من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):
(الثورات الداخلية في عهد يزيد بن عبد الملك)
الحلقة: 197
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
شعبان 1442 ه/ إبريل 2021
1 ـ ثورة يزيد بن المهلب:
ومنشأ ذلك أن خلافاً وقع بين المهلّب والحجّاج بن يوسف، فذهب يزيد إلى عبد الملك، فأمنه، ثم لما أفضت الخلافة إلى سليمان بن عبد الملك سنة 96 هـ عين يزيد بن المهلب على خراسان، فافتتح جرجان وداغستان، ثم رجع إلى العراق، فبلغه وفاة سليمان بن عبد الملك، وخلافة عمر بن عبد العزيز، حيث عزله عمر عن إمارة خراسان.
وقد ذكرتُ أسباب عزل عمر بن عبد العزيز ليزيد في حديثي عن خلافة عمر، ولما هرب يزيد من سجن عمر في مرضه قال عمر بن عبد العزيز: اللهم إن كان يريد بهذه الأمّة شرّاً، فاكفهم شرّه، واردد كيده في نحره.
ولما تولى يزيد بن عبد الملك بن مروان الخلافة خرج يزيد بن المهلّب وخلع بيعته، واستولى على البصرة، فجهّز يزيد بن عبد الملك لقتاله جيشاً بقيادة أخيه مسلمة بن عبد الملك، فجمع يزيد بن المهلّب جموعاً كبيرة، والتقى الطرفان بالعقر من أرض بابل، ودارت بينهما معركة رهيبة دامت ثمانية أيّام، قتل فيها يزيد بن المهلب، وعدد من
إخوته، وخلق كبير من جيشه، وتفرق سائر جيشه وأهل بيته، فلوحقوا وقتلوا بكل مكان، وكان ذلك سنة 102 هـ. والله المستعان.
وقد أورد الذّهبي: أن الحسن البصري قال في فتنة يزيد بن المهلب: هذا عدو الله يزيد بن المهلب، كلما نعق بهم ناعق اتّبعوه. وفي رواية أخرى: أنّه دعا عليه بأن يصرعه الله، ذكر ما كان يفعل من انتهاك المحارم وقتل الأنفس، وأكل أموال الناس، وقد تحدث الدكتور عبد الله بن حسين الشريف عن أسباب ثورة يزيد بن المهلب وتفاعل فئات من المجتمع معها ونتائجها وآثارها، وتكلم عن ثورة يزيد بشيء من التفصيل؛ فمن أراد فليراجع كتابه: الدولة الأموية في عهد الخليفة يزيد بن عبد الملك.
2 ـ ثورات الخـوارج:
أ ـ حركة شوذب والقضاء عليها:
ما أن تولى يزيد بن عبد الملك الخلافة حتى تجددت حركة شوذب الخارجي، وتم القضاء عليه وعلى أصحابه على يد مسلمة بن عبد الملك أثناء مسيره للقضاء على حركة ابن المهلب، فإنه لما دخل الكوفة، شكا إليه أهلها ما لقوه من شوذب وخوفهم منه، فجهز جيشاً من عشرة آلاف جعل قيادته لسعيد بن عمرو الحرشي، ووجهه إليهم، فدارت سنة 101 هـ الوقعة، واستبسل الخوارج وكشفوا جند الشام، فخشي الحرشي الفضيحة، واستحث جيشه، وحمل لهم على شوذب وأصحابه، فألحق الهزيمة بهم، حيث قتل شوذب، وكل أصحابه.
ب ـ حركة مسعود العبدي في البحرين واليمامة:
وقد تمّ القضاء عليها على يد سفيان بن عمرو العقيلي أمير اليمامة، وكان القضاء عليها في أواخر عهد يزيد على قول البعض، وهناك من يرى أن الحركة في عهد يزيد كانت على يد أخي مسعود العبدي.
