عهد الإبراهيمي في بناء المساجد والمدارس ودعم الأنشطة الخيرية والشبابية وإرسال الدعاة إلى المشرق للدراسة، وتوسع المجلس الإداري للجمعية وتمّ تنقيح القانون الأساسي.

مقومات الفكر الإصلاحي عند الشيخ محمد البشير الإبراهيمي واهتماماته الاجتماعية، الإسلام والعروبة، والإسلام دين التحرر العام، ربط الإسلام بالعروبة، واهتم بالتحرر وتوحيد جهود الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، وكان خطابه توحيدياً فيما يتعلق بتوحيد الشمال الإفريقي والعرب والمسلمين، وتحدث عن داء الأمة وعوامل الانقسام، وأسباب الوحدة في قراءة تاريخية سننية متميزة، وأوضح بداية تفرق المسلمين في تلك الدراسة، وظهور المذاهب الفقهية والتعصب لها، وبروز المذاهب الكلامية، واهتم بالتوعية والتربية وتنوير الشعب من خلال خطابه وخطاب جمعية العلماء الفكري والعلمي والمقاصدي، واهتم بتقوية العمل الجماعي وتطويره من خلال الجمعيات والمدارس والنوادي والمساجد والكشافة، واهتم بتربية الشباب وتكوينهم علمياً وخلقياً، وعمل على إعداد جيل من الشباب يحمل رأية الحرية والاستقلال، واهتم بالمرأة والزواج والطلاق.

طوّف الشيخ الإبراهيمي في كتاباته وخطاباته ومحاضراته في مواضيع شتى، تناولت السياسة والتربية والنفس والاجتماع والأخلاق والتاريخ، ولم

يخل موضوع منها إلا وفيه إشارة إلى الماضي القريب والبعيد، يستمد منه الخبرة، ويستخلص منه العظة، ويتخذ منه مدداً لثورته على المستعمر وفضح مكايدة وردّ أحقاده وأطماعه.

كان على دراية واسعة واطلاع كبير بتاريخ الإسلام، والاستعمار الروماني وأحوال المغرب العربي وتاريخ الجزائر.

من ملامح منهج الإبراهيمي في تناول قضايا التاريخ: تاريخ أمة متصل الحلقات، الاهتمام بالأحداث الكبرى، ويرى بأهمية الوثائق والأدوات المعرفية، وكان يركز على التاريخ الجامع للمشرق والمغرب، ويستنبط السنن التاريخية ويعمل على ربطها بواقعنا المعاصر، وكان معنياً بأسباب الصعود والنزول.

يعتبر الإبراهيمي مناضلاً سياسياً ومكافحاً للاستعمار من الطراز الأول، ومجاهداً في سبيل الله أولاً وأخيراً. ومع دخول فرنسا الحرب العالمية الثانية رفضت جمعية العلماء تأييدها لفرنسا أو التعاطف معها، وكان ردّ فعل فرنسا التضييق على جمعية العلماء، وأمرت الإبراهيمي بتوقيف دروسه ومحاضراته، وتقرر نفيه إلى مدينة افلو الصحراوية في 10 أفريل من عام 1940م.

بعد خروجه من السجن كانت حركته اتسمت بالنشاط والانتشار والتواصل مع العلماء والأعيان والساسة والعمل على توحيد الجبهة الداخلية ضد الاحتلال.

وفي شهر جانفي من عام 1943م، اتفق قادة الحركات الوطنية في الجزائر أن يعقدوا اجتماعاً مشتركاً بقصد تكوين تحالف بين الحركات السياسية في الجزائر وتحديد المطالب السياسية للجزائر، وحضر الاجتماع التأسيسي لهذا التحالف الدكتور بن جلول وفرحات عباس وأحمد توفيق المدني من جمعية العلماء.

بعد انتهاء الحرب قررت جمعية العلماء يوم 6 ماي 1945م توسيع نشاطاتها السياسية والثقافية إلى بقية دول المغرب العربي، فأرسلت وفداً إلى تونس، واخر إلى المغرب الأقصى، وذلك بقصد توحيد العمل على مستوى أقطار المغرب العربي.

الثامن من مايو 1945م، مرحلة أساسية في الذاكرة الجماعية للشعب الجزائري، فقد تعرض الجزائريون لإبادة جماعية دشنتها فرنسا الاستعمارية ضد مظاهرات الشعب السلمية، معلنة أن زمن العبودية قد ولىّ وأن عصراً جديداً قد أطل في أفق الجزائر، فاستخدم العدو كل الأسلحة البرية والطائرات والبوارج الحربية ونسفوا المباني وأحرقوا المشاتي وقتلوا 45 ألف شهيداً في ضحايا الأسبوع الدموي واعتقلوا زعماء الحركة الوطنية والألوف من المواطنين.

 

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي

الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى

الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس

الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي

كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع الرسمي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022