الجمعة

1446-11-04

|

2025-5-2

سياسة يزيد بن عبد الملك المالية

من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):

الحلقة: 199

بقلم فضيلة الدكتور علي محمد الصلابي

شعبان 1442 ه/ إبريل 2021

سياسة الخليفة يزيد بن عبد الملك المالية بالذات جاءت بعد إصلاحات الخليفة عمر بن عبد العزيز المالية، التي سعى من ورائها للعودة إلى النهج الإسلامي وتطبيق أحكامه على المال والأعمال، وصحح بعض الإجراءات التي اتخذها بعض أسلافه، فما مدى خروج الخليفة يزيد عن نهج عمر، وما الذي صنعه؟
مما لا شك فيه أن الخليفة يزيد لم يتبع نهج الخليفة عمر في بعض سياسته المالية، فأحيا السياسات المالية لأسلافه من بني أمية قبل عمر، وأعاد تطبيقها، بينما اتخذ أخرى وتابع عمر في بعض ما اتخذه من سياسات في هذا المجال، وبالأخص ما كان ذا عائد على خزانة الدولة، وطبق إجراءاته تلك في شيء من الدقة، والضبط والتشديد.
ومن الأمور التي ساير فيها يزيد عمر: منع بيع الأراضي الخراجية، كما أبقى على بعض الإصلاحات المالية الأخرى، وقد عمل يزيد بن عبد الملك على ضبط الأمور المالية بما يكفل زيادة الواردات ونقص المصروفات في شيء من الدقة والضبط والتشدد والجور، وربما ظروف الدولة في زمنه، والمتمثلة في خوض حروب خارجية في كل الجبهات؛ في الشرق مع الصّغد والترك، وفي الشمال مع الأرمن والخزر والروم، وفي الغرب مع الفرنجة إلى جانب الحركات الداخلية كثورة ابن المهلب وغيرها، وما يستدعيه ذلك من مصروفات كبيرة، قد دفعه إلى تجاوز الحدود في جلب الأموال أحياناً، كما أن يزيد لم يسير على نهج عمر في التقشف على نفسه ورجاله والعمل على ترشيد المصروفات، فنجده على سبيل المثال يأمر عامله على مكة أن يحمل أحد المغنين على البريد، ويقدم له ألف دينار نفقة الطريق ليستمع منه أبياتاً من الشعر، بينما نرى عمر بن عبد العزيز يؤنب ابن حزم عامله على المدينة على إسرافه في الورق والشمع، ويؤنب عامله على اليمن على تضييعه دنانير من بيت المال.
وقد عمل يزيد بن عبد الملك على اتخاذ إجراءات مالية متشددة كان هدفها توفير أموال لخزانة الدولة ليتمكن من الإنفاق على جيوشه المحاربة في الداخل وعلى الحدود، ومما يذكر هنا من باب حرصه على الأموال ما رواه ابن كثير: من أن عمر بن الوليد بن عبد الملك بن مروان قد اتهم الخليفة عمر بن عبد العزيز بأنه اختان من أموال المسلمين كل ما قدر عليه من جوهر نفيس ودر ثمين، وأنه خبأها في بيتين في داره مملوءين، فبعث يزيد إلى أخته فاطمة زوجة عمر يسألها عن ذلك، فقالت: ما ترك سبد ولا لبد، فسار بنفسه إلى دار عمر ودخل البيتين اللذين أشار إليهما عمر بن الوليد ليفتشهما، وفي صحبته عمر بن الوليد، فلما دخلهما وجدهما خاليين من الأموال، وقد هُيئتا للعبادة، حيث اتخذ عمر من إحداهما خلوة يخلو فيها بنفسه ويتدبر أمر دينه ودنياه، والأخرى مسجداً يعبد الله فيه ليلاً، فبكى يزيد، وخرج عمر بن الوليد مخذولاً.
ومن الأمثلة على مخالفة يزيد لسياسة عمر بن عبد العزيز المالية:
أ ـ الخـراج:
اعتنى الخليفة يزيد بهذا المورد تنظيماً وضبطاً وتشدداً وعسفاً، وكان الخليفة عمر بن عبد العزيز قد عمد إلى إصلاح كثير من الأمور، وأقر يزيد بعض ما صنعه وأصلحه، إلا أن من الحق الإشارة إلى أن سياسة يزيد في هذا الصدد قد شابها الحرص والرغبة في زيادة الموارد، فاشتد على الناس وأضر بأهل الخراج، ووضع الخراج على من لم يكن يؤدِّيه.
ب ـ الضرائب:
لم يكن يزيد بن عبد الملك يزن الأمور بميزان شرع الإسلام في كل الأحوال، فقد عهد يزيد إلى كثير مما أبطله الخليفة عمر من الضرائب المستحدثة والغير الشرعية، فأمر بإعادة فرضه وجبايته كما كان يُجْبى قبل عمر، ووضع ضرائب جديدة، وليس لهذه السياسة من تفسير سوى الرغبة في زيادة واردات الدولة المالية وتحصيل أكبر قدر ممكن من الأموال بصرف النظر عن شرعية هذا العمل، وآثار ذلك على المدى البعيد.
جـ العطاء:
سخر يزيد بن عبد الملك العطاء في خدمة أهدافه السياسية العامة، متأثراً في ذلك بظروف الدولة في عهده، وتكوين شخصيته، فلم يلتزم بالقاعدة التي اتخذها أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في توزيع العطاء، ولم يتبع نهج سلفه عمر بن عبد العزيز الذي عمل على تقديم العطاء لمستحقيه وتوزيعه بين الناس على أساس من الحق والعدل بعد أن خرج بنو أمية قبله عن سيرة الخلفاء الراشدين في ذلك، والخليفة يزيد بهذا الأسلوب يعود إلى سياسة أسلافه من بني أمية قبل عمر بن عبد العزيز، الذين لم يكن لهم سياسة ثابتة في توزيع العطاء، فقد عمدوا إلى تضييق دائرته تارة، وإلى إيقافه أخرى، وأسقطوا من الديوان من شاؤوا وفرضوا لآخرين، وزادوا فيه ونقصوا، فكان ذلك مثار شكوى الكثير من المسلمين باعتبار أن العطاء حق للمسلم لا يجوز للإمام حجبه، وأن أموال العطاء مما أفاء الله به على المسلمين.
د ـ الإقطاع:
عاود يزيد بن عبد الملك سياسة أسلافه من بني أمية باستغلال أراضي الصوافي لمصالحه الشخصية وخدمة أغراضه السياسية باتخاذها قطائع له، والإقطاع منها لبعض آله ورجال دولته.
هذه بعض الإشارات العابرة في السياسة المالية التي خالف فيها يزيد عمر بن عبد العزيز.



يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022