ج ـ حركة مصعب الوالبي:
خرج مصعب الوالبي بالكوفة، وتمّ القضاء عليه في عهد يزيد بن عبد الملك بواسطة عامله ابن هبيرة.
د ـ حركة عقفان:
خرج عقفان الحروري على يزيد بن عبد الملك بناحية دمشق، وكان عدد أصحابه ثمانين رجلاً من الخوارج، وعندما أراد يزيد القضاء عليه عسكرياً، أشير عليه أن يبعث إلى كل رجل من أصحاب عقفان رجلاً من قومه يرده عن رأي الخوارج، على أن يؤمنهم الخليفة، فقد قالوا للخليفة: إن قُتل بهذه البلاد اتخذها الخوارج دار هجرة، فوافقهم الخليفة على رأيهم وسار إليهم أهلوهم، وقالوا لهم: إنا نخاف أن نؤخذ بكم، وأمنوهم، فرجعوا عن رأيهم وانفضوا من حول زعيمهم عقفان، فبقي وحده، فأرسل إليه يزيد أخاه فاستعطفه وأمنه، فرده وقد ترك رأي الخوارج، بل إنه خدم الدولة، فتولى زمن هشام أمر العصاة، ثم استعمل على الصدقة حتى توفي هشام.
3 ـ حركة شيريم اليهودي:
وهو يهودي سوري أعلن أنه المسيح المنتظر والمنقذ لليهود، وسير حملة لانتزاع فلسطين من المسلمين، فغادر يهود بابل وإسبانية مواطنهم ليشتركوا في هذه المغامرة، إلا أن القائم بها أسر، وعرضه الخليفة يزيد بن عبد الملك على الناس على أنه مهرج دجال، ثم أمر به فقتل، ويغلب على الظن أن هذه الحركة لم تصل إلى مرحلة التنفيذ، فيبدو أنه قد تم اكتشاف أمر شيريم وهو لا يزال يدعو إلى حركته، ويعد نفسه للقيام بحملته، واليهود أجدر الناس بإبرام المؤامرات وتدبير الدسائس في سرية تامة وتنظيم دقيق. نقول هذا مع أن ديورانت قد نص على تسييره الحملة لانتزاع
فلسطين، ووقوع القائم بها في الأسر، وهذا يعني مواجهة الدولة في عهد الخليفة يزيد لهذه الحركة، وإخمادها.
4 ـ حركـة بـلاي بالأندلـس:
ظهر بلاي كمناوئ للسيادة الإسلامية على إسبانية في ولاية الحر بن عبد الرحمن على الأندلس، إذ يخبرنا المقري: أن أول من جمع فلول النصارى بالأندلس بعد غلبة العرب لهم شخص يدعي بلاي من أهل أشتوريش من جليقية، كان رهينة عن طاعة أهل بلده، فهرب من قرطبة أيام الحر بن عبد الرحمن سنة 89 هـ، وخرج معه النصارى على نائب الحر فطردوه وملكوا البلاد، ولما تولى السمح الأندلس أعد جيشه لخوض غمار الحروب، وتوجه إلى المناطق الشمالية من الأندلس، فحارب عصاة المسيحيين، وهزمهم وأجبرهم على اللجوء إلى المعاقل الجبلية في الاسترياس.
غير أن هزيمة المسلمين واستشهاد قائدهم السمح بن مالك في معركة طولوشة في بلاد الغال، قد أوجد الفرصة للمتمردين بقيادة بلاي من معاودة نشاطهم ضد المسلمين، ولكن عبد الرحمن الغافقي، الذي ارتد بالجند بعد الانكسار في معركة طولوشة إلى الأندلس، فولاه أهلها أمرهم حتى قدوم الوالي الجديد ـ تمكن من إخماد بوادر الخروج التي ظهرت في الولايات الجبلية الشمالية.
