الأربعاء

1446-12-22

|

2025-6-18

من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):

(من تلاميذ الحسن البصري الذين اشتهروا بعلم السلوك)

الحلقة: 173

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

رجب 1442 ه/ مارس 2021

كان الحسن البصري من علماء أهل السنة واهتم رحمه الله بعلم السلوك، وكان له مجلس خاص في منزله لا يكاد يتكلم فيه إلا في معاني الزهد والنسك ، وقد تأثر بمدرسة الحسن البصري مجموعة خيرة، لكوكبة نيرة، ونجوماً ساطعة من علماء أهل السنة، منهم:
أ ـ أيوب السختياني:
هو الإمام الحافظ سيد العلماء، أبو بكر بن أبي تميمة كيسان، كان ثقة ثبتاً في الحديث، جامعاً عدلاً، ورعاً، كثير العلم ، وكان إذا سئل عن شيء ليس عنده فيه شيء قال: أسأل أهل العلم. وكان كثيراً ما يقول: لا أدري. حتى قال حماد بن زيد: ما رأيت أحداً أكثر من قول: لا أدري من أيوب ويونس، وكان يحب ستر زهده ويقول: لأن يستر الرجل زهده خير له من أن يظهره، وحج أيوب أربعين حجة، وكان عبيد الله بن عمر يرتاح قلبه في موسم الحج بلقاء أقوام نور الله قلوبهم بالإيمان، منهم أيوب ، وكان صديقاً ليزيد بن الوليد بن عبد الملك، فلما تولى يزيد الخلافة قال أيوب: اللهم أنسه ذكري ، وكان شديد التبسم في وجوه الناس.
* من مواقف وكلمات أيوب:
ـ تعظيمه لأهل السنة: قال أيوب: إنه ليبلغني موت الرجل من أهل السنة فكأنما يسقط عضو من أعضائي.
ـ موقفه من أهل الأهواء والبدع: قال: ما ازداد صاحب بدعة اجتهاداً إلا ازداد من الله بعداً. وعن أيوب قال: قال أبو قلابة: لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم، فإني لا امن من أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون . قال أيوب: وكان والله من الفقهاء ذوي الألباب .
ـ محبته للقاء إخوانه في الله: قال: إنه يزيدني في حب الموسم وحضوره أن ألقى إخواناً لي فيه لا ألقاهم في غيرهِ.
ـ عبادته: كان من العباد المشهورين بحسن العبادة وكثرتها، وكان شديد الحرص على إخفائها عن الناس وتصفيتها وإخلاصها لرب الناس ، وكان من سادات أهل البصرة، وعبّاد أتباع التابعين وفقهائهم ممن اشتهر بالفضل والعلم والنسك ، وكان كثير الحج والعمرة رحمه الله لوصية رسول الله ﷺ بذلك: «تابعوا بين الحج والعمرة» ، وحج أيوب أربعين سنة ، وكان يقوم الليل يخفي ذاك، فإذا كان قبل الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة .
ـ الزهد: قال أيوب: الزهد في الدنيا ثلاثة أشياء: أحبها إلى الله، وأعلاها عند الله، وأعظمها عند الله تعالى، الزهد
في عبادة من عبد دون الله من كل ملك وصنم وحجر ووثن، ثم الزهد فيما حرم الله تعالى من الأخذ والإعطاء، ثم يقبل علينا فيقول: زهدكم هذا يا معشر القراء فهو أخسه عند الله، الزهد في حلال الله عز وجل .
ـ شهادة الحسن البصري فيه: قال فيه الحسن: هذا سيد الفتيان ، وقال: أيوب سيد شباب أهل البصرة، وأما شهادة أيوب في شيخه الحسن فقد قال: كان الحسن يتكلم بكلام كأنه الدر، فتكلم قومٌ من بعده بكلام يخرج من أفواههم كأنه القيء . وقال: جالست الحسن أربع سنين فما سألته هيبة له .
ـ وفاته: بعد عمر قضاه في عبادة الله تعلماً وتعليماً وتربية وخشية لله، وتمسكاً بالسنة وتعظيماً لأهلها وقمعاً لأهل البدع والأهواء وإخلاص العلم والعمل لله، توفي في مرض الطاعون بالبصرة عام 131 هـ ، وروى أبو نعيم بسنده إلى حماد بن زيد قال: غدا علي ميمون أبو حمزة يوم الجمعة قبل الصلاة، فقال: إني رأيت البارحة أبا بكر وعمر في النوم فقلت لهما: ما جاء بكما؟ قالا: جئنا نصلي على أيوب السختياني. قال: ولم يكن علم بموته، فقلت له: قد مات أيوب البارحة .
