(مواقف بعض الدول الأسيوية من الثورة الجزائرية)
من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):
الحلقة: 350
بقلم: د.علي محمد الصلابي
ربيع الآخر 1444 ه/ أكتوبر 2022م
1 ـ أندونيسيا:
كان لأندونيسيا دور أساسي في تدعيم مشاركة الوفد الجزائري في مؤتمر باندونغ على الأراضي الأندونيسية رغم ضغوط الدول الغربية بقيادة فرنسا، واعتبر أحمد سوكارنو الرئيس الأندونيسي الممثلين الجزائريين في مؤتمر باندونغ قادة لقضية عادلة، ووجودهم يشكل الهدف الأساسي لمؤتمر باندونغ، وهو مساندة تحرير الشعوب المستعمرة، بالنسبة إلى الرئيس سوكارنو عدم الانحياز لا يعني عدم إدانة ومحاربة كل أنواع الاستعمار والهيمنة التي تمارسها القوى الاستعمارية، إننا محايدون حقاً، لكننا لسنا محايدين بالنسبة للاستعمار(1).
وأكد الرئيس أحمد سوكارنو في كل مناسبة دولية وقوف أندونيسيا بجانب حرب التحرير الجزائرية، وعمل دبلوماسياً من أجل تدويل القضية الجزائرية، وحتمية استرجاع الجزائر لسيادتها: من الواضح أن الشعب الجزائري يريد الاستقلال، هذه حقيقة لا يتطرق إليها الشك.. إذن فيجب تنظيم استفتاء بالجزائر تحت رقابة الأمم المتحدة.. ويجب أن يكون موضوع الاستفتاء، هو الاستقلال، فهذه القضية قد سويت بالدماء والدموع، ومن المؤكد أن الجزائر المستقلة ستتحقق(2).
2 ـ كوريا الشمالية:
وجد الوفد الحكومي الجزائري خلال زيارته إلى كوريا الشمالية «أفريل» 1960م برئاسة السيد كريم بلقاسم ترحيباً خاصاً وعناية متميزة واستقبالاً حاراً من طرف قيادة كوريا الشمالية.
إن الوفد الحكومي للجمهورية الديمقراطية الشعبية لكوريا ينظر بإكبار وإعجاب عظيم إلى الكفاح البطولي، الذي يخوضه الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي من أجل الاستقلال الوطني والحرية، ويعبر له عن تضامنه التام(3).
3 ـ فيتنام:
عاش الشعب الفيتنامي الاضطهاد والقمع الفرنسي، كما تذوق روح الانتصار على فرنسا، فلم يكن بحاجة لتوعية أو تعبئة لإدانة الاستعمار الفرنسي للجزائر. في أماكن ومدن مختلفة عبر التراب الفيتنامي ؛ وجد الوفد الجزائري بقيادة السيد يوسف بن خدة استقبالاً خاصاً، بداية بالقائد الفيتنامي هوشي منه، واستعداداً مطلقاً للتضامن مع الشعب الجزائري، وتدعيم معركته العادلة، وكان ذلك في 13 ديسمبر 1958م. وبنفس الروح والمحتوى والحماس استقبل وفداً حكومياً جزائرياً اخر برئاسة السيد كريم بلقاسم أثناء زيارته لفيتنام «أفريل 1960م».
يعبر الوفد الفيتنامي عن ابتهاجه بالنجاح العظيم الذي حققه الشعب الجزائري بمقاومته البطولية، ويشهّر الشعب الفيتنامي بالجرائم الفضيحة التي يرتكبها الجيش الفرنسي في الجزائر، ويستنكر بالخصوص الإعانات التي تقدمها أمريكا للمعتدين الاستعماريين ليواصلوا حربهم الاستعمارية ضد الشعب الجزائري(4).
رغم الإمكانيات المادية المحدودة لفيتنام، ورغم أن هذه الأخيرة في حد ذاتها كانت تعيش معركة تحررية ثانية ضد المعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ؛ فقد جسدت القيادة الفيتنامية دعمها للثورة الجزائرية ليس فقط في مجال المساندة المعنوية وتبادل الخبرات، بل تجاوز ذلك إلى إرسال (2 ماي 1961م) مساعدات غذائية بما فيها 201 طناً من الدقيق للاجئين الجزائريين بتونس(5).
4 ـ الهند:
المسلمون الهنود بما فيهم البنغلاديش ـ انفصلت عن الهند سنة 1971م ـ كان لهم تأثير هام على صانعي القرار الهندي في التعامل مع القضية الجزائرية بحكم وضعهم كقوة شعبية وجماهيرية أساسية داخل الهند، وكما كان لنشاطهم الشعبي بما فيه المهرجانات والمظاهرات المكثفة دور هام في تعبئة الجماهير الهندية ككل بعدالة القضية الجزائرية.
وكان للجالية العربية في الهند دوراً أساسياً في تنظيم المساندة الجماهيرية الهندية للثورة الجزائرية، وخلال زيارة الرئيس فرحات والوفد المرافق له لبومباي «2 فيفري 1961م» عايشوا شخصياً ومباشرة هذه التعبئة والمساندة الجماهيرية(6).