وأخذت حركة بلاي في ولاية عنبسة بن سحيم (103 ـ 107 هـ) بعداً أكبر، ويعتبر بلاي منشئ حركة المقاومـة النصرانية ومجـدد دولة النصرانية في الأندلس، وإن نهوضه بها كان الحجر الأول في بنائها الجديد، وأن زمن عنبسة كان بدايتها عندما استجاب أهل جليقية لبلاي، وعملوا على حرب المسلمين ومدافعتهم عن أرضهم، وإن كان نجاحهم قد تحقق بعد ذلك، واستمر بلاي في الكر والفر، واستفاد من انكسار المسلمين في بلاط الشهداء سنة 114 هـ، واضطراب أمر الأندلس بفتنة أبي الخطار وحركات البربر في شمال إفريقيـة، فأخرج المسلمين من اشتريس، ويبدو أن أهل استورقة من المسلمين حاربوه، لكنـه هزمهم، إذ تُشير المصادر إلى معركة تسمى لا كوفا دونجا، لقي المسلمون فيها الهزيمة، واستطاع بلاي على أثرها إخراج المسلمين من جليقية كلها، وتنصر كل مذبذب في دينه، ويرجح حسين مؤنس أن هذه المعركة حدثت سنة 133 هـ أو ما بعدهـا، وأن وفاة بلاي كانت بعد ذلك بقليل من نفس السنة. لقد كانت هذه الوقعة حاسمة؛ فقد مهدت لدولة اشتريس، فثبتت قواعدها على نحو لم يستطع المسلمون إزالتها بعد ذلك، وبذلك كانت حركة بلاي حادثاً فاصلاً في التاريخ الإسباني؛ إذ إنها كانت البداية الحقيقية لحركة المقاومة النصرانية ضد المسلمين.
5 ـ حركـة أخيـلا:
حاول أخيلا بن غطيشة أن يسترجع ملك أبيه في الأندلس، وأعلن تمرده في طركونة، فسار إليه السمح بن مالك الخولاني (100 ـ 102 هـ)، وأخضع البلد وأخمد التمرد، ومن المحتمل أن السمح قضى على هذه الحركة وهو في طريقه إلى بلاد الغال (فرنسة) غازياً (سنة 101 هـ) ومواصلاً فتوحات المسلمين فيها، ويبدو أن هذا ظهر في عهد الخليفة يزيد بن عبد الملك، كما أن القضاء على هذه الحركة لم يكلف السمح كبير عناء، إذ كان يقود حملة أعدت لما هو أعظم من هذا التمرد، فلم يزد على إخمادها، بل ظهر تسامحه مع الخارجين، إذ عفا عن أخيلا، وتركه على حاله فيها، وبعد استشهاد السمح بن مالك في معركة طولوشة سنة 102 هـ أعلن أخيلا التمرد من جديد، وانتقض أهالي طركونة على عنبسة بن سحيم الكلبي، لكن الأمير الجديد لم يكن أقل همة من سلفه، فقد سارع إلى إخماد حركتهم، حيث زحف إليهم، فدك حصونهم واقتص من زعمائهم، وقد استسلم أخيلا، وانتقل إلى طليطلة فأقام فيها، ولم يحاول الخروج على المسلمين بعد ذلك، واستقرت البلاد داخلياً واستتب الأمن فيها، وساد النظام والعدل في ربوعها.
إن تجاوز المسلمين جبال البرتات إلى بلاد الغال، وقد خلفوا وراءهم بعض الخصوم، أوجد مجالاً لهؤلاء المتربصين، في تنظيم حركاتهم والخروج على سلطان الفاتحين، فإن المسلمين وإن تمكنوا من القضاء على حركات بعض هؤلاء؛ كتمرد أهل طركونة بقيادة أخيلا، إلا أن غيرها تمكن من الثبات في ظل غياب قوة المسلمين واحتقار شأن المتمردين، وقد تمثل هذا في حركة بلاي، التي استغلت كثيراً من العوامل لتصبح نواة المقاومة المسيحية للوجود الإسلامي.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com