ب ـ مالك بن دينار:
علم العلماء الأبرار، معدود من ثقات التابعين، ومن أعيان كتبة المصاحف، كان من ذلك بلغته.
* من مواقفه وأقواله:
ـ عدم تأثره بالمدح والذم: قال: مذ عرفت الناس لم أفرح بمدحهم ولم أكره ذمهم؛ لأن حامدهم مفرط، وذامهم مفرط، إذا تعلم العالم العلم للعمل كسره، وإذا تعلمه لغير العمل زاده فخراً .
ـ حزن القلب: قال: إذا لم يكن في القلب حزن خرب. وقال: من تباعد من زهرة الدنيا، فذاك الغالب هواه.
ـ جاء يسرق فسرقناه: قيل: دخل عليه لص، فما وجد ما يأخذ، فناداه مالك: لم تجد شيئاً من الدنيا؛ فترغب في شيء من الآخرة؟ قال: نعم. قال: توضأ، وصل ركعتين، ففعل ثم جلس وخرج إلى المسجد، فسأل: من ذا؟ قال: جاء ليسرق فسرقناه .
ـ أطيب شيء من الدنيا معرفة الله: قال: خرج أهل الدنيا من الدنيا ولم يذوقوا أطيب شيء فيها، قيل: وما هو؟ قال: معرفة الله.
ـ محبة أنس بن مالك له: قال مالك بن دينار: أتينا أنساً أنا وثابت ويزيد الرقاشي، فنظر إلينا فقال: ما أشبهكم بأصحاب محمد ﷺ، لأنتم أحب إلي من عدة ولدي إلا أن يكون في الفضل مثلكم، إني لأدعو لكم في الأسحار.
ـ مصدر كسبه: كان ينسخ المصحف في أربعة أشهر، فيدع أجرته عند البقال فيأكله، وكان أدم مالك بن دينار في كل سنة بفلسين ملح .
ـ وفاته: توفي سنة 127 هـ، وقيل: 130 هـ. فمالك بن دينار من علماء أهل السنة، ولا ينظر لمن ألصق به آثاراً واهية نسبها إليه وزعم أنه خلط الروحية الإسلامية بعناصر غير إسلامية وكتابية على وجه التخصيص . بل الثابت من سيرته بأنه من أعلام السلوك ومن تلاميذ الحسن البصري، وأنس بن مالك والأحنف بن قيس وسعيد بن جبير، ومحمد بن سيرين، والقاسم بن محمد وغيرهم من علماء أهل السنة.
جـ محمد بن واسع:
الإمام الرباني، الـقدوة، ترجمت لـه في حديثي عن الفتوحات فـي عهد عبد الملك، وكان من ضمن جيش قتيبة بن مسلم وقد قام مدة في خراسان . قال عنه مالك بن دينار: القراء ثلاثة: فقارأى للرحمن، وقارئ للدنيا، وقارئ للملوك، ويا هؤلاء ! محمد بن واسع عندي من قراء الرحمن ، وكان الحسن البصري يسميه زين
القراء، ومن أقواله: إذا أقبل العبد بقلبه على الله أقبل الله بقلوب العباد عليه. وقال: يكفي من الدعاء مع الورع يسير العمل.
هؤلاء هم أشهر تلاميذ الحسن البصري في علم السلوك، والذين كان لهم تأثير كبير في حياة الناس، واليوم نحن في أشد الحاجة لإحياء هذا العلم الذي أصبح نادراً وتصدَّر له بَعْدُ المحسوبون على العلم من أصحاب العقائد الفاسدة والتصورات السقيمة والأفكار المنحرفة، فالأمة في حاجة ماسة لمنهج تربوي سني تستلهم أصوله وفروعه من كتاب الله وسنة رسوله وهدي الصحابة الكرام ومن سار على نهجهم من العلماء الراسخين ؛ لكي تقف أمام الهجمة المادية، والطغيان الشهواني، الذي يبث في وسائل الإعلام العالمية والإقليمية والقُطرية، كما أن من عوامل نهوض الأمة كبح شهواتها، وتطهير نفوسها من أمراضها وإحياء القلوب بالمعاني الرفيعة والأعمال القلبية، كالرجاء والخوف والإخلاص والإنابة لله رب العالمين.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com 

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022