ودبلوماسياً كانت الهند بحاجة لربح أكبر عدد ممكن من الدول والحركات الاستقلالية باسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وبالنسبة للهند، مساندة القضية الجزائرية سوف يدعم حملتها الدبلوماسية لكسب حركات تحررية ودول فاعلة في الوطن العربي وعالم الجنوب ككل(7).
5 ـ ماليزيا:
وجد الشعب الماليزي في القضية الجزائرية عمقاً وهدفاً حضارياً مشتركاً لا بد من مساندتها، معاناة الشعب الماليزي من الاستعمار البريطاني أضاف عاملاً اخر لتعميق المساندة الماليزية لحرب التحرير الجزائرية، وترامي استقلال ماليزيا «1957م» مع أهم مرحلة في حرب التحرير الجزائرية، وبالتالي شكلت ماليزيا عضواً إضافياً فعالاً في تدعيم القضية الجزائرية دولياً، وأضافت وجود دولة إسلامية واسيوية أخرى تساند قضايا الاستقلال والتحرر في العالم، وكان للضغط الجماهيري تأثير خاص على ممثلي حكومات الدول الإسلامية في المحافل الدولية من أجل الوقوف بجانب حركات الاستقلال والتحرر الوطني في العالم الإسلامي(.
6 ـ سنغافورة:
معايشة الشعب السنغافوري للتجربة الاستعمارية مع المستعمر البريطاني ؛ كانت عاملاً أساسياً وراء وقوف سنغافورة بجانب حرب التحرير الجزائرية، ذلك ما لمسه الوفد الجزائري برئاسة السيد عباس فرحات خلال زيارته إلى سنغافورة «26 جانفي 1961م». واستقبل السنغافوريون الوفد الجزائري بمظاهرات منددة بالقمع الفرنسي للشعب الجزائري، بالإضافة إلى حرق صورة رمزية لعلم الاستعمار الفرنسي، والمناداة بحياة الشعب الجزائري واستقلال الجزائر، وسقوط فرنسا(9).
7 ـ باكستان:
أكدت السلطات الباكستانية باستمرار مواقفها الإيجابية تجاه حرب التحرير الجزائرية واسترجاع استقلال الجزائر، ومنها تصريح الرئيس الباكستاني أيوب خان إلى السيد محمد قلو رئيس البعثة الجزائرية بالباكستان «نوفمبر 1961م»:
إنني كرئيس دولة شاعر بمصالح شعبه، وكرئيس عسكري مقتنع بأحكامه، أتحدث إليكم بكل صراحة وبساطة، وأجدد للشعب الجزائري والممثلية تأييد حكومتنا، وتأييد الشعب الباكستاني للجزائر المكافحة من أجل استقلالها.
وتأخرت باكستان في اعترافها الرسمي بالحكومة المؤقتة وكان بعد 3 سنوات من تأسيسها، ولهذا مهما كانت مواقف الباكستان بجانب قضايا الاستقلال والتحرر؛ فإن سلوكها السياسي والدبلوماسي والعسكري كان دائماً متأثراً بارتباطها الوطيد بالمعسكر الرأسمالي، ورغم تأثير المعسكر الرأسمالي ـ المؤيد لفرنسا ـ فإن رئيس الحكومة المؤقتة فرحات عباس وجد استقبالاً معتبراً بالباكستان «أفريل 1959م»، واستعداداً جماهيرياً لدعم الثورة الجزائرية معنوياً ومادياً.
8 ـ تركيا:
بعد زيارة السيد عدنان مندريس «أفريل 1958م» رئيس الحكومة التركية إلى ليبيا والاستقبال الرسمي الليبي الفاتر مرفوقاً بالاحتجاج والمقاطعة الجماهيرية ؛ بدأت تركيا تغير من سياستها تجاه الثورة الجزائرية خاصة في مجال التدعيم العسكري، وتم ذلك بالتنسيق مع الحكومة الليبية، كما بدأت الحكومة التركية تدريجياً بتغيير سياستها بما فيها السماح بفتح مكتب لجبهة التحرير الوطني في أنقرة وكان الموقف الشعبي داعماً ومؤيداً للثورة الجزائرية.
9 ـ إيران:
كانت دولة إيران في تلك الفترة حكومتها منسجمة مع الغرب، وتتماشى أكثر مع الانتماء الغربي، وأما على المستوى الجماهيري فقد كان للشعب الإيراني مواقف مساندة وداعمة للثورة الجزائرية، دفعت النظام الإيراني إلى عدم الوقوف علنياً ضد القضية الجزائرية في المحافل الدولية خاصة مع اقتراب انتصار حرب التحرير الجزائرية.
مراجع الحلقة الخمسون بعد الثلاثمائة:
(1) إسماعيل دبش، السياسة العربية والمواقف الدولية ص 153.
(2) المصدر نفسه ص 153.
(3) المصدر نفسه ص 155.
(4) المصدر نفسه ص 156.
(5) المصدر نفسه ص 157.
(6) المصدر نفسه ص 157.
(7) المصدر نفسه ص 159.
(8) المصدر نفسه ص 160.
(9) المصدر نفسه ص 160.